كتاب عربي 21

الشيخ فوزي السعيد.. والانتقام بأثر رجعي!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لا أعرف إلى الآن ما هي التهمة التي وجهت للشيخ فوزي السعيد، بشكل يبرر عملية اعتقاله، بمناسبة الذكرى الأولي للانقلاب العسكري؟!.

فالشيخ مريض، وهو ممنوع من الخطابة، وجميع القضايا "المطبوخة أمنياً" جرى ترتيب أوراقها وإعداد قائمة بالمتهمين فيها، وبعض هذه القضايا صدرت فيها أحكام وصلت للإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، وليس معقولاً أن يتم إعادة فتحها من جديد، ليتم وضع اسمه من بين المتهمين، وآخرها قضية قطع طريق قليوب، الذي كان يقطع كثيراً في عهد الرئيس مرسي، بواسطة الثورة المضادة، دون قيام الأجهزة الأمنية بالقبض علي المتهمين وتقديمهم للمحاكمة. فهذه الأجهزة تبين أن وزير داخليتها يمارس "الموالسة" مع هذه الثورة باعترافه هو نفسه، بعد الانقلاب.

فمن بين المتهمين في قضية قطع طريق قليوب، من هم لم يمروا منه، علي نحو ذكرني بمخالفة مرورية، قيدت ضدي قبل سنوات، في بنها، القريبة من قليوب، مع أني لم أذهب إلي بنها إلى الآن، لا زائراً ولا ماراً، ولا عازماً ولا معزوماً، وعبثاً حاولت إفهام وكيل النيابة المنوط به جمع الغرامات، بعدم معقولية "المخالفة". وكل ما فعله، أنه أنزل الغرامة المقررة للحد الأدنى لها.

كل الاتهامات، التي يمكن أن توجه للشيخ فوزي السعيد، خاصة بقضايا قديمة إذن، أما القضايا الجديدة، فلا يمكن أن يوجه له فيها اتهام، مثل التحريض علي العنف، وما إلى ذلك، لأنها صنعت بينما هو مريض وممنوع من الخطابة. وأظنهم الآن وبعد عملية اعتقاله، في مهمة البحث عن اتهام، علي نحو ذكرني بما حدث مع زميلنا "إبراهيم الدراوي". الذي تم إلقاء القبض عليه عقب فض رابعة والنهضة، وقد وجهت له النيابة تهمة سرقة شقة، في مدينة الرحاب، ولما اعترف بجريمته، وأكد أن الشقة في حيازته، وأنه المالك الفعلي لها، وهو ما يستدعي الإفراج عنه في التو واللحظة، لتكون مهمة المحكمة الفصل في الأمر والوقوف علي من هو صاحب الشقة فعلاً: هل الشاكي أم المشكو في حقه؟، عندها تبسم المحقق ضاحكاً، وأنهي التحقيق بالقول بأن هناك تشابه أسماء بين المتهم الحقيقي، وبين زميلنا الماثل أمامه بعد الاعتقال.

وبالقانون، فانه كان من الطبيعي أن يتم إخلاء سبيل "الدراوي"، ليعود إلى بيته، لكن لأننا في زمن الانقلاب، حيث القانون في إجازة، فتم اقتياده الي قسم مدينة نصر، بدون مبرر هذه المرة، وبدون مسوغ قانوني، باعتبار أن "الصباح رباح"، وتم اقتياده للنيابة، التي حققت معه بتهمة التخابر مع حركة حماس، ولا يزال مسجوناً حتى الآن.

لن يمثل مفاجأة لنا، أن يتم إلحاق الشيخ فوزي السعيد، بقضية قديمة، أو أن يتم اتهامه في قضية حديثة، رغم مرضه، ورغم أنه ممنوع من الخطابة. وهو صاحب "سوابق" في الاتهام بأثر رجعي. فتنظيم "الوعد" في سنة 201، تم إلحاقه به بعد ستة شهور من القبض علي أعضائه، وعددهم ستة، ينتمون للتيار السلفي في مصر، بزعامة الشيخ نشأت إبراهيم. وهو التنظيم الذي قالوا أنه خطط من أجل تقديم مساعدات لسكان غزة، ولأنه لا يوجد في القانون تهمة اسمها تقديم مساعدات لغزة وسكانها، فقد كان الاتهام هو التخطيط للقيام بأعمال إرهابية، واغتيال مسؤولين مصريين. وحقق القضاء العسكري في القضية، وقضى ببراءة الشيخين فوزي، وإبراهيم ،لكن الأجهزة الأمنية كان لها رأياً آخراً.

لقد بدا واضحاً أن هذه الأجهزة الأمنية التي ألقت القبض على الشيخ فوزي، لم يكن قرارها باعتقاله ليخلي سراحه بعد عدة شهور قضاها في المحاكمة، فعقب البراءة استمر حبسهما لأكثر من سنتين ونصف السنة، وهو إجراء يدفعنا لمحاولة الوقوف علي "نظرية الأجهزة الأمنية" في عمليات الاعتقال.

الشيخ فوزي السعيد، أحد رموز التيار السلفي في مصر، وهو تيار لم يكن لديه أزمة مع السلطة ، ومن يمثل وجوده خرقاً لنظرية سقف الشهرة المعمول بها، فانه يمنع من الخطابة، كما في حالة الشيخ جميل غازي.لكن الشيخ فوزي كان قد تجاوز هذا السقف بشكل لافت فكان لابد من العصف به. 

