مدونات

نظام الخيانة

أحمد القاعود
أحمد القاعود
كان من الأسباب الأساسية لقيام ثورة يناير هو وجود مزاج شعبي عام معاد لدولة إسرائيل ورافض لحالة التبعية والانصياع  التي رسخها نظام الرئيس حسني مبارك في كافة مؤسسات الدولة، حيث  أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني هو التوجه الرسمي، والعمل علي خنق حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الاسلامية " حماس" أساسا لقبول نظام حسني مبارك لدي الولايات المتحدة الأمريكية التي دعمته وبقوة لمحافظته على هدوء المنطقة و حمايته استقرار اسرائيل .

ورغم الانصياع الكامل لارادة الدولة العبرية والعمل علي رعاية مصالحها في المنطقة من قبل السلطات المصرية وبالأخص مؤسستي المخابرات العامة والرئاسة. فإن التعاطي الرسمي مع القضية الفلسطينية وحركات المقاومة من قبل مسؤولي دولة مبارك ، وحتى الخطاب الاعلامي الموالي بالضرورة للسلطة الحاكمة في الاعلام الحكومي أو الخاص المملوك لرجال أعمال أصحاب مصالح، لم يكن ذو طابع عدائي أو معادي بشكل علني للشعب الفلسطيني والمقاومة.

فنظام مبارك اعتمد منطقا يسمح للشعب المصري بالتنفيس عن غضبه عبر أجهزته الاعلامية  وفعالياته التي كان ينظمها، رغم أن كل تصرفاته علي أرض الواقع كانت لصالح الكيان الاسرائيلي، بالاضافة إلي سماحه باستمرار الأنفاق حتي تكون متنفسا لأهالي قطاع غزة. والتواصل بصورة مستمرة مع حركة حماس وغيرها من الحركات، وهو ما خلق نوعا من التفاهم المستتر مع الشعب المصري الرافض لسياسة مبارك تجاه القضية الفلسطينية وعمله المستمر ضدها ووقوفه إلي صالح إسرائيل .

ورغم ماحدث من خيانة نظام مبارك للقضية الفلسطينية وعمله ضدها، فإن الخطاب الاعلامي لم يحاول أن يجرم أهالي فلسطين وبالأخص سكان قطاع غزة المحاصر ولم يحشد رأيا عاما ضدهم كما يحدث الآن في دولة عبدالفتاح السيسي .

خلال عام حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، لم يرق لقادة إسرائيل وجود رئيس ينتمي إلي جماعة الاخوان المسلمين، علي رأس السلطة والقيادة العسكرية، و ينتمي إلي ذات الجماعة التي تنتمي إليها حركة المقاومة الاسلامية حماس، وهو ما يعني تهديد فعلي و حقيي لوجود دولتهم في المنطقة،  وللعمل علي القضاء علي هذه الفكرة المزعجة، تحولت وسائل الاعلام المصرية مدفوعة بتعليمات من أجهزة المخابرات المصرية و بتمويل سخي و مسرف من قبل دول الخليج علي وسائل الاعلام الخاصة ، للعب علي وتر الأمن القومي و اعتبار حركة حماس حركة إرهابية ، و أنها تعمل ضد مصر و تسلل عناصر إرهابية تابعة لها لشن عمليات ضد الجيش و الشرطة في مصر. بالاضافة إلي قيام الرئيس محمد مرسي بتوجيه مساعدات نفطية ومادية إلي القطاع وهو ما أدي إلي أزمة في الوقود في مصر . 

ورغم غرابة الاتهامات و الاشاعات التي صدرت من وسائل الاعلام تلك، و كغيرها من الاشاعات المنافية للعقل والمنطق، كبيع الأهرامات و بيع قناة السويس لقطر، وما ظهر بعد الانقلاب العسكري كوجود كرة أرضية تحت ميدان رابعة العدوية ووجود سلاح كيماوي في الاعتصام. فإن هذه الاشاعات لقيت صدي وقبولا عند قطاع ليس بالقليل من المواطنين الرافضين للتغيير والداعمين وبقوة لصاحب القوة حامل السلاح بالضرورة وهو الجيش والشرطة. 

ومن وقتها أصبحت فكرة اعتبار حركة المقاومة الاسلامية حماس تنظيما إرهابيا يعمل ضد مصر، مستساغة لدي تلك القطاعات التي لا تعمل عقلها، ولا تريد إعماله بما يخلق نوعا من اضطراب داخل استقرارها المبني أساسا علي وجود قوة قهر قد تبطش بها إذا ما قررت تغيير التفكير.

