مقالات مختارة

قمة عربية.. وسط النيران الخليجية الصديقة!!

عبد الله الشايجي
1300x600
1300x600
كتب عبد الله الشايجي: عقدت القمة العربية الخامسة والعشرون في الكويت للمرة الأولى، وللمرة الأولى يكون هناك خلاف خليجي-خليجي خرج للعلن.. ولأول مرة ترتفع وتيرة الخلافات والتصدع الخليجي الذي أضيف للكم الهائل من الخلافات والأزمات العربية التي تعصف بالجسد العربي المترهل. وسيكون لنا وقفة لنحلل نتائج القمة في المقال القادم.. 

لقد صمد مجلس التعاون الخليجي بوجه الكثير من الأعاصير والتهديدات التي عصفت به خلال العقود الثلاثة الماضية -لرأب الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية- وغزو واحتلال صدام حسين لدولة الكويت وحرب تحرير الكويت واحتلال العراق واعتداءات القاعدة والتدخل الإيراني والتقارب والغزل الأميركي-الإيراني. جميع تلك الاعاصير والتهديدات كانت إقليمية ومن صنع الآخرين وبتداعيات أمنية على دول المجلس. 

أما اليوم فإن ما يواجهه مجلس التعاون يشكل تهديدا خطيرا لمنظومة مجلس التعاون الخليجي وغير مسبوق منذ قيام المجلس. لكون المواجهة هذه المرة داخلية وتشمل ثلثي أعضاء المجلس. لذلك باتت الحاجة ملحة لقيام الكويت بدور الوساطة خاصة بعد عودة صاحب السمو أمير دولة الكويت من رحلة العلاج، لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين الأشقاء. 

منذ أمد طويل يستمر النقاش حول توظيف دولة قطر قدراتها وقوتها الناعمة المالية والاقتصادية والسياسة وقناة الجزيرة، وخاصة سياستها الخارجية النشطة لإعطاء قطر حجما مؤثراً. وهذا ما كتبت عنه مرارا في الوطن. واليوم يبدو واضحا أن قطر تلعب دورا كبيرا في السياسات والحضور الإقليمي في قضايا عديدة في الشرق الأوسط. فبات يُخيل للمتابع للشأن العربي والشرق أوسطي أن قطر - بسبب كثرة الحديث عنها وحتى الشكوى من دورها وحضورها ونشاطها، وخاصة من الدول العربية الكبيرة - قد أصبحت دولة كبرى تُتهم بالتدخل في قضايا الحلفاء، ما يدفع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، لسحب سفرائهم من قطر لعدم التزام قطر بتعهداتها ولتهديد أمن منطقة الخليج العربي ومخالفة ميثاق وقرارات مجلس التعاون الخليجي. وتنضم إلى الدول الخليجية جمهورية مصر العربية التي تتهم دولة قطر بالتدخل في شؤونها وتُبقي السفير المصري «محمد مرسي» في القاهرة لتصبح الدولة العربية الرابعة التي تقوم بسحب سفيرها من الدوحة. 

وتتهم سوريا قطر بدعم الجماعات المسلحة والتكفيريين في الحرب الأهلية وحرب الوكالة في سوريا. وأنضم رئيس الوزراء العراقي الذي يتصرف اليوم كمرشح وزعيم كتله وحزب سياسي (دولة القانون) طائفي-أكثر منه كرئيس وزراء ويصل الأمر بالمالكي ليتهم كلا من السعودية وقطر بإعلان الحرب على بلاده وإرسال وتمويل مقاتلين للعراق من سوريا!

ولكن ذلك كله لا يغطي على وساطات قطر الناجحة والجريئة في أكثر من أزمة عربية. فكان لدولة قطر حضور واضح في الأزمات الإقليمية وخاصة مؤخرا في التوسط والتدخل للإفراج عن الراهبات السوريات اللواتي خطفن قبل ثلاثة أشهر في مدينة معلولة المسيحية التاريخية واللواتي أفرج عنهن في 9 مارس 2013.. وقبل ذلك نجحت قطر في الإفراج عن الطيارين التركيين المختطفين في لبنان في صيف 2013. وتوسطت قطر بنجاح بين الأفرقاء اللبنانيين والسودانيين حول دارفور وفتحت مكتب لطالبان أفغانستان في الدوحة. 

بالرغم من طغيان الشأن الروسي، إلا أن صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية النافذة علقت في مقال تحليلي الاحد 9 مارس 2014: «الخلاف يتعمق بين قطر وجيرانها الأقوياء..». 

وهكذا أصبح الشأن الخليجي شأنا عالميا وتناولت تداعياته مراكز الدراسات الأميركية وحللت أبعاده السياسية وخاصة الاقتصادية وانعكاسات كل ذلك على مستقبل الاتحاد الخليجي. 

