مقالات مختارة

«الدنيا تغيرت» ولكن..

عمرو خفاجى
1300x600
1300x600
لا جدال أن الغالبية من المصريين لديهم الكثير من المخاوف والهواجس، وفى اعتقادي أن أي مشاعر تعترى المواطنين يجب احترامها وتقديرها والعمل على تبديدها، وفى مقدمة تلك المخاوف عودة ما كان ساريا قبل 25 يناير، وهيمنة ثقافة وسياسة الحزب الوطني على تفاصيل الحياة، وأنا هنا تحديدا لا أتحدث عن مخاوف نشطاء أو هواجس تكتلات حركات احتجاجية، فهؤلاء قادرون على التعبير عن مواقفهم وربما مقاومة ما يخافونه ويخشونه بل ومحاربة كل ما يرون واجب محاربته.

أنا أتحدث عن العوام من المواطنين وآحاد الناس (خاصة الذين يعيشون خارج القاهرة) حيث المجتمعات صغيرة والتحركات واضحة وظاهرة أمامهم، ورصدها لا يستلزم جهدا خاصا أو قدرات فذة، فكما يقولون (على عينك يا تاجر) وهذه القطاعات من المواطنين أحست بعودة تحركات بعض رجال الحزب الوطني، وهى تحركات يمقتونها ويرفضونها، ويعتقدون أنها سبب العذاب الذي عاشوا فيه طويلا في ظل حكمهم.

 وكثيرون من بين هذه الفئات تكبدوا عناء شد الرحال لميادين الثورة للمشاركة في التخلص من عناء هذا الحزب وثقل رجاله الذين جثموا على صدورهم سنوات طويلة.

عودة سياسات ما قبل 25 يناير، ليست بقضية نخبوية، بل هي في مقدمة قضايا المجال العام، ولا يعنى أبدا أن هؤلاء المواطنين أعلنوا رفضهم حكم الإخوان، أنهم يقبلون عودة هذا الحزب من جديد للواجهة، وهذا تحديدا هو الضمانة الأساسية لمقاومة رغبات بعض قيادات الماضي للعودة للمشهد الحالي محاولين بسط نفوذهم من جديد، لكن ذلك يعنى أيضا، أن كل من في مقدمة المشهد من مسئولين وقادة وساسة ونخبة، صاروا مكلفين بإزاحة هذا الكابوس من رؤوس المواطنين البسطاء الذين يرفضون ذلك الحزب، والأهم يرفضون سياساته، فليس معنى اختفاء أسماء بعينها يعنى أن الحزب قد تلاشى فالمهم هو وأد هذه السياسات والتخلص منها وإطلاع الرأي العام على ذلك، فتلك قضية تهم الشعب الذي مازال ينتظر أن تنتصر الثورة له وتخلصه مما كان يرغب في التخلص منه.

ربما ما نراه معركة أحادية تستهدف الجماعة وأنصارها، دون أن نرى بوادر أو نوايا تعلن عن خطوات رافضة لمحاولات عودة الحزب الوطني، سواء بشكل صريح، أو مستتر، صحيح أن «الدنيا تغيرت» ونعتقد أن ما كان قبل 25 يناير لن يعود مهما كانت الأسباب، لكن هذا لا يمنع من ضرورة تطمين الناس أن المستقبل لن يستعين بالماضي الأليم، وان المستقبل بالضرورة مختلف وجديد وجيد، ويحمل معه خيرا لهؤلاء الذين تعذبوا كثيرا وطويلا، ولا أبالغ إذا قلت إن في ذات اللحظة التي تعلن فيها الحكومة ما تسميه استمرار حربها على الإرهاب، عليها أن تعلن أيضا حربها على كل فساد الماضي، وسياساته البغيضة التي تسببت في إفقار ومرض وجهل هؤلاء المساكين، فكما يرفضون العنف فهم أيضا يرفضون عودة من تسبب في ذلك، وأعتقد أن الحكومة صار من واجباتها أن تعمل على تأكيد أن «الدنيا تغيرت» وانه حقا لا عودة لما كان، أو بتعبير آخر، هي جادة حقا في الانتصار لثورة 25 يناير بكل قيمها وأهدافها ومطالبها.

(عن صحيفة الشروق 18 كانون الثاني/ يناير 2014)
التعليقات (0)