أول مرة سمعت فيها باسم الشيخ فوزي، كنا في نهاية الثمانينات، عندما أبدي الدكتور فرج فودة، دهشته لأن يظل الشيخ يخطب، رغم شعبيته، وكيف أن المصلين يقطعون شارع رمسيس في يوم الجمعة، مع أن المسجد من طابقين، بالإضافة للشوارع الجانبية. وقد صليت جمعة واحدة في الشارع خلفه، بعد ذلك وبنصيحة من احد الأصدقاء في سنة 1992. ثم انشغلت به بعد ذلك للإجابة على سؤال عن ظاهرة نجوم المنابر في هذه الفترة، غير المرتبطة بالأزهريين!.

كان هناك الشيخ فوزي السعيد في مسجد "التوحيد"، والدكتور عمر عبد الكافي في مسجد "أسد ابن الفرات"، والشيخ وجدي غنيم في الإسكندرية، وغيرهم. في حين كانت النجومية في المرحلة السابقة من نصيب أزهريين كالشيخ عبد الحميد كشك، والشيخ أحمد المحلاوي، والدكتور عمر عبد الرحمن، والشيخ عبد الرشيد صقر.

وكان قد تم تكليفي بالإشراف علي صفحة دينية بجريدة "الأحرار"، اقترحت أن يكون اسمها "الدين لله". وثارت ثائرة زميل تخرج في جامعة الأزهر، فقد رأي نفسه بحكم التخصص هو الأولى، ومن ضمن ما استخدمه في تأكيد أهليته هو، أنني وضعت عنواناً علمانياً لصفحة دينية، فوقفت حينها، على السبب وراء تفوق غير الأزهريين في الخطابة، ليكون نجوم المنابر من غير الأزهريين!.

قبل أن أتنازل بهدوء عن مهمة الإشراف علي الصفحة للأزهري، أحطته علماً بان العنوان مستقي من الآية الكريمة: " .. ويكون الدين كله لله". وأصر بعد ذلك علي استمرار اسم الصفحة، قبل أن يعيدها لي، بعد أن اجمع الزملاء، علي أنها كانت أفضل قبله برغم كونه متخصصاً.

كان يعمل معنا زميل مفتون بالشيخ فوزي، ولهذا فقد رأيت أنه من المناسب أن أكلفه هو بإقناع الشيخ بمقابلة صحفية، ضمن محاولاتنا للإجابة على سؤال نجوم المنابر، لكنه اعتذر، فقد كان يحرص علي البعد عن الإعلام، وهناك صحفيون أجانب وفضائيات عالمية جاءت لمصر من أجل الوقوف علي ظاهرته، لكنه كان يرفض الحديث ويترك لهم الحق في الكتابة عنه، لا منه، لإيمانه بأن الظهور الإعلامي هو بداية النهاية، لأنه يكون باعثاً على قلق الأجهزة الأمنية، حتى وان كان الداعية لا يتكلم في السياسة ولا يهدد خطابه الأمن العام. فيكفي أن يتجاوز سقف الشهرة المحدد، لتغضب عليه الآلهة وتحل عليه اللعنة!.

عندما تساءل فرج فودة عن سر استمرار الشيخ فوزي السعيد خطيباً رغم شعبيته، "الصامتة"، من وجهة نظري، كان النظام مشغولاً بحربه مع الجماعات الإسلامية. وهو لم يفتح جبهات مع الجميع وإنما بدأها خطوة خطوة، وفي هذه الأيام قال مبارك للتلفزيون الألماني نحن لا نحارب الجماعات الإسلامية التي لا تمارس العنف فلدينا جماعة معتدلة كجماعة الإخوان. لكن عندما انتهي من هذه المهمة، التفت للإخوان ليعتقلهم ويقدمهم للمحاكم العسكرية ومحاكم الجنايات، ثم منع الشيخ فوزي السعيد من خطبة الجمعة، وان تركه يلقي الدروس ويشرف علي المسجد، ثم منعه كلية، وضم المسجد للأوقاف، قبل اعتقاله وخروجه من المعتقل مع منعه من الخطابة.

ولو استمر مبارك في السلطة، لألتفت للطرق الصوفية، رغم أنها بعيدة عن السياسة، ومنخرطة فيما يجعلها بمنآي عن تهديد أي حاكم، لكن الأجهزة الأمنية ومن تعاملها مع السلفيين آمنت بمقولة من تصوف فقد تشيع. وزادت عليها بمقتضيات الحس الأمني: " ومن تشيع فقد صار تابعاً لإيران" . فكانت البداية بفتنة الانشقاق والتنازع علي مشيخة الطرقة الصوفية بين عبد الهادي القصبي وعلاء أبو العزايم.

ويبدو واضحاً أنه باعتقال الشيخ فوزي السعيد الآن، أن تركه كان مرتبطاً بفقه الأولويات المعتمد لدى سلطة الانقلاب، التي هي الامتداد لسلطة مبارك والذي في عهده عندما فرغ من الجماعات الإسلامية، كان الإخوان، وبعض السلفيين، وغيرهم. وفي العادة فان مجلة "روزا اليوسف" هي من تعبد الطريق للأجهزة الأمنية للانقضاض علي فريستها. وقبل منع الدكتور عمر عبد الكافي من الخطابة، كانت هناك حملة "إبراهيم عيسي" في المجلة ضده، وقبل اعتقال الشيخ فوزي السعيد كانت حملة في "روزا اليوسف" ضده أيضاً.
التعليقات (0)