منذ قيام مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981 قبل أكثر من ثلاثة عقود والمجلس يواجه تهديدات وصعاباً على مختلف الأصعدة. وبالرغم من أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية كان ولا يزال حاجة أمنية ودفاعية بالدرجة الأولى، إلا أنه تحول إلى منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية متميزة بعد عجز المجلس في التحول لرقم صعب في المعادلة الأمنية الخليجية. وجمع قدراته الدفاعية والأمنية المشتركة ليتحول لمنظومة أمنية ودفاعية متماسكة يمنع ويردع ويوازن القوى الإقليمية الكبيرة في منطقة الخليج العربي وخاصة إيران والعراق. ولذلك انصرف المجلس نحو التكامل الاقتصادي والذي لم يتمكن أيضا من تحقيق التكامل المطلوب والذي يطمح إليه القادة والشعوب معا. لكن في ذكرى نشأة المجلس في مطلع مايو من كل عام نشارك في برامج تليفزيونية ومقابلات إذاعية وصحفية للتعليق على واقع وانجازات المجلس ونختم بالتأكيد «واقع مجلس التعاون الخليجي لا يرقى لطموح القادة والشعوب..». 

صحيح أن مجلس التعاون الخليجي قد صمد بوجه الأعاصير والعواصف والتهديدات المتعاقبة خلال العقود الثلاثة والنصف الماضية من الثورة الإيرانية والحرب العراقية-الإيرانية وانخفاض اسعار النفط لـ 6 دولارات للبرميل وغزو واحتلال وتحرير الكويت والحرب على العراق وهجمات القاعدة وسباق التسلح والخلافات الخليجية-الخليجية من حدودية وغيرها. ومؤخرا تعامل بذكاء وحنكة مع تداعيات الربيع العربي والتراجع الأميركي من المنطقة والصعود الإيراني والعودة العراقية والتباين الخليجي-الخليجي حول الكثير من القضايا والتحديات وعلى رأسها العلاقة مع إيران والعقوبات على إيران والتعامل مع الثورات العربية وخاصة مصر وسوريا. إلا أن المجلس لم يتطور لمنظومة أمنية ودفاعية وعسكرية واقتصادية متكاملة تعزز أمن واستقرار الدول الأعضاء وتشكل القيمة المضافة التي يطمح إليها القادة والشعوب معاً. 

لذلك يُؤخذ على مجلس التعاون الخليجي عدم التعامل مع القضايا الضاغطة باستراتيجية موحدة. وعدم النظر والاتفاق على مصدر الخطر الذي يتهدد دول المجلس بين شمال الخليج الذي لطالما شكل عراق صدام حسين وطموحه ومغامراته المصدر الرئيسي للخطر. ودول وسط وجنوب الخليج التي تشكل إيران مصدر الخطر الرئيسي. وبعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، وبالرغم من تراجع تهديد العراق، لكن طبيعة التهديد تغيرت من غزو واحتلال إلى تهديد من نوع آخر لمليشيات ودولة فاشلة وارتفاع وتيرة الشرخ الطائفي والمذهبي داخل مكونات المجتمع العراقي. بينما زاد الخطر الإيراني وتمدد مستفيدا من الفراغ الاستراتيجي الذي نتج عن سقوط نظام صدام حسين لتتحول إيران بفعل مشروعها وطموحها وبرنامجها النووي وحلفائها من أفغانستان إلى المتوسط ومن سوريا إلى اليمن في تهديد لدول مجلس التعاون الخليجي. ونتابع التدخل الإيراني في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين والكويت والسعودية واحتلال الجزر الإماراتية والتدخل في الشأن البحريني وزرع خلايا تجسس في الكويت وغيرها. 

يُسجل لمجلس التعاون الخليجي نجاحه وصموده في مواجهة جميع التهديدات.. لكن التحدي الأكبر اليوم- يأتي من داخل البيت الخليجي ويأتي في ظل ظروف معقدة وضاغطة وتحولات إقليمية ودولية كبيرة ومن لاعبين من الدول ومن غير الدول تهز الكيان الخليجي بقوة. ومع تغير توازن القوى والتحالفات والتراجع والانكفاء الأميركي- بات التعويل على قدرات المجلس الذاتية اليوم مطلوبة أكثر من اي وقت مضى. وبدلاً من تجميع الصفوف وتوحيد القدرات، نرى الخلافات والتصدع يهدد تماسك المجلس نفسه ومستقبله. 

واليوم يعول الجميع على الوساطة الكويتية التي تتعرض لضغط كبير والتي نشطت في القمة العربية وبعدها لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية لوضع سقف للتصعيد، وتغليب المصلحة العامة، حتى يصمد المجلس بوجه النيران الخليجية الصديقة!! 

(الوطن القطرية)
التعليقات (0)