كتاب عربي 21

كلمة السر في تونس: اليقظة!

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
ونحن على ابواب التصويت على مجمل الدستور بثلثي أعضاء المجلس الوطني التأسيسي في قراءته الأولى فإننا نسير بوضوح في تونس نحو الخروج ببطئ لكن بكل تأكيد نحو بر الأمان وتفادي المصير القاتم الماثل امامنا في جل ثورات الربيع العربي. فبين مصر التي تم فيها التصويت بما يفوق التسعين في المئة على دستور اعدته لجنة منصبة من سلطة انقلابية في استفتاء قاطعه المعارضون ولم يتم السماح إعلاميا لمن يرغبون التصويت بلا في التعبير عن آرائهم وتونس التي صوتت عبرمجلس منتخب على دستور عبر بشكل واسع عن أكثر فئات المجتمع تنوعا مما أدى إلى حملة عفوية إيجاية في افتتاحيات صحف عالمية مقتدرة من الواشنطن بوست الى النيويورك تايمز الى لومند، بين تونس ومصر هناك مسافة معتبرة. يبقى أن الطريق لم ينته، ولن ينته إلى يوم تاريخ إنجاز الإنتخابات.

المهام المتبقية إذا تم التصويت في المجلس على الدستور بنسبة الثلثين وتفادينا الاستفتاء هو تقرير آليات الانتخابات وخاصة الفصل أو الجمع بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية ومن ثم القانون الأساسي الانتخابي والذي سيوفر ما يكفي من المعطيات أمام اللجنة العليا المستقلة للانتخابات لتحديد تاريخ الانتخابات. بمجرد تحديد التاريخ من المتوقع أن نضع البلاد على السكة إلى الانتخابات. يبقى مسألة أخرى قبل إنهاء الدستور لازالت تؤرق الطبقة السياسية: كيفية التعامل المؤسساتية مع الحكومة القادمة المكونة أساسا وفقط من تكنوقراط. فقد تضمنت "خارطة الطريق" التي تأسس عليها "الحوار الوطني" بين الاحزاب والتي صاغتها بالأساس المنظمات المهنية وأهمها أكبر النقابات، الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد رجال الأعمال بندا يتعلق بتعزيز "الحماية" للحكومة الجديدة وتجنيبها أية هزات وتدعيم استقرارها عبر جعل سحب الثقة منها من قبل المؤسسة التشريعية القائمة أي المجلس التاسيسي أكثر صعوبة وذلك عبر صيغة الثلثين وليس النصف زائد واحد. بيد أن الأحكام الانتقالية للدستور الذي تم التوافق عليه أكدت في أحد بنودها على سحب المبادرة التشريعية من نواب المجلس باستثناء ما يتعلق بالقوانين الأساسية (على رأسها القانون الانتخابي) وهو ما يفرض حدودا واضحة في تدخل المجلس في عمل الحكومة. 

إن تنقيح القانون المنظم للسلط العمومية بتعديل الفصل 19 وتغيير صيغة سحب الثقة من الحكومة من النصف زائد واحد إلى الثلثين سيجعل الحكومة ومن ثمة السلطة التنفيذية فوق الجميع. خاصة أنه تم اصلا الاتفاق على منع المبادرة التشريعية عن المجلس التأسيسي بمجرد التصويت على الدستور. سحب ثقة بالثلثين مع منع المبادرة التشريعية للمجلس يعني فعليا أن مراقبة المجلس للحكومة ستكون بدون أي صلاحيات فعلية وسيجعلنا في حالة لاتوازن مؤسساتية. التسهيل الاستثنائي لعمل الحكومة خاصة في مرحلة انتقالية قصيرة أمر مفهوم ومنع المبادرة التشريعية يفي بهذا الغرض. هذا التركيز على الثلثين مريب لسببين أساسيين، الأول انه موقف يعلي المصلحة الحزبية على المصلحة العليا فمن يدافعون عنه اليوم سبق أن هاجموه عندما تمت مناقشته في أول حكومة ترويكا (ديسمبر 2011) حيث لم تكن هناك رغبة حينها لـ"تسهيل" عملها. السبب الثاني أن معظم من يدعون إليه ويعتبرونه حجز الزاوية في المرحلة القادمة سبق أن نادوا علنا بحل المجلس التاسيسي خاصة في شهري أب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر. وهذا المطلب معززا بسحب صلاحية المبادرة التشريعية من المجلس يعني عمليا حله. 


في التجارب المقارنة من النادر أن نجد بما في ذلك في الديمقراطيات البرلمانية أغلبية تساوي الثلثين لسحب الثقة من الحكومة. وهذا أمر مفهوم حتى يتم وضع أي حكومة في حالة تأهب دائمة من سلطة المقاربة للمؤسسة المركزية في أنظمة مجلسية أو برلمانية أو شبه برلمانية أي المجلس التشريعي. هذا في حكومات ائتلاف حزبي عادية وفي ديمقراطيات مستقرة. نحن هنا على بعد سنوات قليلة من عهد وغريزة الاستبداد وبحكومة"مستقلة" أو حكومة تكنوقراط ليست لها أي مرجعية سياسية الزامية أو تنظيم حزبي يفرض عليها قواعد لعبة مؤسساتية. بسبب هشاشة المرحلة الانتقالية يجب اعتبار الحفاظ بقوة على المؤسسة الشرعية الوحيدة المعبرة على الإرادة الإنتخابية مسألة أساسية إلى القيام بانتخابات جديدة. لقد قامت المعارضة بحملة ناجحة لإقناع جزء من الرأي العام أن هناك علاقة سلبية بين إنجاح الإنتخابات القادمة ووجود حكومة ائتلاف حزبي. ورغم أن اللجنة العليا المستقلة للإنتخابات وحدها التي تملك أدوات تسيير الإنتخابات وليس الحكومة (عبر وزارة الداخلية) مثلما كان الحال في السابق، ورغم أن مفاصل الدولة الأهم خاصة على المستوى المحلي (معتمدين وعمد) هم ممن تم تعيينهم في عهد الإستبداد وليس بعده (حتى أن لديهم نقابة تدافع عنهم وضد التعيينات الجديدة) فقد حرصت قوى المعارضة وعلى مدى أكثر من عام على تكرار الحجة القائلة باستحالة تنظيم انتخابات بحكومة ائتلاف حزبي. 

إن السياق الإنقلابي عربيا معززا بسياق محلي اشتهى الإنقلاب في مفاصل محددة من المسار الإنتقالي الديمقراطي وليس هناك أي مبرر لعدم عودته إلى شهواته تلك في أي منعطف جديد من الأحداث المتسارعة خاصة أمنيا. مما يجعل اليقظة هي كلمة السر لكل من يريد المحافظة على هذا المسار. تجاوزنا الخطر المحدق لكن لم نتجاوز كل المخاطر بعد إلا بانجاز انتخابات حرة نزيهة في الصيف او بعده مباشرة. 
التعليقات (0)