صحافة إسرائيلية

محلل إسرائيلي: حرب سوريا الضروس أصبحت دائمة

الحرب السورية.. هل تنتهي قريبا؟ أرشيفية
الحرب السورية.. هل تنتهي قريبا؟ أرشيفية
أبدى الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل، في مقالة نشرتها الجمعة صحيفة "هآرتس"، تشاؤمه إزاء مصير الحرب السورية التي امتدت لثلاث سنوات إلى الآن، ولا يلوح في الأفق ما يبشر بإنهائها.

 وأكد برئيل، أن هذه الحرب الضروس لم يعد أحد يملك زمامها، ولم تستطع الدول العظمى ولا الأطراف المتقاتلة أن تشكل أي استراتيجية لإنهائها. 

ويقول إن من أسباب التهاون في مصير ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وفي حجم الفاجعة في ما لا يقل عن 160 ألفا من ضحايا الحرب، طفوّ الأزمة الأوكرانية وتفاقم الخصام بين الدولتين العظميين، ما دفع الولايات المتحدة إلى التفكير في تحرك ما يزعج روسيا التي تدفع باتجاه بقاء الأسد. 

وبحسب الكاتب، فإن واشنطن رغم الخلافات فيها بين وزارة الخارجية والبنتاغون، فقد اتهمت بتسليح المعارضة وتسهيل تدريبها، ويتطلع كيري إلى أن تعلن الولايات المتحدة، عن مناطق محظورة الطيران في سوريا، أو الذهاب إلى أبعد من ذلك.

ويعرض الكاتب للأوضاع الإنسانية المتفاقمة في كل من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والتي يسيطر عليها النظام السوري، من نقص في إمدادات الغذاء والطاقة والغاز والأطباء والأدوية، إلى جانب تعرض المدنيين للبراميل المتفجرة في كل الأنحاء.. لكنه يخلص إلى أن الحرب في سوريا تبدو حربا دائمة بلا مخرج. وإذا كان ثمة احتمال لإنهائها، فإن هذا لا يوجد في أيدي القوى العظمى، بل بالذات في مكاتب الخصمين المريرين – السعودية وإيران.

ويقرر أن للخصمين مصلحة في استقرار سوريا، ولكن أيضا في الحفاظ على نفوذهما فيها في المستقبل. ويتساءل: هل سينجح هذان الخصمان في إيجاد الصيغة الذهبية التي تحافظ على مكانتهما ونفوذهما حتى دون الأسد؟

وفي ما يأتي نص المقالة:
         
بُشر جنود الجيش السوري الأسبوع الماضي بأن حكومتهم ستعوضهم عن الأضرار التي لحقت بأملاكهم بسبب الحرب في الدولة. ومع أن هذا لن يكون تعويضا كاملا (في أقصى الأحوال نحو 1700 دولار على بيت هدم)، إلا أن الحكومة تعد بأن هذا هو مجرد مبلغ جزئي ومؤقت إلى أن يتم التخمين النهائي. وهذا على ما يبدو لن يتم، إذا ما تم أصلا، إلا بعد انتهاء الحرب. غير أن "انتهاء الحرب" هو الآخر تعبير مرن، ولا سيما في ضوء التقديرات الاستخبارية الأمريكية بأنه بدون انعطافة دراماتيكية، فإن الحرب التي تواصلت حتى الآن ثلاث سنوات قد تجرجر نفسها عشر سنوات أخرى على الأقل، فيما لا يكون لأي من القوى العظمى أو الأطراف المتقاتلة أي استراتيجية – أو فكرة – لكيفية إنهائها.
         
الخطوات الدبلوماسية لعقد مؤتمر جنيف الثالث، بعد فشل مؤتمر جنيف الثاني في شباط مجمدة. ما بدا في حينه كاستعداد روسي للتعاون مع الولايات المتحدة للوصول على الأقل إلى وقف طويل للنار، انهار تحت ضجيج الأزمة العنيفة في أوكرانيا، وتبدو الآن القطيعة السياسية بين القوتين العظميين أعمق مما كانت في أي وقت مضى.
         
إذا كانت توجد استراتيجية ما فهي توجد بالذات في السياسة الروسية الثابتة التي تحرص على دعم الأسد، تمويل نشاطه العسكري والمدني والحرص على أن يواصل كونه رئيسا لسوريا. ليس لهذه الاستراتيجية رد أمريكي. فالإدارة في واشنطن تتمزق منذ أشهر عديدة بين موقف وزارة الخارجية وبين موقف البنتاغون. فبينما يدفع وزير الخارجية جون كيري نحو التدخل العسكري، يحذر وزير الدفاع تشاك غيل من مغبة التدخل – الذي من شأنه على حد قوله أن يحدث حربا إقليمية أو على الأقل أن يحبس الولايات المتحدة في حرب طويلة، بالذات على خلفية الخروج من مستنقعات القتال في العراق وفي أفغانستان (في نهاية العام الحالي).
         
