كتاب عربي 21

هرطقات "جنيف 2" .. حرب الإرهابيين

1300x600
1300x600
وحدها أشباح "الإرهابيين" المفترضين كانت تحلق في أروقة مؤتمر "جنيف 2"، أما أرواح ضحايا "الإرهاب" الحقيقيين فقد غابت عن المشهد السوريالي السوري، فالهويات الإرهابية لا تزال مفاهيم تخضع للنقاش والتداول والسؤال؛ فهي لا تزال تحت سيطرة عدوٍّ يحكم قبضته على رأس السلطة، ويتحكم بمجمل وسائل تصوير وتمثيل الهويات.

بعد قرابة ثلاث سنوات عجاف من عمليات القتل الممنهج تمخضت عن إزهاق أرواح أكثر من (200) ألف من الضحايا بأساليب لم تخطر على بال "ماركيز دي ساد"، ولا مارسها "بروكوست" على أسرّته، لا يزال المجتمع الدولي يتنازع "فرانكشتاين" ممثلا بالأسد،
أما "وحشه" الذي بات يكافئ "الإرهاب" فقد أضحى موضع إجماع.

سردية "الحرب على الإرهاب" باتت لازمة موسيقية لدى مليشيا نظام الأسد الفاشي وأنصاره، بل هي الموسيقى ذاتها، كما فعل من قبل جورج بوش الإبن عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فقد أعلن الأسد قبل أيام من انعقاد مؤتمر "جنيف 2" في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" بأن نتائج أعمال المؤتمر ينبغي أن تخرج بقرار وحيد، ألا وهو "مكافحة الإرهاب في سوريا".

الاستراتيجية الروسية، الأسدية، الإيرانية، تتناغم مع أرشيف الخطاب الإرهابوي المعولم، وهي تدرك تماما طبيعة المجتمع الدولي الذي لا يؤرقه سوى "الإرهاب"، ولذلك فقد عمل جاهدا على خلق الأسباب والشروط والظروف الموضوعية لولادته القسرية، عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات، بدءا بتسهيل فرار الذين سيتحولون إلى "إرهابيين" من السجون العراقية، وإخراجهم من السجون السورية، واستخدام تكتيكات الأرض المحروقة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، فضلا عن تأجيج الخطاب "الطائفي" لاستدعاء المتطوعين والمهاجرين وجلب الأنصار على أساس الهوية، وبهذا فإن التحالف الذي خلق "الإرهاب" وحده القادر على محاربته.

 ولكن لا غنى عن سياسات النظام الأسدي القمعي الفاشي للثورة السورية السلمية هي خلقت "القاعدة في بلاد الشام"، وأسست لبروز السلفيّة الجهادية المتشددة، مع الإعلان عن تأسيس "جبهة النصرة لأهل الشام" في سوريا بزعامة أبو محمد الفاتح الجولاني بداية عام 2012، الذي تم بمساعدة دولة البغدادي في العراق، وعملت على توفير الشروط والأسباب الكافية  لإعلان أبو بكر البغدادي في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي عن دمج الأبعاد وولادة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وذلك في سياق تبرير عمليات القمع والتدمير والقتل للدخول في سياسات "الحرب على الإرهاب" كوصفة مضمونة دوليا للتهرب من المحاسبة والمسؤولية، والانضمام لنادي حرب الإرهاب المعولم.

وزير الخارجية السوري وليد المعلم  الخبير "الأخلاقي الإرهابوي" قدم خلال كلمته في افتتاح مؤتمر جنيف2، في مدينة مونترو السويسرية خطابا في معنى "الإرهاب" وحقيقته، بالقول: "حانت اليوم لحظة الحقيقة حقيقة أريد لها ..وبشكل ممنهج.. أن تضيع عبر حملات تشويه وتضليل وفبركة وأكاذيب وصولا إلى القتل والإرهاب .. يؤسفني ويؤسف شعب سورية الصامدة أن ممثلين لدول ممن تضمهم هذه القاعة يجلسون معنا اليوم وأيديهم ملطخة بدماء السوريين.. إن دولا صدرت الإرهاب وصدرت معه صكوك الغفران وكأن الله وكلها أن تدخل هذا إلى الجنة وذاك إلى النار .. وبعد كل ما سبق وبعد أن فشلوا سقط القناع عن الوجوه المهتزة لينكشف الوجه الحقيقي لما أرادوا.. زعزعة استقرار سورية وتدميرها من خلال تصدير منتجهم الوطني الأهم وهو الإرهاب .. أين ما يجري في سورية أيها السادة من كل ذلك... كيف لإرهابي شيشاني أو أفغاني أو سعودي أو تركي أو فرنسي أو بريطاني أن يحقق تطلعات الشعب السوري.. وبماذا... بدولة إسلامية لا تعرف عن الإسلام شيئا إلا ما عرفوه عن الوهابية المنحرفة... من قال لكم ولهم إن الشعب السوري يتطلع إلى العودة آلاف السنين إلى الوراء.

