كتاب عربي 21

العائدون من سوريا.. بين الخوف منهم والخوف عليهم

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
ما العمل لمعالجة ملف الشباب التونسي المندفع بقوة هذه الأيام نحو ما يعتبرونه "جهادا مفروضا" في سوريا؟ هذه إحدى المعضلات الرئيسية التي لا تزال تقض مضاجع الحكومة والعائلات والمجتمع المدني.

لا يوجد رقم دقيق، لكن أعدادهم فيما يبدو أصبحت مقلقة، لأن أسرهم اللاهثة وراء تنسم أخبارهم أو المفجوعة فيهم بعد أن وصلتهم معلومات مؤكدة عن موتهم في ساحات المعارك، قد أصبحت في ازدياد مخيف.

على الصعيد الرسمي، وبعد استهانة طالت أكثر من اللزوم بهذا الملف من قبل حركة النهضة خلال حكم الترويكا، تغير أسلوب المعالجة الرسمية بشكل كبير في ظل المواجهة المستمرة مع المجموعات التي توصف بالمتشددة دينيا.

من أهم الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية في هذا السياق، تشديد الحملة من أجل منع الشباب المتجه نحو اسطنبول، ومنها إلى أنطاكيا باعتبارها الممر الوحيد للدخول إلى التراب السوري. إذ هناك، وعلى البوابة المفتوحة يوجد من يكون في انتظارهم لتوزيعهم على المواقع القتالية. وعندما تم حرمان الآلاف من السفر بمطار قرطاج الدولي، غير هؤلاء وجهتهم من خلال التحول إلى ليبيا عبر الحدود ومنها يتم الانتقال إلى  تركيا. 

الإجراء الأمني الثاني الذي طالما طالبت به منظمات المجتمع المدني والذي استجابت له الحكومة، يتعلق بالعمل على محاصرة الشبكات المنظمة التي تم غرسها داخل تونس بغرض نقل هؤلاء الشبان إلى التراب السوري. ورغم أساليب المراوغة التي تلجأ إليها هذه الشبكات، إلا أنه قد تم تفكيك بعضها، وإيقاف عدد من عناصرها. 

وإذ لم تتمكن وزارة الداخلية من اقناع الرأي العام بوجود تونسيات توجهن إلى سوريا بهدف ممارسة ما أطلق عليه بزواج النكاح، إلا أن المراقبة الأمنية أصبحت تشمل بعض الفتيات اللاتي يشتبه في احتمال أن يكن صحبة أزواجهم في رحلة المغامرة نحو الجحيم السوري.

كما توجد أخبار مؤكدة عن تونسيات قتل أزواجهن في الحرب، نجحن من مغادرة التراب السوري، ونزعن النقاب وتوجهن إلى السفارة التونسية بأنقرة، التي مكنتهن من جواز سفر للعودة إلى تونس، غير أن بعضهن ما أن وصلن إلى مطار اسطنبول، حتى وجدن من كان في انتظارهن لإرجاعهن إلى سوريا ومنعهن من الالتحاق بأسرهن في تونس. 

السؤال المطروح حاليا في تونس هو: هل يمكن الاكتفاء بالمعالجة الأمنية لاستئصال هذه الظاهرة ؟. وقد ازداد هذا السؤال إلحاحا مع بداية الحديث عن عودة البعض من هؤلاء على إثر مغامرة فاشلة أو المرور بتجربة قاسية، أو لأغراض غير معلومة. وبناء عليه هناك من تساءل عن إمكانية فتح المجال للحوار مع هؤلاء العائدين والقبول بتوبة البعض منهم. 

المؤمنون بالحل الأمني يرفضون ذلك، بحجة أن لا حوار مع الذين رفعوا السلاح في وجه الدولة والمواطنين، واعتقادا بأن هؤلاء يشكلون خطرا على الأمن العام، وأن الذين يعودون ؟إلى أرض الوطن ليس لهم من هدف سوى تعزيز الخلايا النائمة في تونس بعد أن تلقت هذه الأخيرة ضربات موجعة خلال الأشهر الأخيرة.

هذا الموقف يشكل مجازفة خطيرة، لأن أصحابه ينفون إمكانية أن يقوم البعض من المقاتلين التونسيين في سوريا بمراجعة جدية لمواقفهم وأفكارهم بعد أن يكتشفوا أن ما روي لهم قبل السفر مختلف تماماً عما وجدوه على الميدان. وهو تقييم خاطئ وتجاهل لطبيعة الإنسان، الذي من خصائصه التوبة عند اكتشاف أن الطريق الذي سلكه مسدود.

وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى المعضلة التي يواجهها بعض هؤلاء عندما وجدوا أنفسهم في حالة اقتتال بين تنظيمي داعش والنصرة، وهما التنظيمان الرئيسيان اللذان يستقطبان معظم التونسيين هناك. فبدل أن يكون القتال موجها فقط نحو نظام الأسد، إذا بهم يجدون أنفسهم يقتلون بعضهم البعض أو يتبادلون التكفير والتخوين، رغم أنهم يحملون نفس الأفكار، ويدافعون على نفس المرجعية. 

  هذا الملف لا يمكن تسليمه فقط في أيدي الأمنيين. وإنما المطلوب أن تتسع الرؤية، وتتعدد أشكال المعالجة والأطراف المتدخلة، بهدف التمييز بين المصر على استعمال السلاح ضد الدولة والمجتمع، وبين من اكتشف حقيقة المعركة، وصدمه الواقع المؤلم في سوريا، وقام بالمراجعات الضرورية. 

 المطلوب اليوم ليس توسيع دائرة المعركة مع كل من راودته فكرة القتال في سوريا، وإنما المصلحة الوطنية تفرض اليوم التقليل من عدد هؤلاء من خلال خطة جماعية ترمي إلى العمل على إعادة إدماج من راجع نفسه واكتشف حجم الدمار الذي لحق برفاقه.

كما أن هناك ضرورة ومصلحة في الاستفادة من تجربة العائدين بعد مراجعة وندم عساهم يساهمون من خلال رواية ما شاهدوه ومروا به أن يؤسسوا وعيا مضادا ونقديا لدى بقية الشباب التونسي الذين يتعرضون لعمليات تحريض وغسيل دماغ غير مسبوقة .
التعليقات (0)