كتاب عربي 21

السيسي.. هل يشتري سمكاً في النهر؟!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

ولي زمن كنا فيه نستمع إلى "صوت أميركا"، و"هنا لندن" لنعرف ما يحدث علي أرض مصر، وما يدور في كواليس أهل الحكم، الآن صرنا نتجه إلى الإعلام الخليجي التابع للدول الراعية للانقلاب، فقد "تدحرج" بنا الحال، لتصبح مصر دولة يتحكم في قرارها السياسي، أولو الأمر منهم في دبي والرياض.

الحياة اللندنية"، وهي واحدة من الصحف التي يهيمن عليها القوم في العربية السعودية، قالت بأن الأيام القليلة القادمة ستشهد تقديم السيسي لاستقالته من وزارة الدفاع والترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فاحتفى الجميع بهذا الخبر، لأن المصريين الآن باتوا علي قناعة بأن الانقلاب له "كفيل" وأن هذا "الكفيل" خليجي بالأساس، وأمريكي في المقام الأول.

الإجماع الخليجي ليس منعقداً على ترشيح السيسي رئيساً للجمهورية، ففي السعودية يجد قبولاً لدى الملك ومعارضة لدى دوائر في الحكم هناك، وفي الإمارات هناك من يقبل بترشيحه مثل محمد بن زايد وهناك من يعترض. وترشيح السيسي رئيساً لمصر يجد معارضة أمريكية، وفي لقاء أخير جمع بين الملك عبد الله وكيري، بذل الملك جهداً مضنياً لإقناع وزير الخارجية الأمريكي بالسيسي رئيساً، ومن المؤكد أنه لم ينجح في مهمته حتى كتابة هذه السطور.

كان من المقرر أن يعلن الفريق عبد الفتاح السيسي ترشحه بعد إعلان نتيجة الاستفتاء علي الدستور، لكنه في حالة تردد الآن، ويتم الحشد له من قبل وزير الداخلية بعد أن أعلن انه لن يترشح إلا بطلب من الشعب المصري وبتفويض من الجيش!

وزير الداخلية يرى في الحشد انه سيمكن زعيمه السيسي من الترشح واستمراره في المشهد السياسي هو الضامن لاستمراره هو وزيراً للداخلية، لأن البديل لذلك هو اصطياده بعيدا عن المنصب وتقديمه للمحاكمة على كل المجازر التي ارتكبت بعد الانقلاب على الشرعية، فضلاً عن انه يرى في الحشد ما يخفف من عبء مواجهة الشرطة لجماهير الثورة التي قررت أن يكون يوم 25 يناير يوماً حاسماً من أيام الثورة المجيدة، وبمناسبة مرور ثلاث سنوات عليها.

مجموعة من الأحزاب الصغيرة والحركات متناهية الصغر قررت الاحتشاد في ميدان التحرير في هذا اليوم لحمل الفريق السيسي علي الترشح، بالرغم من أن الثوار جعلوا من ميدان التحرير هدفاً لهم.. وهذه الدعوة من قبل سلطة الانقلاب لجماهيرها للاحتشاد بميدان التحرير تأتي طلباً للدعم ولتوفير حماية للميدان قد تعجز قوات الأمن عن توفيرها.

السيسي يكسب وقتاً، وهو يريد أن يضع العربة أمام الحصان، وإذا كان قد فشل في إقناع دوائر الرفض في الإمارات عن طريق واسطة محمد حسنين هيكل بأمر ترشيحه؛ فهو يريد أن يؤكد لمن هم بالخارج أنه تأييده مطلب شعبي، كما أنه يحظى بتأييد الجيش المصري!

وقد ينجح في الحشد هذه المرة أيضاً، وقد يفشل، وهو في نجاحه ليس على قناعة من أنه بالحشد وتأييد القوات المسلحة لترشحه رئيساً يمكن أن يحظي على تأييد عموم دوائر الانقلاب إقليمياً ودولياً. وهناك مرشح تدخره الدوائر الإقليمية بديلاً هو الفريق سامي عنان الذي لم يتراجع حتى كتابة هذه السطور عن فكرة ترشحه، وقد جرى استدعاؤه للعربية السعودية من أجل "تعميده" سياسياً. وعندما كان يؤدي مناسك العمرة التقي به زميل صحفي وسأله إن كان لا يزال مصراً علي الترشيح، فقال بحسم: طبعاً!

عنان عاد من السعودية ليحضر قداس أعياد الميلاد، وأصدر بياناً عقب إعلان نتيجة الدستور ليهنئ الشعب المصري بهذا الانجاز، وهذه وتلك خطوتان لا تخطئ العين دلالتهما.

