كتاب عربي 21

انقسام على الحق خير من توحد على الباطل

أنس حسن
1300x600
1300x600
يصدر الكثيرون اليوم فوبيا الثورات من كونها قسمت المجتمع وشقت صفوفه وفرقت بين الأخ وأخيه وبين الزوج وزوجته وبين الاب وابنه، ودوما يردد شق من المجتمع أنها - أي الثورات - أذهبت الأمن وأضعفت الاقتصاد وغيرت خريطة المجتمع، وهذا وإن كان صوابا في كونه حاصلا كأحد أعراض الثورات الجانبية، فإنه ليس مدخلا منطقيا لتجريم الثورة مطلقا. لقد تم توجيه ذات الاتهام للنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته كون دينه الجديد فرق بين الأخ وأخيه، والرجل وزوجه، وهز اقتصاد مكة وصورتها ومكانتها أمام الأغيار من العرب. وفي غزوة بدر كان يستفتحون على النبي وصحبه ويدعو أبو جهل "اللهم عليك بأقطعنا لرحمه"، فكان هذا دوما ديدنهم.

دوما يسعى "الباطل" لمرجعية أخلاقية قيمية "مضللة" يستند إليها في نقد الحق ومحاربته ومواجهته، لتقبيحه مجتمعيا وسياسيا وأخلاقيا بحيث يحشد صنوف المجتمع البسيطة ضده. ولذلك كان استخدام مصطلحات "التقسيم" والفرقة والخلاف وشق الصف وضرب استقرار الوطن هي حجج دائمة يستخدمها الباطل لإيهام الناس بأنه يستند إلى قيمة يدافع عنها. ولكن الحق دوما كان مثارا للتفريق بين المرء وزوجه والاخ وأخيه، فلا يمكن أن يلتقي باطل وحق في معركة إلا وأعادت المعركة ترتيب صفوف المجتمع كله، لتنعكس معركة الحق والباطل على بنية المجتمع نفسه، وهذه طبيعة كل معارك الحق والباطل.

فيجب ألا أن تنفرنا تلك الآثار من الاندماج في معركة بدونها لا تقوم للحق قائمة، ويضيع العرض ويهلك الحرث والنسل. فالباطل إذا تمكّن وانتهت مواجهته مع الحق بدّل كل المفاهيم وغيّر الأمزجة، وانتقلت معركته من ميدان المادة إلى ميدان الافكار والإنسان، فتتبدل كل القيم المرجعية ويصبح الخير شرا والشر خيرا، ويتم العبث بالدين ومفاهيمه ليصبح الرقص دينا، ويضحي تعطيل الدين تنزيها له، وإيقاف العمل بشرائعه إعلائا له. إن معارك الحق لها ضريبة يشكل عدم فهمنا لها وعدم استعدادنا لها أول عقبة من عقبات النصر ?ن عدم فهم ميدان المعركة قد يصدمك في النهاية.

إن السعي الدائم لمحاولة توحيد الصفوف دون فهم ماهية الصف الذي نحتاج توحيده وماهية كونه ملبيا لاحتياجات القضية والمعركة لهو أمر يشكل خطرا كبيرا على القضية نفسها، فقد يسعى البعض لتوحيد الشيء ونقيضه في معركته سعيا وراء ذكريات معركة قديمة تبدلت كل معطياتها الآن وتغيرت طبيعة النفوس والمواقف. أما وقد حصل الفرز وأبانه الله بقدرته فلا أرى أبدا مزجه مجددا إلا على أسس واضحة سليمة لا تميّع قضية ولا تعبث بقيمة. مهما كانت أضرار استمرار المعركة بهذه الصورة إلا أنه لا فكاك من تنقية الصف وترقية القيم والأهداف، ولا مانع من تحالفات ولم شمل لا يعبث بأسس ومحددات القضية حينها.

إن معيار التآلف في أمة الإسلام هو "القضية" والغاية، فلمن يسعى جاهدا لإرضاء من لن يرضى إلا بتحويل مسار القضية تذكّر قوله تعالى: "لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم.. ولكن الله ألف بينهم". صدق الله.. فالله يؤلف بين من ائتلف تحت رايته لإعلاء كلمته. لقد خرج مع النبي في معاركه "المنافقون"، واستعان أحيانا بيهودي في هجرته، لكن معاركه وهجرته كانت لله ولغاية واضحة صريحة.. فلا تعبثوا بعناوين القضية، فالائتلاف إذا كان على حساب القضية سرعان ما تحول إلى اختلاف وخذلان.. "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا، ولأوضعوا خلالكم، يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم"!
التعليقات (3)
اسلام
الأحد، 26-01-2014 01:07 ص
لب ن\ رائعه تذكرنى يكلام الشيخ سيد قطب
olafathalla
السبت، 25-01-2014 05:30 م
44444444444444
رامي
السبت، 25-01-2014 01:51 م
رائع. توحيد الصف تحت راية واضحة وأهداف واضحة عظيمة غير عبثية ولا صغيرة لا طموح لها هو المطلوب وما النصر الا من عند الله