حول العالم

دعوات لـ"ثورة نظافة" في تونس بسبب انتشار القمامة

تونية تمر من أمام مستوعبات القمامة في 27 أيار/ مايو 2014 - أ ف ب
تونية تمر من أمام مستوعبات القمامة في 27 أيار/ مايو 2014 - أ ف ب
أمام انتشار القمامة وروائحها الكريهة في مناطق عدة في تونس، وتحول حدائق إلى مكبات عشوائية للنفايات في ظل تراخي أجهزة النظافة وعجز السلطات عن إيجاد حلول، قرر تونسيون تنظيف مدنهم بأنفسهم، للحد من انبعاثات الروائح وانتشار الأمراض وتشوه شوارع البلاد.

وبدأت هذه الحملات مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي في مدينة المتلوي في ولاية قفص (جنوبا) بحسب الناشط البيئي بلال الخليفي، الذي ساهم في إطلاق أولى الحملات هناك.

وعمد المتطوعون إلى وضع براميل في الشوراع لتكون مكبات للنفايات، تجنبا لعودة انتشار المخلفات في الشوارع.

وفي مدينة الرديف المجاورة، قام شاب عاطل عن العمل يدعى ميلود الطبابي بجمع تبرعات من السكان، موّل بها حملة التنظيف في شوارع المدينة وساحتها التي شوهتها القمامة.

ونالت مبادرة هذا الشاب إعجاب السكان، فأطلقت حملات مماثلة في مختلف مناطق المدينة.

وقال معز بن جاب الله أحد سكان المدينة: "عمال النظافة لا يعملون.. والدولة غائبة (في الرديف) منذ الثورة" التي أطاحت في 14 كانون الثاني/ يناير 2011 بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

وتحفل مواقع التواصل الاجتماعي بالإشادة بهذا النوع من المبادرات الفردية، وانتشرت فيها عبارات تدعو إلى "ثورة النظافة".

ويعمل في تونس 12 ألف عامل نظافة يتبعون إداريا وزارة الداخلية.

وقبل الثورة، كان هؤلاء العمال محرومين من عقود عمل، ويتقاضون أجورا زهيدة "ومع ذلك كانت تونس نظيفة"، على حد تعبير مواطنين مستائين من عمال التنظيف الذين شكلوا بعد الإطاحة بنظام بن علي، نقابات ضغطت على السلطات، ونجحت في تثبيتهم في عملهم ورفع رواتبهم.

ويقول ناجي وهو حارس عمارة تقع في حي "المنار الثاني" الراقي وسط العاصمة تونس، إن عمال النظافة الذين يأتون لرفع القمامة من المنطقة "أصبحوا بعد ترسيمهم يقومون بفرز الخبز والقوارير البلاستيكية لبيعها، ويرمون القمامة في حديقة قريبة كثيفة الأشجار، ونهاية كل أسبوع يحرقونها ما يؤدي إلى حرق الأشجار وخنق السكان بالدخان".

ويرى مواطنون أن غرق تونس في أكداس القمامة وصمة "عار" للبلاد وللحكومة، التي لم تستطع حتى الآن إيجاد حلول للظاهرة.

في منتصف أيار/ مايو الماضي أطلق الصحافي شاكر بسباس صفحة على "فيسبوك" بعنوان "سيلفي بوبالة" (صور شخصية وسط القمامة).

ونشر الصحافي في هذه الصفحة صورا شخصية لتونسيين واقفين أمام أكداس من القمامة في عدد من مناطق البلاد.

وقال بسباس إن الهدف من إطلاق هذه الصفحة هو إحداث "صدمة" لدى الحكومة حتى تجعل من النظافة أولويتها.

ورفض الصحافي مبدأ تعويض تقصير عمال التنظيفات بجهود المتطوعين قائلا: "ما الجدوى من قيام المواطنين بحملات تنظيف لتعود القمامة في اليوم التالي؟"، مطالبا البلديات والحكومة بالتحرك.

وأضاف: "سوف ننسق مع فريق من المحامين لإقامة دعوى قضائية ضد الحكومة، لأن أحد فصول الدستور الجديد لتونس (الذي تم إقراره نهاية كانون الثاني/ يناير 2014) يضمن حق المواطن في العيش في بيئة سليمة".

وتتسبب إضرابات ينفذها من حين لآخر عمال التنظيف للمطالبة برفع رواتبهم، في تفاقم الأزمة.

وتقول السلطات إنها تعي حجم المشكلة، لكنها تبرر انتشار القمامة بنقص الإمكانيات والتجهيزات الموضوعة بتصرف عمال النظافة، إضافة إلى ما تعتبره تدنيا في وعي المواطنين حول هذه المسألة.

وتقول وزارة الداخلية إن كميات القمامة المكدسة في الشوارع ارتفعت في 2013 بنسبة 30 % مقارنة بسنة 2012، وإن غالبية التجهيزات المخصصة لرفع القمامة معطلة.

وتعتزم الحكومة إحداث شرطة بلدية "لمراقبة" الأشخاص الذين يلقون القمامة في غير الأماكن المخصصة لها، بحسب شكري قلوز المسؤول بالوكالة الوطنية لحماية المحيط، والذي يؤكد أن السلطات رصدت حوالي 1.3 مليون يورو لهذا المشروع.

ويوجد أكبر مكب للقمامة في العاصمة تونس في منطقة "برج شاكير".

ويطالب سكان المناطق المجاورة لهذا المكب بإغلاقه بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منه والأمراض التي سببها لهم.

وقال المهندس البيئي مرشد قربوج: "كان من المفروض إغلاق هذا المكب في صيف 2013، لأنه أصبح مشبعا بالكامل، لكنه بقي يعمل بسبب غياب البديل".

وقال محمد الورغي الذي يقطن قرب هذا المكب: "كأننا نعيش في وسط المكب فالروائح الكريهة تزكم أنوفنا ليلا نهارا ودون انقطاع".

وأضاف الرجل الذي يحمل آثار مرض جلدي -قال إنه أصيب به نتيجة لسعات الذباب الذي يتكاثر في المكب- إن ابنه الرضيع ذا العامين يعاني من مرض الربو بسبب الروائح الكريهة.

وقال عدد من السكان إنهم اضطروا إلى "الهروب" من مناطقهم تجنبا للروائح الكريهة والأمراض، على غرار كمال سميلي وهو مدرس معلوماتية، غادر قريته الحتار، على بعد 20 مترا من مكب برج شاكير، لإنقاذ زوجته وأبنائه الذين أصيبوا بأمراض عدة بسبب القمامة وروائحها، كما يقول.
التعليقات (0)