صاحب الانقلاب العسكري في مصر، والذي لا يستبعد أن يكون مدفوعا بالأساس من إسرائيل وبمساعدة الولايات المتحدة صاحبة السلطة والنفوذ والفضل علي الجيش المصري منذ معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، إجراءات قوية من الجنرلات لاعلان الولاء التام أمام القيادة في إسرائيل، والرضا عن الانقلاب العسكري في مصر الذي بات يمثل كابوسا بالنسبة للادراة الأمريكية، لفشله حتي الآن في تهدئة غضب المصريين التواقيين للحرية و الرافضين لسرقة الوطن من قبل حفنة جنرالات.

كان من أول الخطوات لنيل هذا الرضا، هو القضاء علي الجماعة الأكثر تنظيما في العالم الاسلامي و الأكثر تأثيرا كذلك، باعتبارها خطرا يهدد النظام العالمي ككل وليس إسرائيل وحدها، فوجود دولة قوية لا تقوم علي فكرة عقائدية ، أسهل في التعامل منه مع وجود دولة ذات توجه عقائدي عابر للحدود و القوميات. ومن هنا فإن الاجهاز علي قيادات الجماعة وإعتقالهم و قتل نشطائها من الشباب ومطاردة أخرين ومصادرة ممتلكات أفرادها، كان كفيلا بالنسبة لقادة الانقلاب في إجتثاث الفكرة التي اقتربت من التسعين عاما من الوجود. وهو ما ثبت فشله وأظهر أن قدرة أجهزة الاستخبارات والأمن علي اقتلاع مفهوم أو فكرة، يعد شيئا من الخيال الواسع غير المقبول في العالم الحالي.

أعقب هذه الخطوة حملة واسعة في وسائل الدعاية الممولة خليجيا وبالأخص من المملكة السعودية و دولة الامارات، بالاضافة إلي رجال أعمال مقرببين من السلطة و متحالفين معها في تعاملات مالية فاسدة بالضرورة ، لمهاجمة حركة حماس وسكان قطاع غزة وأخذ توجه معادي ومنافي لما تربت عليه الأجيال العربية منذ نشوء الكيان الاسرائيلي في المنطقة، الذي يمجد المقاومة والجهاد، وكان يمجد حتي وقت قريب حزب الله الشيعي في لبنان قبل تورطه في قتل السوريين  ووقوفه الى جوار النظام البعثي الأسدي. 

هذه الأجيال التي نشأت علي كون القضية الفلسطينية قضيتهم الأساسية وتحرير المسجد الأقصي فرضا عليهم، وجد جزء منها نفسه يقف ضدها ويحرض علي ضرب قطاع غزة من قبل جيش الانقلاب في مصر، بل ويحرض و بوقاحة علي تدخل الجيش الاسرائيلي ضد حركة حماس، بزعم أنها جماعة إرهابية، وهو ما ظهر مؤخرا في تعليقات عل منشورات للمتحدث باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي "أفيخاي أدرعي" علي موقع فيس بوك عندما نشر خبرا يزعم فيه القاء السيطرة على سفينة تحمل أسلحة إيرانية إلي حركة حماس في قطاع غزة.

هذا الاختلال القيمي في التوجهات  الأخلاقية والوطنية والدينية أيضا جعل من المقبول تأييد إغلاق الأنفاق التي كانت متنفسا لأهل سيناء لادخال ما يلزمهم من سلع وغذاء، والعمل على حصار أهل غزة بصورة أكثر إجراما من عهد حسني مبارك.

وبخلاف الإجراءات التي اتخذها جنرالات الجيش الهادفة بالأساس لوقف عملية المقاومة الفلسطينية و ضم قطاع غزة إلي إسرائيل أخذ التلفزيون المصري يروج في برامجه إلي السياحة في إسرائيل باعتبار أن السياحة في مصر وصلت لأقصاها وفاضت لنقلها إلى إسرائيل.

هذه التصرفات الخيانية للعروبة و الاسلام والقضية الفلسطينية كان آخرها، منع ناشطات أجانب مرموقات من الدخول للتضامن مع سكان القطاع وهو ما اعتبر فضيحة للنظام الانقلابي الذي باتت أفعاله تجاه أهل فلسطين أكثر خسة من عهد مبارك.

وإذا كان الانقلاب في مصر يسعي لنيل الرضا الاسرائيلي بأي طريقة حتي لو كانت شن حرب بالوكالة ضد حركة حماس وهو توجه بات يدعو إليه عدد من وجوه الانقلاب ومناصريه علنا، للمرة الأولي في تاريخ مصر، حيث لم يسبق أن يستبدل الجيش الاسرائيلي بالمصري للقيام بقتل الشعوب العربية وحصارها إلا في هذا العهد. فإن كل ذلك يعطله ويمنعه ويوقف تمدده، الرفض الشعبي و الثوري الواسع لاعادة مصر إلى خيانة العروبة والاسلام ولكن بصورة أكثر فجاجة من تلك التي كان عليه حالها في عهد مبارك.

(كاتب صحفي)
https://www.facebook.com/ahmed.k3oud
https://twitter.com/ahmedelkaoud

التعليقات (0)