كتاب عربي 21

إسرائيل نحو إستراتيجية جديدة: "تحصين القلعة"!

أنطوان شلحت
1300x600
1300x600
قال اللواء احتياط يعقوب عميدرور، الذي شغل إلى ما قبل فترة وجيزة منصب "رئيس هيئة الأمن القومي" في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل شرعت خلال عهده في انتهاج مقاربة أمنية إستراتجية جديدة في ضوء التغيرات التي شهدها الشرق الأوسط ضمن سياق "الربيع العربي". 

وأضاف عميدرور في مقابلة أدلى بها إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية هذا الأسبوع، أن جوهر هذه المقاربة هو الانتظار بموازاة تحصين القلعة وعدم المساهمة بأي دور في هذه التغيرات التي ستسفر برأيه عن انهيار فكرة دولة القومية العربية، ونشوء محيط إقليمي جديد سمته الفوضى العارمة، مشيراً إلى أن ملامح تلك المقاربة بدأت تنعكس من خلال إنشاء الأسوار الأمنية في مناطق الحدود كافة، وإعادة الانتشار العسكري، وتعزيز أداء الاستخبارات الذكيـة. 

وفي ذات السياق قال الرئيس الأسبق لجهاز "الموساد" إفرايم هليفي للصحيفة الأميركية نفسها إن إسرائيل موجودة الآن في خضم حالة سماتها "الترقب، الانتظار، الجهوزية، والدفاع عن النفس عند الحاجة". وبرأيه فإن التغيرات الإستراتيجية التي تمرّ بها المنطقة يمكنها أن تحسّن أوضاع إسرائيل في المستقبل.

من جانبها أشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل تحاول استغلال آخر التطورات في الشرق الأوسط لتدعيم ادعائها بشأن "ضرورة" الحفاظ على وجودها العسكري طويل المدى في غور الأردن، وعدم تقديم أي تنازلات تتعلق بما أسمته "أرصدتها الأمنية".

وتزامن ذلك مع قيام أحد معاهد التخطيط الإستراتيجي في إسرائيل- "معهد ريئوت" (رؤية)- ببلورة مبادرة لصوغ  عقيدة أمنية جديدة لإسرائيل. 

ووفقاً لما قاله مدير هذا المعهد لصحيفة "هآرتس" (20/1/2014) فإن الواقع الجديد المترتب على الأحداث التي مرّت على العالم العربي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، يحتّم على إسرائيل مواجهة حقيقة انعدام عنوان واضح لتعرّضها المحتمل إلى هجمات من طرف منظمات تنشط في المناطق الحدودية للدول المجاورة لها، كما أن خطر الصواريخ الذي تطوّر كثيراً خلال العقد الأخير يستلزم تقديم أجوبة جديدة من جانب إسرائيل. فضلاً عن ذلك فإن عهد "الزعيم" القادر على كل شيء في الأقطار العربية يبدو كما لو أنه ولّـى لصالح ارتفاع منسوب تأثير الشارع على صنّاع القرار.

وتتسّق أقوال هليفي هذه مع تقديرات إسرائيلية متطابقة تفيد أن مجموعات السلفيين التابعة لتنظيم القاعدة باتت أحد أخطر التهديدات المركزية الماثلة أمام إسرائيل الآن وخصوصاً في المناطق الفلسطينية المحتلة، إذ إن بإمكانها بواسطة صواريخ كتف وحسب أن تعطّل الحركة في مطار بن- غوريون الدولي وفي دولة إسرائيل كلها. وبرأي أصحاب هذه التقديرات، لا يمكن لأي قوة سلام أو أمن دولية أو عربية أو فلسطينية أن تكبح هؤلاء "الذين لا ينفع فيهم ردع عادي".

وبموجب ما قاله أحد المستشرقين الإسرائيليين في مقال نشره أخيراً في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يتبيّن الآن أن "الربيع العربي" هو ربيع سلفي، وفي المناطق الفلسطينية تحولت حركة فتح وبقدر كبير حركة حماس أيضاً إلى أثر باق من الماضي. فكلتاهما مكروهتان من الجمهور المحلي. وأخذت تنشأ قوة جديدة في هذه المناطق هي الحركة السلفية التي يسمى بعضها "حزب التحرير"، ومركز نشاطها في مدينة الخليل. ومؤخراً اشترك في تظاهرتي عرض قوة قامت بهما هذه الحركة في مدن مركزية في الضفة الغربية، عشرات الآلاف وهم يرفعون أعلام القاعدة السوداء. وأشار أيضاً إلى أن هؤلاء يكرهون السلطة الفلسطينية أكثر مما يكرهون إسرائيل، ويكرهون حماس في الوقت ذاته، وهم غير مستعدين لدولة فلسطينية ولا يعترفون بأي حدود أو مفاوضات. وطموحهم المعلن هو إقامة خلافة إسلامية في كل أنحاء الشرق الأوسط، فضلاً عن أنهم يؤيدون السلفيين في سورية ولبنان وسائر الدول العربية.

