ملفات وتقارير

فورين بوليسي: سباق تسلح يغير ميزان القوى الإقليمي

أوباما أول من أطلق سباق التسلح في الشرق الأوسط وللسعودية نصيب - أرشيفية
أوباما أول من أطلق سباق التسلح في الشرق الأوسط وللسعودية نصيب - أرشيفية
كشف تقرير في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن تغير في ميزان التفوق النوعي في منطقة الشرق الأوسط. ومع تدفق كميات من الأسلحة لدول المنطقة  فلا يعرف ما إذا كانت إسرائيل ستحافظ على تفوقها النوعي التقليدي الذي مارسته لعقود أم لا، كما يقترح جوناثان سكانزر  معد تقرير "دينامية الشرق الأوسط". 

وتحدث التقرير عن حمى التسلح في المنطقة؛ إذ صادقت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) على بيع مقاتلات "أوسبرسي" لإسرائيل بمبلغ 1.3مليار دولار،  وأرسلت الولايات المتحدة  الأسلحة المتقدمة من مروحيات أباتشي للعراق لمساعدة الجيش العراقي على مواجهة القاعدة، واستأنفت واشنطن العلاقات العسكرية مع مصر بعد توقف بسيط. 

لكن "العم سام" ليس الجهة الوحيدة التي تقوم بنقل الأسلحة للمنطقة، فقد حصل حزب الله على أجزاء من الصواريخ الروسية "ياخونت" التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي يمكن لـ"حزب الله" ضرب القوارب العسكرية بها على مدى 75 ميلا من شواطئ لبنان. أما الديكتاتور السوري بشار الأسد فلا يزال يتلقى  كميات كبيرة من الأسلحة من حلفائه في طهران وموسكو.

 ويرى الكاتب أن هذه الأسلحة قد تبدو صفقات أسلحة تم الحصول عليها تدريجيا، ولكنها تقوم وبشكل فاعل بتغيير الدينامية العسكرية في الشرق الأوسط. 

ويحلل الكاتب الوضع من وجهة نظر التوازن العسكري في المنطقة الذي ظل يعمل في صالح "إسرائيل" التي عادة ما احتفظت بالتفوق العسكري النوعي،  وتعهدت الولايات المتحدة بالحفاظ عليه. 

لكن المشروع النووي الإيراني والحروب الأهلية والاضطرابات السياسية التي ضربت المنطقة، أدت لقلب ما يقول المخططون العسكريون إنه الطريقة التي تمت من خلالها تقليديا التعامل مع موضوع التسلح بالمنطقة.

 ويعترف الكاتب نقلا عن مسؤول عسكري إسرائيلي بصعوبة تحديد التفوق العسكري باعتباره "علما غير دقيق"، يتم تحديده من خلال التقاطع بين القدرة والنية، ومن هنا فإن تقييم القدرات هو الجزء الأسهل من هذه المعادلة. 

وبناء على المصادر المتاحة، فإنه يمكن إحصاء طبيعة ونوعية الأسلحة التي تملكها دولة ما، ولكن حتى هذه المهمة مع مرور الوقت تصبح غامضة، خذ مثلا سورية التي ينشغل فيها النظام بحرب شعبه لدرجة فيها قل حجم ترسانتها العسكري، ما دعا إلى تحول في الأساليب مثل اللجوء إلى "البراميل المتفجرة"، وهذا هو الوضع في ليبيا التي عاشت  صراعها القاتل عام 2011.

هذا فيما يتعلق بالقدرات فماذا عن النية؟ يقول الكاتب: "إنه وسط ما يعرف بالربيع العربي، من الصعب التأكد من النية. ففي حالة فشل القوى العظمى في التوصل لاتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي، هل ستكون إسرائيل قادرة على تدمير برنامجها النووي السري؟".

ويتساءل: "في ظل وقوف تركيا إلى جانب الإخوان المسلمين و"حماس" ومساعدتها إيران على تجنب العقوبات، هل ستفكر تركيا بفتح صراع  عسكري مع إسرائيل؟".