الذين يرفضون السيسي ويتحفظون عليه لا يفعلون هذا كرهاً للرجل أو لأنه ليس مؤهلا للاستقلال بالقرار المصري عن دوائر النفوذ الغربي والخليجي، ولكنهم يريدون لمصر الاستقرار، وقد وعد به الانقلابيون بعد الاستفتاء ولم يتحقق، فيريدون حاكماً يلقى قبولاً شعبياً، والسيسي يمثل العقدة وليس الحل!

يفلس السيسي فيبحث في دفاتره القديمة، والتي تتمثل في الإفراط في استخدام القوة وهو يفعل الآن، كما تتمثل في عامل الوقت. وإذا كان قد جرى التمهيد لمخالفة خريطة المستقبل فيكون البدء بالانتخابات الرئاسية، فإنه في حال ما إذا لم يأت التأييد الدولي والمحلي فسوف تكون البداية بالانتخابات البرلمانية التزاماً بالخريطة واللعب على عامل الوقت فقد يحصل على التأييد في وقت لاحق.

قبل أسابيع كان "المؤقت" عدلي منصور قد استقبل بعض الحركات والأحزاب والفصائل، والتركيز إعلامياً ان المطلب الذي يحوز على إجماع الفصائل هو أن يكون البدء بالانتخابات الرئاسية. لكن الآن بدأ التمهيد لإمكانية التراجع عن هذا الطريق، وقبل أيام وذات ليلة فوجئنا بسيل من الأخبار دفعة واحدة عن استعدادات الأحزاب الموالية للانقلاب للانتخابات البرلمانية، وعن تحالفات وتجاذبات، وأفكار عن تنسيق بين هذا الحزب وذاك، او تفكير في التنسيق بين هذا الحزب وذاك!

في هذه المرة لا يمكني أن أسلم بصحة خبر "الحياة اللندنية" عن أن الأيام القليلة القادمة ستشهد تقديم الفريق السيسي لاستقالته من منصب وزير الدفاع استعداداً لخوض الانتخابات الرئاسية. والسبب في عدم قدرتي علي التسليم مرده إلى شخصية السيسي نفسه، والذي يحب دائما أن يلعب "في المضمون"، ولا يريد أن يتحمل أي مخاطرة ولو في الحد الأدنى. وهذا ما يفسر ما جاء في التسريبات من دفعه لمحاوره الصحفي ياسر رزق أن يقنع النخبة بأن تتبني مطلباً يتمثل في أن ينص الدستور على أن يسمح للفريق السيسي بخوض الانتخابات الرئاسية على أن يعود وزيراً للدفاع في حال سقوطه.

في تقديري أن السيسي في حال ما إذا استقر الرأي على ترشحه رئيساً سيبحث عن موافقة قانونية تمكنه من الترشح مع الاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع، فإذا لم يتسن له هذا فإنه لن يقدم استقالته من منصب الوزير سوى ليلة تقديمه لأوراق ترشيحه وبعد فتح باب الترشيح، فليس هو من يغامر ويستقيل الآن فيكون كمن يشتري سمكاً في ماء.. أو في النهر.

أعلم أن الأجهزة الأمنية تستطيع أن تمكن السيسي من النجاح بالتزكية، ومن خلال ضغط بسيط على منافسيه، ولن يكون بينهم جاداً، فحتى حمدين صباحي بدا في تصريحات كما لو كان يتسول وجوداً في حملة الفريق السيسي.

لكن تبدو المشكلة في أن السيسي قد خان قيادته ومن أستأمنه، ومن يخن لا يأمن لأحد، حتى لو كان من أقرب المقربين له. ففي حال استقالته الآن كما يقول خبر "الحياة اللندنية"، فهو لا يضمن ولو شريكه في الانقلاب صدقي صبحي رئيس الأركان إذا أصبح وزيراً للدفاع.

ما نشرته "الحياة اللندنية" قد لا يبدو خبراً بالمعني المتعارف عليه مهنياً، ولكنه مجرد بالونة اختبار. فالرجل الذي لم يحصل على الإجماع مصرّ على الاستقالة والترشح، فقد يكون هذا مبرراً لقبول الرافضين لترشيحه خليجياً بسياسة الأمر الواقع.

نحن في انتظار "الأيام القليلة القادمة" بحسب تحديد جريدة "الحياة اللندنية".. وكما يقولون الماء يكذب الغطاس.
التعليقات (1)
mh
السبت، 25-01-2014 12:39 ص
الساعة الأوميجا جننته خلته مش شايف حواليه