كتاب عربي 21

يوم فوز مرسي

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600

يومها كنت في المطار أنتظر عودة صديق، وأحدهم يخطب في الراديو لإعلان النتيجة، لا أذكره، المهم أنه ظل يخطب لأكثر من ساعة حتى إن الشباب أوسعوه "إيفيهات" على تويتر، وفي النهاية استعرض النسب والأرقام بين محمد مرسي وأحمد شفيق، وأعلن فوز الأول، كنت في المطار، معقل أحمد شفيق، وموطن إنجازاته التي روج لها في حملته الانتخابية، وكان صوت الراديو يسمع في مطار القاهرة كله، والموظفون في حالة ترقب، خرجت من سيارتي وسمعت الراديو من الخارج، ونظرت في الوجوه المترقبة بقلق، وقلت لنفسي لعلهم ينتظرون فوز شفيق، فقد اشتغلوا معه، وربما يربط بعضهم به بعض المصالح، أو ربما وعدهم بشيء حال نجاحه، أو ربما يحبونه، لم لا؟ بعض من كانوا بالقرب من مبارك من خدم القصر أحبوه لأنه كان لطيفا معهم؟ أحبوه بشكل شخصي بقطع النظر عما فعله بالبلاد، بعضنا لا يعنيه من أمر الدنيا سوى نفسه، الرجل لا يريد إعلان النتيجة وكأنه يعسفهم، وصديقي تأخرت طائرته، هذا إن كان هناك طائرة على مصر للطيران تأتي في ميعادها أصلا، فجأة سكت كل شيء في المطار، حتى صوت موتورات الطائرات هبط كأنه يشاركنا الترقب، كان الصوت في الراديو يستعد لإعلان الفائز، وما إن نطق باسم مرشح الإخوان حتى انفجر المطار فرحا، العمال يحتضنون بعضهم البعض، اثنان من الطيارين ضربوا كفا بكف علامة النشوة بالانتصار، سمعت زغردة .. في المطار!!!

أدهشني أنهم فرحون، وصل صاحبي مع الفرحة، وقبل أن أسأله أخبرني بأجواء المطار من الداخل فرحة عارمة، معقولة؟، أجابني فرحا في شفيق لا فرحا بمرسي، انتهت دولة مبارك بالثورة وبالصندوق، لكنهم رجاله، أجاب صديقي: ولهذا يكرهونه.

خرجنا إلى الشوارع، صديقي من المشاهير، والناس في مدينة نصر يرقصون في الشوارع وما إن يروه حتى يقفوا أمام السيارة، بوس وأحضان من داخل زجاج السيارة، و"مبروك" يا أستاذ، مبروك لمصر، انتصرنا، المشهد في مدينة نصر كان مدهشا بالنسبة لي، كنت أريد أن يفشل شفيق، لكن هذه الفرحة تتجاوز الشماتة في رجل مبارك إلى التفاؤل بالإخوان، لكن الناس كانت متفائلة.. أكثر مما كنت أتصور.

وصلنا للتحرير، ورفض صديقي أن يذهب لأولاده بعد سفرة حزينة كان يدفن فيها أمه رحمها الله، وقال لي تعالَ نروح إلى الميدان نشارك الناس فرحتهم، الليلة ليلة البلد.. رحنا.

فرحة عارمة، صواريخ، زغاريد قلبك يحبها، الجميع هنا، الإسلاميون أكثر، طبيعي، لكن اليسار هنا بكثافة، والفرحة بالقضاء على شفيق تشفي القلب العليل، حتى الذين لا يطيقون سيرة الإخوان يرقصون فرحا.. كسبنا جولة، وحافظنا على الثورة في الشارع.

