مقالات مختارة

كم مسرحية سنتفرج؟

علي حسين
1300x600
1300x600
من بين رفوف الكتب المزدحمة بالعناوين والحكايات نشعر دوماً بأن عددا قليلا منها يعد الأقرب الى النفس، لماذا؟ لأننا تجد فيها إجابات لأسئلة حائرة. يكتب أندريه جيد: "هناك كتب تصلح للقراءة في الحدائق والطرقات، وهناك كتب يقرأها المرء كمن يمشي على لحم الأرض، كم من التساؤلات يطرحها علينا مهرجوا شكسبير، وكم من الإجابات علينا ان نصغي اليها ونحن نسبر أغوار أحلام مكبث.

يقال ان هتلر كان معجبا بمسرحيات شكسبير و انه كان يحفظ عن ظهر قلب مناجاة هاملت الشهيرة "اكون او لا اكون" فيما يذكر كاتب سيرته ان الفورهر ظل يقرأ الفصل الاخير من يوليوس القيصر كل ليلة ليتمعن في خصال بروتس، فتراه كل صباح ينظر في وجوه مقربيه خوفا من ان يكون هناك بروتس آخر مندس بينهم.

في بلدان القائد الاوحد تتحرك حياة الشعوب وهوياتها ومستقبلها، بإشارة النصر التي دائما ما تكون طريقا الى الخراب، وفي دولة الرجل الواحد والحزب الواحد لايهم ان تصبح مثل ريتشارد الثالث ترمي السهم اينما تشاء، فحيث يصيب السهم هناك الاعداء، الكل اعداء،اشهر سيفك واضرب كما تشاء، لاتصغ لمن يقول لك احذر ان امامك اوهاما، الكل اعداء مادام البعض يريد من الجميع ان "ينبطحوا" تحت نعال الظلم والطغيان.

 قبل ايام استضاف احد مسؤولينا الكبار عددا من الاعلاميين واصحاب الرأي وبدلا من ان يتحدث معهم عن مستقبل البلاد وعن الأزمة الراهنة اخذ يكيل الشتائم للآخرين، فالكل في صف الأعداء ما داموا غير خاضعين لمنطق صاحب القصر، اهجم كي لا تهزم هذا هو منطق "المقربين" من مختار العصر ، لم تعد السياسة في عرف البعض فن الوصول الى المستقبل، وانما خليط عجيب من الاحقاد والانتهازية، كان الناس يأملون العيش في ظل ساسة يكونون مزيجاً من الطموح والصدق وشجاعة الحلم والسعي لبناء الوطن، فوجدوا انفسهم مع سياسيين غارقين في الطائفية واستجداء السلطة وابتزاز كل من يختلف معهم.

منذ أن قال القائد العام للقوات المسلحة عام 2010 في خطاب متلفز أن"الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة، وقواتنا الأمنية تمسك بالأرض" ونحن نشعر بأننا أمام واحدة من اكثر مسرحيات شكسبير مأساوية .. ولكي نفهم الفصل المثير في مسرحية الاستقرار الأمني، علينا ان نعيد قراءة فصل اخر مليء بالخطب والعنف والدماء والتصريحات المتناقضة.. حيث تروى القصة من نهايتها واسمحوا لي أن أعتقد وربما أنا "غلطان" بأن الخاتمة بدأت في المشهد الأول: نوري المالكي يخطب من النجف في يوم 21/12/2010، وفجأة يترك الحديث عن الخدمات والأمن وبناء دولة المؤسسات ليوجه سهام نقده إلى القوى الليبرالية والمدنية التي اتهمها بأنها من "دعاة الرذيلة يحاولون الإفادة من هذه الحريات لإشاعة الفحش والفجور والانحراف ويعملون من أجلها دون مراعاة للآداب العامة لهذه الأمة ولهذا الشعب المسلم".. المشهد آنذاك لم يتطرق  إلى دعاة القتل على الهوية وسراق المال العام ومثيري النعرات الطائفية..

مهلا لم ينته المشهد بعد، فما أن أعلن رئيس مجلس الوزراء الانتصار في المعركة ضد الإرهاب.. حتى بدأ يبحث عن أشقاء أو "أشقياء" يساندونه في نظريته الداعية إلى " ولاية دائمة " وكما في مسرحية هاملت، نجد رجالا يصرون على أن ملف الاستحواذ على كرسي الحكم، أهم من ملف تحسين أوضاع الناس وضمان أمنهم واستقرارهم، لنعيش مع المالكي وهو يرفع سبابته ليعلن أن الخطر الحقيقي يكمن في المطالبات بالإصلاح السياسي وباستقلال القضاء والكف عن سياسة الهيمنة على مؤسسات الدولة..
هل سنصل إلى المشهد الأخير؟

لا أعتقد، فكما في مسرحيات شكسبير دائما، تظل النهاية مفتوحة على أسوأ الاحتمالات.. ألم  يقل عطيل يوما أن العدو يعيش مع الهواء الذي نتنفسه.. أما مكبث فلم يتورع لحظة واحدة عن شيء في سبيل السلطة.. فلا يهم أن تقحم البلاد في حرب أهلية، فالكل "فقاعات" مادامت السلطة تحب الكثير من القرابين.. فالحاكم مصاب بهوس الكرسي، والدواء الشافي له مزيدا من الخراب والدماء... والباقي من المشاهد مؤامرات، وسعي حميم لنهب كل شيء.. ومعارك من أجل ترسيخ الاستبداد.. كل مشهد يعيدك إلى مشهد أقدم.. وفي المشهدين نجد من يكذب ويقتل ويراوغ ويسرق ثم يشير بسبابته ويسألك: ألسنا في بلاد تتعرض لمؤامرات خارجية؟! 

(عن صحيفة المدى 1 شباط/ فبراير 2014)
التعليقات (0)