التقويمات الإسرائيلية الرسميــة

في واقع الأمر، فإن التقويمات الإسرائيلية الرسمية في نهاية العام الفائت (2013) اتسمت بقدر كبير من التفاؤل حيال وضع إسرائيل الأمني في العام  الحالي (2014). 

وهو استمرار لـ "تفاؤل" متكرّر على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، أي منذ بدء الثورات العربية، ودافعه الأساسي أن العالم العربي منشغل بحروب وصراعات داخلية من شأنها أن تُبعـد شبح الحرب والتصعيد الأمني عن إسرائيل. 

وجاء ذلك أيضاً في وقت أُعلن فيه أن الجيش الإسرائيلي قام بتحديث عقيدته العسكرية بعد أن بات في الأعوام الأخيرة يستبعد أي احتمال لنشوب حرب تقليدية مع جيوش نظامية، ويرى أن الاحتمال القائم هو "عمليات عسكرية" أو مناوشات ضد منظمات مسلحة، مثل حزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين والفصائل الأخرى في قطاع غزة وتنظيمات الجهاد العالمي في شبه جزيرة سيناء وسورية.   

على الرغم من ذلك، فإن هذه التقويمات الإسرائيلية لا تترك حيزاً كبيراً للتفاؤل إزاء الوضع الناشئ في قطاع غزة تحديداً، ولا سيما عقب إطاحة سلطة "الإخوان المسلمين" في مصر، واتهام السلطة الجديدة في هذا البلد بقيادة وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي لحركة حماس بالتآمر ضد مصر، ما أدى إلى تراجع العلاقات بين الجانبين، وهو أمر تمت ترجمته على أرض الواقع بإغلاق الجيش المصري معظم الأنفاق بين القطاع وسيناء التي كانت تدخل عبرها معظم البضائع والأسلحة طبعاً إلى غزة. 

وتعتبر إسرائيل أن هذا الوضع قد يتسبب بأزمة إنسانية في القطاع، ويدفع الفصائل الفلسطينية فيه إلى المبادرة لتصعيد أمني ضد إسرائيل.  

وقد أوجز ضابط إسرائيلي رفيع برتبة لواء سبب التفاؤل السالف قائلاً إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي هو حربان ضروسان لا تمت أي منهما بصلة لإسرائيل: الأولى، الحرب السنية - الشيعية والتي تسبّب حزب الله من جرّاء اشتراكه في الحرب الأهلية في سورية بجرّها إلى داخل لبنان؛ الثانية، الصراع في مصر.


"خطة عـوز"

نعيد إلى الأذهان أن الجيش الإسرائيلي بدأ هذا العام، بصورة رسمية، تطبيق خطة خماسية جديدة تحمل اسم "عوز" (جرأة) من المتوقع أن تستمر حتى عام 2017، وأن تحل محل "خطة تيفن" التي جرى اعتمادها للأعوام 2008- 2012.

وبموجب الانطباع العام الذي ورد في تحليلات المعلقين العسكريين في إسرائيل، فإن الخطة الخماسية الجديدة للجيش الإسرائيلي تنص، بصورة عامة، على تقليص فرق سلاح البر نظراً إلى اندثار خطر الحرب التقليدية على جميع جبهاتها الحدودية وآخرها الجبهة السورية، وعلى وجوب زيادة الإنفاق على المشروعات المتعلقة بأجهزة الاستخبارات، وبالقدرات القتالية المتطوّرة لدى أسلحة الجو والبر والبحر، وعلى المشروعات المتعلقة بالحرب السيبرانية في شتى الجوانب، وأساساً جمع المعلومات الاستخباراتية، والدفاع والهجوم. 

وقد أشير في معظم تلك التحليلات إلى أنه رغم هذه التغييرات فإن التقديرات السائدة لدى المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل تشير إلى أن احتمال أن يكون المستقبل أسوأ من الناحية الأمنية ما زال كبيراً.

وبناء على ذلك فقد تمثل الاستنتاج الوحيد الذي خرجت به إسرائيل في مجرى إعداد الخطة الجديدة للجيش في أن المستقبل يتطلب امتلاك مزيد من القوة. 

ولا بُد من القول إن هذا الاستنتاج ذاته برز أيضاً لدى إعداد الخطة السابقة تحت وطأة نتائج حرب تموز/ يوليو 2006 مع لبنان، غير أنه توازى في حينه مع استنتاج آخر يناقضه، مفاده أن "حماية إسرائيل ممكنة لكن فقط عبر السلام"، كما عبّر عن ذلك عدد لا بأس به من المحللين الإسرائيليين. أمّا الآن فإن أغلبية المحللين اختارت أن تتحدث عن مخاطر الحرب المقبلة وطبيعتها، أكثر من الحديث عن احتمالات السلام، وبذا تماشت مع تقدير المؤسستين السياسية والأمنية بأن المستقبل قد يكون أسوأ من الناحية الأمنية.
التعليقات (0)