قضايا وآراء

مسيرة القدس العالمية ....متى تصل إلى منتهاها

كاظم عايش
1300x600
1300x600
في مطلع حزيران من كل عام تتوجه القلوب التي اشتاقت إلى عناقها ولثم لثامها بالمسير نحوها على أمل الوصول، وتقف على مرمى حجر منها تناديها ألم يحن بعد موعد الشروق، ومتى ستزول الغمة وينكشف الكرب، وتعود العصافير إلى أعشاشها، والنحل إلى خلاياه و متى تقر القلوب بالمبيت بواديها، وتنصت الأسماع إلى مناديها: يا خيل الله اركبي.

في هذه المرة، للمسيرة طعم مختلف، فلم يعد الأمر هزلا، فالمدينة التي تحتضن جنين الخلاص باتت مهددة بالإجهاض الدامي الذي مارسه عبدة الشيطان ضد كل أنواع الطهر وكل معاني الحرية، المدينة اليوم تختنق بالمكر الذي تكاد تزول منه الجبال، المدينة تصرخ بأنات مكتومة، لأن حماتها طلبوا منها أن تسكت صونا للعرض، ومظفر لم يعد قادرا على البوح كما كان، فالأمن أصبح معولما كما لم يكن بالأمس، و الأنخاب اليوم ستقرع تحت السقف المقدس، لقد تطاول الأقزام في زمن الكبر الصهيوني حتى ضج السقف وكاد يخر من الآلام.

مسيرة القدس في هذا العام تحمل دلالات جديدة، فهي سترفض أولا مهزلة السياحة الدينية التي تجعل من القدس مزارا للمهرولين والمطبعين تحت حراب القهر الصهيوني، وهي سترفض ثانيا مبدأ المفاوضات حياة، ومبدأ مفاوضات حتى الممات، ومبدأ السكوت من ذهب، ومبدأ لن نغرقكم عودة ورجوعا،و نحن نكتفي من الحب بنظرة من بعيد.

مسيرة القدس لهذا العام ستكرس مبدأ (لا يضيع حق وراءه مطالب )، وستكرس أيضا مقولة انه (لن تضيع القدس ونحن أحياء، أما أن نعيش كراما فوق أرضها أو نموت كراما تحت تربتها )، وها نحن نتذكرها كما لم نفعل من قبل، وننفعل مع ندائها كما لم نفعل من قبل، ونوشك أن نتفجر ثورة وجهادا لنلبي دعاءها الذي دعت به في الأسحار في ثلث ليلها الأخير حين تجلى الجليل في علاه ينظر مجاهدا لينصره، وحرا ليرفع قدره، ورجلا باع دنياه بجنة عرضها السموات والأرض، شعاره إما النصر وإما الشهادة، إما حياة عزيزة في ربوعها، ونصرا مؤزرا على مغتصبيها، أو لتكن الأخرى ممات يغيظ العدا ويرضي المولى ويريح من رؤية وجوه الظالمين والمنافقين والمتخاذلين.

مسيرتنا لهذا العام ستحط رحالها في أدنى الأرض إلى مركزها، وادنى البقاع إلى صخرتها تلك التي ستتحطم عليها كل أحلام بني النضير وقينقاع وقريضة ويهود خيبر، وستنتحر عندها كل مؤامرات الذين يسارعون فيهم، الذين يخافون الدوائر، عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم، ستندحر عند صخرتها كل جيوش الشياطين التي تتنادى من أصقاع الأرض، كل أنواع الدماء الزرقاء والصفراء والسوداء ستهدر في ساعة يقظتها، وستساء وجوها ما عرفت يوما معنى قدسيتها، وسننشد في مسجدها شعر صلاح الدين، وسنخطب في منبرها قولا لا يعرف زيفا بل هو من صدق الحق وصلب الدين.

سنسير نحوها، ولن نتوقف هذه المرة، سنعبر كل الأوهام، وسنكسر كل الأرقام، وسنمضي نحو تخوم القدس، تخوم الطهر، وسنحظى بعبير الروح ترفرف فوق سماء المسجد بورك هذا المسجد بورك ما حوله، بورك هذا الجمع وبورك من صلى بورك من سار على الدرب وبورك من رابط في تلك الأنحاء، بوركت التكايا والزوايا والخانقات، وبوركت المصاطب التي تزهو بنور الذكر ونور القرآن، بورك ركب بيارقها وبورك شيخ القدس صلاحا، بورك من يعمر بيت المقدس شيبا وشبابا، رجالا ونساء، بورك كل الناس أتوها رجالا أو ركبانا، ينتصرون لعزتها وكرامتها، بورك من يحميها، بورك من يفديها، بورك من يهدي زيتا، من يهدي حبا، من يهدي مالا من يهدي قلما، من يهدي تغريدا، من يهدي قولا، من يهدي أملا، من يشعر ألما، من يقرض شعرا أو يكتب نثرا، بورك من يلفظ من أسمائها اسما أو حرفا، بورك من يحلم بالليل أنه يراها ويانس بها، بورك من يحلم ويرجو أن يحلم بها منتصرا لقداستها.

مسيرة القدس لهذا العام، مسيرة تأتي في غسق الظلام الذي يسبق نور الفجر، مسيرة تجدد العهد وتوثق القسم الذي أقسمناه يوما وسنوفي به، مسيرة هذا العام ستوجه رسالتها للقدس أولا: يا قدس إنا قادمون، وستوجه رسالتها للمقدسيين: لستم وحدكم فنحن معكم والله من قبل ومن بعد معكم، وستوجه رسالتها للامة التي نامت على الظلم، لن تنال القدس حريتها حتى تتحرروا من أغلالكم وجبنكم وقعودكم، وحتى تصلحوا أحوالكم، ورسالة إلى الصهاينة، لن تقيكم جدرانكم ولا حصونكم ولا جحوركم اذا جاء وعدكم يومي ويأذن بزوالكم، ولن تجدوا من الغرقد ما يكفيكم لتستروا عوراتكم.ورسالة إلى العالم الذي يدعي الحفاظ على الأمن والسلم، لن يكون هناك أمن ولا سلام حتى يعود الحق إلى أهله، والقدس إلى أصحابها الذين هم أولى الناس بها، وستدفعون ثمن انحيازكم وظلمكم وسوء تقديركم، وستكون القدس عاصمة للحضارة التي حرصتم على غيابها فخرجت عليكم من رحم كيدكم وقلب غفلتكم، وستعود الأمور إلى نصابها والمياه إلى مجاريها رغما عن أنوفكم، لأن الله حين يأذن بنصرة دينه لن يقبل أن يكون النصر إلا غاليا وعزيزا ومدويا، والله متم نوره ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون.

الحق لنا والقدس لنا والله بقوته معنا، وجموع الكفر قد اجتمعت كي تهزمنا لن تهزمنا.
التعليقات (0)