كيري، الذي يستند إلى توصيات من كان قائد القوات في العراق وفي أفغانستان (وللحظة رئيس الـ"سي آي إيه" أيضا) الجنرال ديفيد بتراوس، يحاول أن يدفع إلى الامام على الاقل خطة لتسليح متطور للثوار السوريين، الى جانب توسيع تدريباتهم. كما تطلع كيري إلى أن تعلن الولايات المتحدة في سوريا عن مناطق محظورة الطيران، مثل تلك التي تقررت في حرب العراق. غير أن وزير الخارجية اصطدم بسور من المعارضة العسكرية: رئيس الأركان الجنرال مارتين دامبسي قدر بأن صيانة هذه المناطق ستكلف الإدارة نحو 50 مليون دولار في اليوم "دون موعد انتهاء".
         
بين الموقفين – موقف كيري وموقف هيغل – يبدو الرئيس أوباما كمفكر لديه وقت. وعندما يصمت البيت الابيض، لا يبقى سوى التقدير بانه يؤيد خطة انتقالية تتضمن تزويد الثوار بسلاح نوعي أكثر، بما في ذلك السلاح المتطور ضد الدبابات، وتوسيع خطة التدريب التي تتم منذ أشهر عديدة في الاردن، ولكن دون مناطق محظورة الطيران.
         
نشرت هذا الاسبوع على الانترنت افلام ظهر فيها ثوار يحملون صواريخ متطورة مضادة للدبابات. وحسب بعض الناطقين بلسان الثوار، نقلت الصواريخ من الولايات المتحدة، ولكن واشنطن لم تؤكد ذلك رسميا. واذا كانت هذه بالفعل صواريخ امريكية، وليست صواريخ تم تهريبها بقنوات غير مباشرة، فان هذا كفيل بان يكون الدليل الاول على تغيير سياسة واشنطن، التي اكتفت حتى اليوم بالمساعدة اللوجستية. وتؤهل خطة التدريب الان نحو  100 مقاتل من الثوار كل شهر، وتوسيعها كفيل بان يزيد عددهم الى نحو 500 حتى 600 في الشهر فيما يجري بعض هذه التدريبات في قطر وفي السعودية، اضافة الى المعسكر في الاردن.
         
الاقتراح بتزويد السلاح المتطور والذكي يثير قلقا في البنتاغون. فلمن بالضبط سيعطى هذا السلاح؟ أليس هناك خطر في أن ينتقل الى القاعدة وفروعها؟ اخترعت واشنطن صنفا جديدا من الثوار الذين يحملون لقب "الاسلاميين المعتدلين". ويذكر التعريف برجال "طالبان المعتدلين" في افغانستان، ممن حاولت الولايات المتحدة اجراء حوار سياسي معهم على مستقبل الدولة.
         
المشكلة هي أن المقياس الامريكي للاعتدال الديني لا يعني جدا عشرات منظمات الثوار في سوريا. فمثلا أعلن هذا الاسبوع قائد منظمة "جبهة ثوار سوريا"، جمال معروف، أنه يتعاون مع جبهة النصرة ومع الدولة الاسلامية في العراق والشام – المنظمتين المتماثلتين مع القاعدة (رغم أن هذا ايضا ليس دقيقا تماما: زعيم القاعدة أيمن الظواهري تنكر للدولة الاسلامية وتبنى النصرة). وتعمل جبهة ثوار سوريا بالتعاون مع مقاتلي الجبهة الاسلامية – حليفة الجيش السوري الحر. من بين كل هذه المنظمات سيحصل على صواريخ كتف؟ من ستدربهم القوات الخاصة الامريكية؟
         
سؤال مقلق أكثر عن المساعدة الامريكية يتعلق بنجاعتها. فهل هذه المساعدة المترددة ستكفي لاحداث انعطافة استراتيجية في مناطق القتال فيما يواصل الجيش السوري احتلال المناطق التي يسيطر عليها الثوار؟ فالجيش السوري مثلا يوشك على انهاء احتلال جبال قلمون بعد أن سيطر عليها مدينة يبرود، وهكذا كفيل بان يضمن سيطرته على جنوب غرب سوريا. ومع أن المسافة عن السيطرة على الدولة كلها لا تزال بعيدة، والتقدير هو أن النظام يسيطر فقط على 40 حتى 50 في المئة من الارض، ولكن اهم من حجم الارض هو السيطرة على المحاور الاساسية التي يحصل عبرها الثوار على مساعداتهم اللوجستية من لبنان.
         