بعدها ذهب مرسي إلى الميدان، وفتح صدره، وهتف له الجميع، كان مرسي وقتها هو نجاحنا، لا أحد يكره نجاحه ولو جاءه على يد خصم له، خصوم في السياسة نعم، لكنك الآن فرحتنا، فلنفرح، ولتفرح معنا الخصومة، كانت أياما حلوة رغم كل شيء، وكان مرسي وقتها يبدو وكأن أحدا لن يقدر عليه، قلت لصديقي: الإسلاميون سيحكموننا 50 عاما، شكلها أيام سودا، فرد: يحكموننا نعم، لكن بمزاجنا، بما نراه نحن لا بما يرونه هم، لن يحكمنا أحد بعد اليوم برؤية أحادية.. انتهى هذا الزمن.. لا تخف.

صدقته، لأنه كان يصدق نفسه وحلمه، ولأنني كنت أريد أن أصدق أننا انتصرنا وانتهى الأمر، صدقته لأن أحدا منا في هذه اللحظة لم يكن يريد سوى مصر التي يحلم بها كل المصريين، صدقته، صدقنا جميعا.

لن أرهقك باستعراض تفاصيل مريرة، ولن أجادلك بشأن مسؤولية الإخوان المباشرة عما حدث، اعتقد ما شئت، مرسي مظلوم، مرسي ظالم، كما شئت، لكن الحقيقة الآن، أن محمد مرسي العياط رئيس جمهورية مصر العربية الشرعي مختطف ومسجون، ومعزول بقوة السلاح.

الآن يحكم مصر أحد عساكر مبارك، انتخابات على خلفية مجازر واعتقالات وتكميم أفواه، لكنها انتخابات، لجان خاوية لم ينزل فيها أحد، لكنه نجح بأكثر من 20 مليون، لا تتعجب إنها إرادة السيسي.

الناس احتفلوا أمس في الميدان، وطبلوا وهللوا، لم يكن المشهد ثوريا مثل مشهد مرسي، كانوا بسطاء، أهلنا، ناسنا، وأصحاب الفضل على كل من حكم هذا البلد، أو تصدر في مجاله العام، ولعلهم يفطنون لحاله ومآله أكثر منا ونحن من يجهل، لا ألوم ناسي في أي شيء، فليحتفلوا، وليهنؤوا، وليتفاءلوا، ولينسوا دماء عيالهم إن أرادوا، وإن كنت أظن أن أحدا من المحتفلين لم يفقد شهيدا وإلا ما جاء، وشارك، فليحتفلوا ما بدا لهم.. مرسي الآن في السجن، وهو رئيس منتخب، ديموقراطي، له ظهير شعبي بالملايين، له من يدعم وجوده سياسيا وإن اختلف معه، وخاصمه في الوطن، له من الشرعية ما يكفيه على الأقل ليغادر دون سجن بانتخابات مبكرة أو استفتاء على الاستمرار من عدمه، ومع هذا فهو سجين مكان ما في مصر لا يعرفه إلا السيسي وجنوده.

يوما ما قال أحدهم للرئيس محمد مرسي، سترحل.. فقال: الجيش معي، والشرعية معي، ما زالت الشرعية معه.. على الأقل لأننا لم نُجهز على بقيتها بانتخابات حقيقية.. لكن الجيش عزله.

نقول الآن لمن يتوهمون أن التاريخ قد انتهى، شرعية السيسي زائفة، وجيشه أول من سيبيعه لحظة خروج الناس عليه، نفس الناس الذين هللوا له، فالناس تمهل الفاشل لكنها لا تهمله، والسيسي فاشل بكل ما تحمله الكلمة، تقول بذلك كل سكنة من سكناته، كل حركة، كل تصريح، فاشل بامتياز، فاشل في أن يدير أزمة، في أن يصون دماءً، في أن يقيم مصالحة، في أن يمر لعدة شهور دون خسائر فادحة، فاشل في أن يبتسم دون أن يبدو عليه أنه كاذب وفاشل.. سيسقطه أداؤه، وسيخرج أهلنا مرة أخرى ليطالبوا بعزله، يوم الاحتفال قائم، ويوم الاعتقال قريب، والأيام دول.

أخيرا: هذه الثورة ستنتصر، ليس لأن الثوار أذكياء، ولكن لأن خصومهم أغبياء أكثر من اللازم.
التعليقات (0)