بحسب المعلم "كل ما سبق لم يكن ليتحقق لولا حكومة أردوغان التي فرشت أرضها للإرهابيين تدريبا وتسليحا وتوريدا إلى الداخل السوري.. أعمت بصرها عن أن السحر سينقلب على الساحر ذات يوم وها هي تذوق الآن بداية مرارة الكأس .. فالإرهاب لا دين له ولا ولاء له إلا نفسه.. لكن بعض الجيران أشعلوا النيران في سورية واستقدم بعضهم الإرهابيين من شتى انحاء العالم .. إن هذا الإرهابي في الأمس كان في أمريكا واليوم في سورية وغدا لا أحد يدري أين سيكون .. إن كنتم تشعرون فعلا بالقلق على الوضع الانساني والمعيشي في سورية فارفعوا أيديكم عنا.. أوقفوا ضخ السلاح ودعم الإرهابيين. 

بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية للأسد، أكدت على أن "الوفد لم يأت إلى مونترو للحديث عن السلطة بل لمناقشة الإرهاب"، أما وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، فعلق على كلمات بعض المتحدثين في مؤتمر "جنيف2" بالقول: "بعض الكلمات بدا متحدثوها وكأنهم سفراء تنظيمات "إرهابية"، وليس لدول أو حكومات. 

خطاب "الإرهاب" كان منسقا بشكل سوريالي في جنيف 2، بين مليشيا الأسد محليا والنظام الإيراني إقليميا والاتحاد الروسي دوليا، فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعتبر أن الهدف الأول من مؤتمر جنيف2 هو "قيام تحالف بين الحكومة والقوى الوطنية السورية لمحاربة الجماعات الإرهابية الدخيلة التي تقاطرت من جميع أنحاء العالم إلى سوريا لتنفيذ مخططاتهم الشريرة"، أما الرئيس الإيراني حسن روحاني فقال: إن جنيف2 يجب أن "يشدد على طرد كامل للإرهابيين".

على الجهة المقابلة من خطاب "الإرهاب"، كان رئيس ائتلاف المعارضة أحمد الجربا يقدم أطروحة مغايرة في معنى "الإرهاب"، فهو يؤكد على أن المعارضة تذهب إلى جنيف 2 لمحاربة إرهاب النظام وإرهاب عائلة الأسد، وبحسب الجربا ببساطة إن النظام الذي قام بقتل أكثر من 150 ألفا من أبناء البلد، وموجود في معتقلاته أكثر منهم، ونحو 100 ألف في عداد المفقودين، واستخدم المدافع والدبابات والطيران الحربي في قصف المدن والأماكن السكنية في كل المناطق السورية، وشرّد حلّه الحربي نحو ثمانية ملايين سوري، ودمّر البنى التحتية لبلد كامل.

 يشارك "أصدقاء سوريا" خطاب الائتلاف في تفهم معنى "الإرهاب"  وفق رؤية مغايرة ومنظور مختلف، فبحسب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن النظام السوري "هو من يغذي الإرهاب وإذا ما رغبنا في إنهاء الإرهاب فيجب أن ينتهي هذا النظام"، كما يساند هذه القراءة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قال بأنه يدرك أن الأسد هو من أحضر الإرهاب إلى سوريا.

حرب "الإرهابيين" هي التسمية التي تنطبق على الحدث السوري، فاستراتيجيات التسمية التي تتحكم فيها سلطة القوة ومنطق الهيمنة تشتغل بفعالية المصلحة، فالنظام الفاشي الأسدي يتناسى بأنه موصوم برعاية الإرهاب كما هو حال حليفه الإيراني، بحسب التعريفات الأمريكية والأوروبية، كما أن شركائه في حزب الله اللبناني على اللائحة السوداء أمريكيا منذ زمن بعيد، وجناح الحزب العسكري مدرج على لوائح الإرهاب الأوروبية.

ربما كان الأجدى في مؤتمر "جنيف 2" أن يناقش ماهية "الإرهاب"، هذا المصطلح الذي بات طلسما لا يملك اسراره إلا "الخيميائيين" ممن تسلحوا جيدا وأعدو له عدته، فهو العدو اللامرئي الذي يحول البشر إلى جثث عارية مجردة، ويعيد الحياة إلى طبيعتها الأولية النباتية الخالصة. 
0
التعليقات (0)