ملفات وتقارير

القضية الفلسطينية في مناهج التدريس العربية

تساؤلات عن أهمية القضية الفلسطينية في المناهج العربية - أرشيفية
تساؤلات عن أهمية القضية الفلسطينية في المناهج العربية - أرشيفية

ناشد الباحث والأكاديمي الفلسطيني حسني جرار جميع الدول العربية والإسلامية بإدراج موضوعات القضية الفلسطينية في مناهج التدريس الرسمية؛ لتوعية الأجيال بقضية العرب والمسلمين المحورية ألا وهي فلسطين.

وقال جرار في حديث خاص لـ "عربي 21"، بمناسبة الذكرى 66 لنكبة فلسطين، إنّ مسؤولية التقصير بذكر قضية فلسطين ومعالجتها في مناهج التدريس العربية تقع على عاتق الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني على حدٍ سواء.

واتهم من أسماها بالجهات الغربية بالضغط على جميع الدول العربية والإسلامية لمنع تدريس قضية فلسطين في مناهج الدراسة؛ وذلك في سبيل تحقيق أهداف استعمارية تريدها أمريكا وإسرائيل، لترسيخ فكرة أن فلسطين ما هي إلا وطن قومي لليهود وليس للعرب والمسلمين على حد تعبيره.

وذكر جرار كيف أنّ كتابا للأستاذ ماجد عرسان الكيلاني تمّ منعه من التدريس في مدارس الأردن بعد أن تدخل بابا الفاتيكان شخصيا لوقف تدريسه بعد حدوث ضجة كبيرة على الأمر، قبل أن ترضخ الحكومة الأردنية للضغوط وتستجيب.

ونوه إلى أن ذكر قضية فلسطين بمناهج التدريس العربية يتم على استحياء، وبطريقة لا تسمن ولا تغني من جوع، وليس لها أي تأثير في توعية أبناء العرب والمسلمين بقضيتهم المركزية.

وأشار جرار إلى أن أبناء فلسطين مقصرون أكثر من غيرهم في الاهتمام بقضية فلسطين؛ ودلل على قوله بما أسماه جيلا فلسطينيا كاملا لا يعرف عن فلسطين ومدنها شيئا، ولو من باب الثقافة العامة.

وأضاف أنّ الجهود المبذولة في إطار التوعية الثقافية بقضية فلسطين أغلبها جهود تطوعية من أفراد ومؤسسات مجتمع مدني، ولكنّها ليست كافية بحسب جرار.

وحول إنتاجاته الثقافية والأدبية التي رفد بها المكتبة العربية والتي يدور جلّها عن قضية فلسطين، قال جرار إنّه نذر وقتا كبيرا من حياته للدفاع عن قضية فلسطين والذود عن حماها، حيث أصدر مجموعة كبيرة من المؤلفات التي تعالج القضية؛ ذكر منها: علماء ودعاة في بيت المقدس وأكنافه، وصحابة مجاهدون في الأردن وفلسطين،  وشعب فلسطين أمام التآمر البريطاني والكيد، الصهيوني1897-1939،  ونكبة فلسطين عام 1947-1948 (مؤامرات.. وتضحيات)، والكثير من المؤلفات الأخرى من أمثال عز الدين القسام ودوره في الجهاد في فلسطين وغيرها.

وعن مسيرته الأكاديمية أكد جرار أنّه كان في الصف السادس الابتدائي في مدرسة جنين حين وقعت نكبة فلسطين؛ وبعدها بسنوات خرج من جنين في عام 1958 ليمارس مهنة التدريس في مدينة الطائف السعودية لست سنوات، وينتقل بعدها للعمل في الدوحة في مهنة التعليم لمدة تزيد على الثلاثة عقود؛ أمضاها في تعليم الجيل والنشء الجديد بعدالة قضية فلسطين؛ وارتباطها الوطيد بعقيدة كل مسلم.

وتحدث جرار عن جهود فردية في مجال توثيق ودراسة القضية الفلسطينية، حيث قام الدكتور أيمن حمودة وهو طبيب جراح ينتمي لقرية دجن في يافا، بزيارة لقريته ومقابلة كل من مكثوا فيها بعد أحداث النكبة، وأصدر كتابا من 400 صفحة حول الموضوع، مشيرا إلى جهود آخرين ساروا على نهجه في خدمة القضية بالتوثيق.

وقال جرار إنه بصدد تأليف كتاب عن منطقة 48 الفلسطينية ودور الحركة الإسلامية فيها في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي.

من جهته -وفي إطار الاهتمام بقضية فلسطين وأهمية وجود مناهج تعليمية حولها- عقد مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن ندوة نقاشية حول هذا الموضوع وأصدر كتابا بعنوان "مناهج تدريس القضية الفلسطينية"، وذلك لما ارتأاه المركز من قصور في المكتبة العربية في معالجة هذا الموضوع، ولسد الثغرة الموجودة في هذا المضمار.