في المدن الكبرى مثل حمص وحلب التي يسيطر في العديد من احيائها الجيش السوري الحر او المنظمات الاسلامية، يحدث الحصار الشديد والتفجيرات بالبراميل المتفجرة أزمة انسانية رهيبة. فمئات الاف المواطنين لا يتمكنون من الحصول على المؤن الغذائية بانتظام؛ وعدد الاطباء في حلب مثلا انخفض الى أقل من 20 (في المناطق التي تحت سيطرة الثوار)؛ والعمليات الجراحية في المستشفيات تجرى على ضوء الفوانيس أو الشموع؛ ومخزون الادوية ووحدات الدم ينفد والصيدليات فارغة.
         
ومع ذلك، فانه في المناطق التي تحت سيطرة الجيش السوري ايضا الحياة ليست جنة عدن. فقد أفادت منظمة الغذاء العالمية بأنها ستحتاج الى وجبات غذائية لاكثر من 6 مليون مواطن في سوريا، مقابل نحو 4.5 مليون في السنة الماضية. والسبب هو الجفاف الشديد الذي ألم هذه السنة بسوريا، وسيقلص بشكل دراماتيكي المحاصيل في شمال غرب الدولة التي يوفر نحو نصف الانتاج من القمح. ومع أن الحكومة السورية أعلنت بانها تعتزم تشغيل مخابز متنقلة واستيراد نحو 100 الف طن آخر من القمح، بتمويل تغطيه ضمانات ايرانية الا ان المصاعب في تنفيذ توزيع الغذاء تطرح الشكوك في قدرة النظام على تقديم المساعدة الى نحو 4.5 مليون مواطن نازح داخل الدولة.
         
وفضلا عن الغذاء، فان التوفير الجاري لمياه الشرب أو الكهرباء يضع امام النظام تحديا هائلا ليس فقط في المحيط بل وفي العاصمة دمشق ايضا. ورغم أن سوريا وقعت مع الهند وايران على اتفاقات لبناء محطة توليد للطاقة تعمل على الغاز، ولكن الى أن تبدأ بالعمل ستواصل دمشق المعاناة من ساعات طويلة من الظلام. والى جانب ذلك أعلنت الحكومة بان النقص في الكلور يمنع تطهير مياه الشرب وحذرت من خطر استخدام المياه غير المطهرة.
         
وفي نفس الوقت تنشر وسائل الاعلام السورية تقارير عن الصراع الذي تقوده الحكومة ضد الفساد وعن ان 12 من مدراء الوزارات الحكومية والشركات الحكومية اقيلوا هذا الشهر وسيقدمون الى المحاكمة. كما علم أن البنوك تلقت تعليمات بالفحص المتمعن لكل ايداع استثنائي خشية أن يدل على محاولة تبييض للاموال أو تمويل "للارهابيين". وتعمل مسرحية الدولة التي تؤدي مهامها بانتظام، والاسد نفسه ايضا يواصل الادعاء بالاعمال كالمعتاد، عندما أعلن بان الانتخابات للرئاسة التي يعتزم التنافس فيها ستتم كما كان مخططا.
         
بعد نحو 160 ألف قتيل ونحو 3 مليون لاجيء، تبدو الحرب في سوريا كحرب دائمة بلا مخرج. واذا كان ثمة مع ذلك احتمال لانهائها، فان هذا لا يوجد في أيدي القوى العظمى، بل بالذات في مكاتب الخصمين المريرين – السعودية وايران
         
في الاسبوع الماضي نشرت تقارير عن محاولات للمصالحة بين السعودية وايران، فيما على جدول الاعمال دعوة الرئيس الايراني حسن روحاني الى السعودية. وعندما زار جون كيري السعودية في بداية الشهر، أوضح له مضيفوه جديا خيبة أملهم من سياسة واشنطن المترددة في سوريا. وتقدر الرياض، وعن حق، بانه من غير المتوقع أي تدخل عسكري قريب في سوريا. اما ايران، من جهتها، فلا ترى منفعة سياسية في استمرار الحرب، التي تكلفها فقط مليارات الدولارات. وللخصمين مصلحة في استقرار سوريا، ولكن أيضا في الحفاظ على نفوذهما فيها في المستقبل. والسؤال هو هي سينجح هذان الخصمان في ايجاد الصيغة الذهبية التي تحافظ على مكانتهما ونفوذهما حتى دون الاسد وهكذا فينجحان بذلك في تحرير السوريين، وعلى الطريق ايضا الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية، من هذا الكابوس.
التعليقات (0)