يقول الكاتب، إن على المخططين العسكريين التفكير أيضا بتحالفات كان التفكير بها قبل عقد مستحيلا ، فالعراق وإيران كانتا في حالة عداء أثناء حكم صدام حسين أما اليوم فيحكم من خلال حكومة يقودها الشيعة، ما يعني إمكانية تشكيل كتلة عسكرية قوية  بينهما. ولم يكن هذا غريبا، وإذا صدقت التقارير فإن المخططين العسكريين الإيرانيين يجب عليهم التفكير بما لم يكن محتملا "وما لم يكن سهلا"، إمكانية قيام تحالف بين إسرائيل والسعودية.

ومن أجل تحديد وتوضيح عملية التغير في المعادلة، يشير الكاتب إلى ما قامت "مؤسسة  الدفاع عن الديمقراطيات" بعمله خلال الستة أشهر الماضية، أي جمع وإعداد معلومات لتكون أساسا لموقع جديد يساعد زواره على تخيل ميزان القوى المعقد في الشرق الأوسط. 

ويسمح الموقع للزوار بمقارنة الأرقام المتوفرة حول التسليح والقدرات لكل دولة أو حلف. ويساعد الموقع الزوار أيضا على فهم كيف أن الأسلحة المتقدمة والقدرات تمنح تفوقا نوعيا لعدد من اللاعبين في المنطقة.

ويضيف أنه، في الوقت الذي لا يساعد فيه الموقع على قياس العوامل الملموسة لكل فاعل في المنطقة مثل المهنية التي تتمتع بها القوات المسلحة أو قدرة الدولة على الحرب، إلا إن المادة التي جمعت تقدم فائدة جيدة يمكن تلخيصها بالآتي..

اللاعبون من غير الدول (الجماعات)

 وهم أكثر خطورة من ذي قبل، فـ"حماس" و"حزب الله" لديهما معا أكثر من 60 ألف صاروخ، أي ثلاثة أضعاف ما كان لديهما بعد حرب لبنان عام 2006. ويوضح الكاتب ذلك، بأن ما لدى الجماعتين ربما كان أكبر من قدرة الدرع الصاروخية (القبة الحديدية) التعامل معهما. أي أن الإسرائيليين في خطر حالة اندلعت حرب جديدة مع "حماس" أو "حزب الله". 

ويضيف أن قدرة كل من "حماس" و"حزب الله" العسكرية لا يمكن فهمها فقط  عبر كميات الأسلحة التي تمتلكانها، فالقدرة النوعية لأسلحتهما في تحسن. وقد تلقى "حزب الله" صواريخ روسية مضادة للسفن الحربية تم تهريبها عبر سورية إلى لبنان. أما "حماس" فيقول إنها حصلت على صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطائرات "مانبادس"، هُربت من ليبيا عبر مصر.

طائرات "درونز"

ولم تعد طائرات بدون طيار (درونز)  حكرا على أمريكا فقط، فقد حصلت تركيا عليها، وكذا المغرب والإمارات العربية المتحدة وإيران، حيث تقول الأخيرة إنها طورت المنظومة عن شكل واحدة من الطائرات الأمريكية التي تحطمت. وستحصل بغداد على الأسلحة، حيث سيتلقى الجيش العراقي في الربيع المقبل 10 طائرات "سكان إيغل" بدون طيار، التي تزعم حكومة نوري المالكي أنها بحاجة إليها لقتال القاعدة.

ويضيف الكاتب أن حصول الجماعات اللاعبة – غير الدول- عليها هي مسألة وقت، بعدما حصلت عليها دول المنطقة وهي أسلحة كانت خاصة بالجيوش الغربية. 

ويوضح أن "حزب الله" بدأ يستكشف جوانب الضعف التي يمكن لطائرات بدون طيار الكشف عنها في الجانب الإسرائيلي. ومع دخول الدرون للمنطقة فإنها ستغير شكل الخارطة العسكرية.

