كتاب عربي 21

أرجوك.. أعطني هذا الدواء

سليم عزوز
1300x600
1300x600
معذرة يا قراء، فالقافية كما يقول الشعراء، حكمت، فقد طفا على سطح الذاكرة اسم الفيلم المصري المعروف: " أرجوك .. أعطني هذا الدواء"، وهو الفيلم الذي قامت ببطولته نبيلة عبيد، ومحمود عبد العزيز.

قصة الفيلم، لا تعنينا هنا،  فالذي يعنيني هو المناسبة العطرة التي ذكرتنا باسمه وهو ما قاله أحد المنحازين للانقلاب، عن "الحرز" الذي أضحك الثكالى في قضية اتهام الدكتور محمد مرسي والذين معه بالتخابر، وهو الخاص بتذكرة الطبيب التي عُثر عليها بين الأحراز.

فبينما كان القاضي، رئيس محكمة الجنايات منهمكاً في عملية فض الأحراز، وبينما هو يعيد ويزيد في أهمية هذه الأحراز، ويطلب من هيئة الدفاع عن المتهمين أن تنتبه لخطورة الموقف، ذلك بأن الأصل في الأحراز أنها تمثل دليل الإدانة في أي قضية. وعلي حين غرة وقع بين يديه الحرز الجبار، الذي يتمثل في اسم دواء فعال، لعلاج البرد، والسعال. فتحول الأمر إلى نكتة، أربكت هيئة المحكمة، وكانت مثار سخرية وتندر في هذا اليوم من الانقلاب وممارساته، وقدرته البالغة علي أن يحرز أهدافاً في مرماه، كأن الله قيد لهم ساحراً عمل لهم " عملاً سفلياً" بالفضيحة!.

كل هذا كوم، وتبرير أحد المنحازين للانقلاب للأمر كوم آخر، وهو الذي يقدم نفسه تلفزيونياً علي أنه " ممثل لجبهة الإنقاذ"، مع أن عضوية " الجبهة" للأحزاب وليست للأشخاص، فلا يجوز لي مثلاً أن أقول أنني عضو في اتحاد الصحفيين العرب، لمجرد أنني عضو في نقابة الصحفيين المصريين، وأن النقابة عضوا في الاتحاد!.

وبالرغم كذلك، من أن " جبهة الإنقاذ" لم تعد قائمة واقعياً، بمجرد أن أعلن عبد الفتاح السيسي ترشحه للانتخابات الرئاسية، وبعد أن أُخرج ممثلي الأحزاب التي تتشكل منها جبهة الإنقاذ من الحكومة. ومعظم أحزاب الجبهة أيدت السيسي بدون اتفاق، وحزبان خرجا عن الإجماع، هما حزبي: الدستور والكرامة، وأيدا حمدين صباحي، بجانب التيار الشعبي الذي كان صاحب الصوت الأعلى في الجبهة، وإليه ينتمي الشباب الذي شكل "حركة تمرد".

بيد أن البعض ممن ينتمون لما أطلق عليه صديقنا الدكتور محمد الجوادي بالشركة القابضة للأحزاب، التي تخضع لولاية نجيب ساويرس، يجدون حرجاً في إعلان انتماءهم لهذه الأحزاب، لذا فهم يسترون العورات بالاختفاء خلف اسم جبهة صارت هي والعدم سواء.

ما علينا، فالذين يؤيدون الانقلاب، يعيشون حالة من الوجد، لذا هم يبررون لكل أفعاله، فإذا لم تسعفهم الحجة، فبركوا الأخبار، فصاروا يمثلون ماكينة فبركة من الوزن الثقيل.

فهم على سبيل المثال روجوا لمقولة أن من سبق اتهامهم بممارسة الإرهاب أفرج عنهم الرئيس محمد مرسي، ومن بينهم طارق وعبود الزمر. في حين أن هؤلاء أفرج عنهم المجلس العسكري في فترة حكمه، ومنهم من أعيدت محاكمتهم وحصلوا على البراءة من ذات المحاكم التي حكمت عليهم بالإعدام وأعني بذلك المحاكم العسكرية.

وآخر هؤلاء هو محمد بكري هارون، المتهم بجملة من الجرائم تبدأ بمحاولة اغتيال وزير الداخلية ولا تنتهي بتفجير مديرتي أمن القاهرة والدقهلية. فهذا أيضاً قالوا إن من أفرج عنه هو "محمد مرسي" مع أن الإفراج عنه تم بمقتضى أحكام قضائية متواترة بالإفراج عنه، وذلك في سنة 2009، وقبل ثورة يناير في 2011 وقبل كذلك حكم الرئيس محمد مرسي في شهر يوليو 2012.