وأكد مركز دراسات الشرق الأوسط  في نشرته التعريفية على موقعه الإلكتروني حول الكتاب أنّه ورغم ما أنتجته المكتبة العربية والإسلامية من كتب ومؤلفات وموسوعات غزيرة تتناول فلسطين التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا والمقدسات والقضية والصراع العربي-الإسرائيلي، إلا أنها -أي المكتبة- ما زالت بحاجة إلى ما يعين المؤسسات التعليمية والطلبة الدارسين لفلسطين والقضية الفلسطينية ضمن منهاج تدريسي متكامل يرفد الطلبة بالمعارف والعلوم اللازمة في ذلك.

وأوضح المركز بأنّ هذا الكتاب يمثل نتاج حلقة دراسية متخصصة عقدها مركز دراسات الشرق الأوسط-الأردن لوضع خطط مساقات تدريسية لفلسطين والقضية، ويحاول سد النقص الموجود في المكتبة في إطار الخطط الدراسية المنهجية وتوزيعاتها الدراسية. 

ويتضمن الكتاب وفقا للمركز خططا دراسية لمستويات ثلاثة: الدورات التدريسية المكثفة في عشرة أسابيع، والدبلوم المتوسط في ثلاثة فصول دراسية جامعية، والدبلوم العالي في فصلين دراسيين جامعيين. 

وتدور مساقات المستويات الثلاثة جميعا حول العلوم والمعارف ذات الاتصال المباشر بفلسطين والقضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي، بتفصيل دقيق على نظام الخطط الدراسية الجامعية لتمكِّن أي مؤسسة تعليمية أو أي مدرِّس أكاديمي من تقديم المادة للدراس المعنيِّ بكل سلاسة ويسر، ضمن الأهداف المرسومة لكل مساق دراسي بحسب المركز.

من جهتها أكدت الناشطة الأردنية ديما طهبوب أن تآمر الحكومات العربية على إسقاط تدريس مناهج القضية الفلسطينية و تصفيتها معرفيا وثقافيا وقتل حالة الإجماع والالتفاف حولها يجب أن يواجه بجهود الأفراد والمؤسسات الأهلية التي يجب أن تقدم البديل لكي تبقى فلسطين حاضرة في الهوية والكينونة العربية بحسب موقع الإسلام اليوم.

ونوهت طهبوب في هذا الصدد إلى أنّ إنشاء أكاديمية لدراسة القضية الفلسطينية تحت اسم أكاديمية دراسات اللاجئين تعد خطوة عملية لتجاوز الفجوة التي أوجدتها الأنظمة العربية بالتخلي عن مسؤولياتها التعليمية و الثقافية تجاه القضية الفلسطينية و الأجيال القادمة.

 وأوضحت أن رؤية الأكاديمية تتمثل بشعارها "نحو جيل مدرك لحقوقه متمسك بها ويعمل على استعادتها" فقالت الكاتبة إنّها تتمثل في "بناء مساحة معلوماتية واسعة لدى الشريحة الأوسـع من الناس بشأن قضية العودة واللاجئين، وتأهيل وتدريب متخصصين في دراسات اللاجئين الفلسطينيين، ونشر ثقافة حق العودة وأدبيات ومفردات قضايا اللجوء واللاجئين، وإظهار معاناة اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، إضافة إلى نشر وتبني الدراسات الأكاديمية عن اللاجئين الفلسطينيين، وتعميق مبدأ التمسك بحق العودة".

وشددت على أنّ جميع هذه القضايا مصيرية ومفتاحية في فهم السياق العام للقضية الفلسطينية، والإعداد العلمي والنفسي للأجيال يوازي الإعداد البدني أهمية، فقد يذهب البدن و يُصفى الأفراد.

واستذكرت طهبوب أواخر التسعينات آخر السنوات الخيرة، يوم كان كتاب المدخل إلى القضية الفلسطينية منهجا دراسيا حكوميا يأخذه الطلاب قبل الانتهاء من المرحلة الثانوية، والولوج إلى الدراسات العليا.

وأشارت إلى أنّ هذا الأمر هو ما افتقدته الأجيال اللاحقة عندما تمت مراجعة المناهج بعد توقيع معاهدات "السلام" و نزع كل ما يتعلق بالعدو الصهيوني من مناهج التربية الإسلامية أولا في اختصار وتجاوز مخل بالتاريخ والعقيدة ثم من مناهج التاريخ ثم من مناهج اللغة العربية والأناشيد التي تقوم على أفكار الشجاعة والتضحية والمقاومة وحب الأوطان والمقدسات، كلها تم استثناؤها.

ونوهت إلى أنّه في الوقت الذي كنا نتآمر طواعية على إسقاط القضية الفلسطينية من الدراسة المنهجية كانت المؤسسات الأممية تجرب على طلابنا فكرة تدريس الهولوكوست، في استبدال غير بريء بل يتسق مع خطط المجتمع الدولي في تشكيل ثقافة ما يسمونه بالتعايش و قبول الآخر.

وخلصت طهبوب إلى أن الحفاظ على الذاكرة يحفظ الحقوق ولا يجعلها تسقط بالتقادم بل تتوارث جيلا بعد جيل، والمجاهد العارف العالم خير من الذي يقاتل عن جهالة فذلك يؤذي و يسيء إلى قضيته ومبادئه ولا ينفعها.
التعليقات (0)