إعادة تسليح العراق

تقوم الولايات المتحدة بالاستثمار الكبير في علاقاتها العسكرية مع العراق، ومنذ عام 2005 سلمت بغداد أسلحة وخدمات بقيمة ثماني مليارات دولار، كما زادت صفقات بيع الأسلحة بين البلدين في الأيام الأخيرة بالإضافة لعشر طائرات من نوع "سكان إيغل" قيمة كل واحدة منها 100 ألف دولار.

 وتسلمت بغداد شحنة مكونة من 75 صاروخا من نوع "هيلفاير" كل واحد منها كلف 70 ألف دولار. وستساعد هذه الأسلحة في تحقيق نوع من الهدوء في الأنبار.
 
ورغم استعداد الولايات المتحدة لتسليم أسلحة لبغداد، إلا أن هناك إشارات عن عدم قدرة العراق على استخدامها بنفسه حسب تقرير لـ"نيويورك تايمز". ومسألة تعلم العراقيين كيفية تركيب هذه الصواريخ وإطلاقها من الطائرات مسألة وقت.
 
وما يقلق بال المشرعين في الكونغرس هو العلاقة الوثيقة بين العراق وإيران. ومع أن العراق يواجه القاعدة اليوم، إلا إن المشرعين في الـ"كابيتال هيل" خائفون من تسليم العراق أسلحة متقدمة. وأخر المشرعون خططا لتسليم طائرات "لوكهيد مارتن" مقاتلات "أف-"16 و"بوينغ إي أتش-"64.

صناعة تركيا العسكرية
  
 
يقول الكاتب إن المسؤولين في حزب العدالة والتنمية التركي اشتكوا في الصيف الماضي من الصناعة العسكرية الأمريكية وإنها أصل الشرور، وهي مسؤولة كما قالوا عن حروب طويلة.
 
لكن أنقرة هي التي تقوم ببناء مجمعاتها للصناعة العسكرية. ويظهر البحث أن الصناعة العسكرية التركية وإن كانت لا تزال في بدايتها مقارنة مع الصناعة العسكرية الأمريكية، إلا أنها تتطور بمعدلات مدهشة. 

وكانت تركيا تعتمد في السابق على المعدات المصنوعة في الغرب، ولكنها بدأت الآن تميل نحو تطوير مدرعاتها المصنعة محليا والطائرات بدون طيارات والمروحيات المقاتلة. ويقوم الأتراك  بتحديث ما يشترونه من مثل دبابات "لييورد" الألمانية. وأكثر من هذا يقومون بالمساهمة في انتاج  مقاتلات "أف-35".

السعودية

تقوم السعودية بحملة شراء واسعة للسلاح، ويفتح السعوديون دفاتر شيكاتهم لشراء المعدات المتقدمة منه. وتعتبر ميزانية الدفاع السعودية سابع أكبر ميزانية في العالم، وزادت بنسبة 111% في الفترة ما بين 2003- 2012.

 وعملية التسلح الكبيرة مرتبطة بمحاولة السعودية ردع التهديدات القادمة من إيران. ولا تظهر الرياض أية علامة للتوقف أو تخفيض مشترياتها في السنوات المقبلة. وينتظر السعوديون وصول طائرات "تايفون" (الإعصار) من النخبة الأولى ومقاتلات "أف- 15" من بريطانيا والولايات المتحدة. ويقوم السعوديون بتحديث الطائرات المتوفرة لديهم من "أف-15" ومقاتلات "تورنيدو" (الزوبعة). 
ومقارنة مع السعودية، فإنه لا يزال سلاح الجو الإسرائيلي يعتمد على مقاتلات "أف-15" و"أف-16"، وهي أكبر عمرا من مقاتلات السعودية بعقد من الزمان.

 وبعبارات أخرى، يقول الكاتب إن السعودية لديها أسلحة متقدمة أحسن من السعودية ما يعني أن تفوقها النوعي في الجو يتراجع.

ويختم بالقول، إن هناك  الكثير من المعلومات المتوفرة التي تعطي نتيجة لها عدد من الدلالات، ولكن الرسالة واضحة: وهي أن ميزان القوة  في الشرق الأوسط  أصبح وبشكل متزايد عصيا على التحديد، والتغيرات التي تضرب المنطقة لن تجعله سهلا.
التعليقات (0)