أحدهم اعتاد إطلاق أخبار لا أساس لها من الصحة ولا محل لها من الإعراب وهو على الهواء مباشرة، فلا يعطي لممثل الرأي الآخر فرصة للتبين. وقد حدث في برنامج كان يناقش أحداث أسوان القبلية، أن أعلن انه تمت إقالة مدير الأمن، وذلك في مواجهة الكلام عن أن استمرار مدير الأمن في موقعه كاشف عن رعاية الأمن للفتنة. ثم نسي ما قال وأكد على عدم مسؤولية الأجهزة الأمنية عن هذه الأحداث. لتسأله مقدمة الحلقة: إذن لماذا تمت إقالة مدير أمن أسوان؟!.. فارتج عليه!.

واللافت، أن مدير الأمن باق في موقعه إلى الآن، ولم يعتذر القائل عن هذه المعلومة غير الصحيحة، لأنه أطلقها مع سبق الإصرار والترصد، وهو دأب المدافعين عن الانقلاب العسكري في مصر، وإن كان من بينهم من يكون سبباً في شيوع البهجة بين المشاهدين، لاعتماده سياسة الإنكار!.

فعندما يتم الحديث مثلاً عن مذبحة رابعة، فإنه ينكر، ولو جاريته لواصل إنكاره لكل شئ. فلا مذبحة جرت في رابعة، ولا وجود لميدان يحمل اسم رابعة أصلاً. فإذا سألته من قتل القتلى.. يسألك وهل هناك قتلى؟.. ما هو دليلك على أن هناك قتلى؟!.

قبل أيام تطرق الحديث في برنامج " المشهد المصري" على قناة " الجزيرة" لحرز " تذكرة" دواء السعال والبرد، وإذا بالمتحدث يؤكد أن وجود الحرز طبيعي جداً لأن هناك قضيتين، الأولي هي قضية التخابر، والثانية قضية "تعاطي الدواء". وسأله المذيع "عثمان آي فرح" إن كان يوجد في القانون تهمة باسم "تعاطي الدواء"، أكثر من مرة؟، وفي كل مرة يجيب: بنعم، ويسهب في الشرح على أنه في مصر توجد أدوية خارج الجدول، من يتعامل معها هو متعاطي لمخدر، ويخضع لعقاب القانون!.

كان يتحدث عن الجدول وما بخارجه وما بداخله، كما لو كان " يفك حجر رشيد" وعليه فإنه يظن أن من يسمعه سينصت بإعجاب لهذه " الفكاكة"، لكن "عثمان آي فرح" يبدو لمن لا يعرف أنه من أريتريا، أنه مصري كريم العنصرين، فلم يندهش لحديث الجدول وإنما اندهش لهذا الاتهام غير المسبوق!.

عندما سأله " عثمان" مستنكراً: هل هناك قضية تعاطي معروضة على المحكمة؟. أجاب: نعم. وقال إن الصحفي مدمن، وهو يقصد زميلنا إبراهيم الدراوي، المتهم بالتخابر مع حركة حماس. ولو كان في مصر قانون وأقام إبراهيم دعوى قضائية علي قائل هذا الكلام لحكم عليه بالسجن، ولحصل الدراوي من القائل على التعويض المالي الذي يريد!.

الجدير بالذكر أنه لا توجد قضية تعاطي، تم ضمها لقضية التخابر. فضلاً عن "التذكرة" لا تخص الصحفي إبراهيم الدراوي، ولكنها تخص الدكتور فريد إسماعيل. والدواء المدون في "التذكرة" لا علاقة له بالجدول خارجه وداخله. ولو كانت التذكرة لا تحوي اسم الدواء، ولكن مدوناً بها " طربة حشيش"، فإن هذا لا يمثل قرينة على أن حاملها يتعاطى "الحشيش" أو يتاجر فيه، ما لم يُضبط "الحشيش" فعلاً.

وقبل هذا وبعده، فإنه ما يميز بين استخدامات الدواء والإدمان هو "تذكرة الطبيب" فالدواء المقيد في الجدول، تسقط حرمته القانونية، إن ُوصف من قبل طبيب!.

لاحظ أنني تعاملت بجدية، مع مسخرة. فهذا الانقلاب لم يجر علينا سوى الكلام المترنح، والتخريجات التي تشبه كلام المتعاطين ... للدواء، قبل الأكل وبعده.

فأرجوك أعطني هذا الدواء
التعليقات (0)