كتاب عربي 21

لماذا كل هذا الهدر للوقت

جعفر عباس
1300x600
1300x600
تقول دراسة أعدها خبراء عرب، إن المواطن العربي يقرأ نصف ساعة في السنة! ياااااااه، وأنا أقول لماذا الإنسان العربي يبدو مرهقا ومهدود الحيل ومفتقرا للهمة، ثم أكتشف أن السبب هو الإفراط من القراءة! لماذا كل هذا التعب وتحميل النفس ما لا طاقة لها به؟ ثلاثون دقيقة يا مفتري في نشاط لا طائل من ورائه؟

ألف وثمانمائة ثانية، تضيع في القراءة خلال 365 يوما،  التي هي 8760 ساعة؟ ثلاثون دقيقة تُهدر في القراءة من أصل 525600 دقيقة؟ 1800 ثانية من أصل أكثر من واحد وثلاثين مليون ونصف المليون ثانية؟ ثم نلطم الخدود ونشق الجيوب لأن الغربيين سبقونا في ميادين المعرفة والعلوم والاختراعات؟ هذا هو سر تخلف ركبنا وقافلتنا، فماذا يبقى لنا من وقت بعد أن يمضي الواحد منا نصف ساعة كاملة في السنة في القراءة؟

الأمريكي يقرأ نحو احد عشر كتابا في السنة والبريطاني نحو سبعة كتب، ولكن العربي وبسبب انشغاله بالثوابت والخصوصيات والقضايا المصيرية يقرأ نحو ثلاث صفحات في السنة! (ثم يقولون ان السودانيين وحدهم هم الكسالى؟ بعض ما عندكم يا سادة!)                  

الطامة الكبرى هي أن هؤلاء الخبراء -وبحكم أنهم عرب– قالوا إن تعاسة حظنا من القراءة، سببه سوء توزيع الكتب، وضعف القدرات التسويقية وارتفاع رسوم الجمارك والضرائب وكلفة استيراد الحبر والمطابع!

وهذا من أخيب وأتعس ما سمعت من كلام! إنه لا يختلف كثيرا عن قول بعض الزعماء الحكماء بأن الديمقراطية لا تناسب مجتمعاتنا، (ومعنى هذا أن الدكتاتورية مطلب شعبي في العالم العربي، ويفسر هذا ظاهرة الأصنام الحية والكهان الذين صاروا يطالبوننا بالعودة إلى الجاهلية، بعبادة تلك الأصنام)، وبالمناسبة فإن التقرير يتكلم عن القراءة الجادة أي قراءة الكتب، فلا تصرخ: أنا كل يوم أقرأ الجريدة في المكتب لساعة كاملة، فقد ثبت علميا أن الصحف العربية مفيدة جدا لمن يعانون من الأرق، لأن لها خواص تنويمية، فالرتابة وركاكة محتويات صحفنا.

فإن قراءتها تصيب الإنسان بنوع حميد من المرض المعروف باسم "موتور نيورون ديزيز"، الذي يتلف الجهاز العصبي تدريجيا، ويشل الحركة (موتور)، ويفضي الى الموت.

والصحف العربية لا توصلك الى القبر، ولكنها تقتل فيك الإحساس بالفرح والخطر والحزن والسعادة، أي أنها تصيبك بالتبلد الذهني، فتفقد القدرة على الانفعال والدهشة والغضب.

وهذا أمر طيب لأن الفكر أو البال المشغول لا يتيح للإنسان النوم الهانئ. ونحن لا نحظى بوقت كاف للنوم بعد أن نقضي نصف ساعة في القراءة في السنة الكبيسة.

 أعتقد ان سبب ضعف الإقبال على القراءة هو أن مكتباتنا لا تتوفر فيها كتب تستحق القراءة! فلأن المواطن العربي قاصر ولا يعرف مصلحته، فإن هناك وصاية عليه، إقرأ هذا ولا تقرأ هذا، ولو لم تقرأ بتاتاً، "يصير خير"، ومن ثم فإن المخدرات أكثر تفشيا ورواجا في العالم العربي من الكتب، لأن رجل الجمرك العربي يتحلى باليقظة الشديدة، ويتم تدريبه على شمشمة رائحة الكتب التي تحمل الأفكار الهدامة، وطبعا معظم الكتب ( في نظر أولياء الأمر عندنا) تحمل الأفكار الهدامة، ومن ثم فإنها تصادر!

والله حرام ترهقوا أنفسكم يا عرب لثلاثين دقيقة في السنة في القراءة، وكثيرون منكم مطالبون بقضاء 30 يوما في السنة في بانكوك وثلاث ساعات يوميا أمام شاشات روتانا وميلودي.. وساعة شيشة وساعتين كنكان.. وساعة كاملة في المكتب يوميا من باب إثبات الوجود و"تحليل" الراتب الشهري، وثلاث ساعات في قطع الأرحام (أي الهروب من البيت والأقارب لقضاء الوقت مع الأصحاب)، وما تبقى من اليوم يخصص للنوم!

وعندي لكم اقتراح بسيط ومفيد، فبدلا من تضييع 30 دقيقة في القراءة سنويا خصصوا ثلاثين ثانية لقراءة الفاتحة على أرواحكم، لأنكم ما تقرأوا وتبدعوا وتستنيروا ومن ثم تنتزعوا حقوقكم من تحت حوافر الديناصورات فستصبحون محل اهتمام جمعيات حماية البيئة التي ترعى الكائنات التي على وشك الانقراض، فهلموا إلى الكتب وإلا ستصبحون أمة سادت ثم بادت.
التعليقات (0)