قضايا وآراء

بين الأمة والتنظيم

إبراهيم هلال
1300x600
1300x600
نتابع جميعا اليوم ما يدور في فلسطين المحتلة وخاصة قطاع غزة الذي يعد مكان تمركز حماس خاصة بعد الحسم العسكري في 2006
وتخوض حماس _حركة المقاومة الإسلامية_ التي أسسها الشهيد الشيخ \ أحمد ياسين رحمه الله  حربا حقيقية مع الكيان الصهيوني المغتصِب حيث أثبتت كتائب عز الدين القسام _ الذراع العسكري لحركة حماس_ وجودها وقوتها وبقائها في تلك الحرب وأوجعت العدو الصهيوني المحتل والمغتصِب في عقر داره  في تل الربيع _تل أبيب كما يسميها الكيان الصهيوني _ ويافا وحيفا وعسقلان ومستوطنات أخرى شرقية .

لقد لفت تنظيم حماس في تلك الحرب وذلك العدوان أنظار الجميع  "العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم الغربي كذلك" لفت تنظيم حماس أنظار العالم الإسلامي الذي يمتد من جاكارتا إلى موريتانيا الجميع يتابع الأحداث الدائرة ويترقب ومن قبل كان الجميع يتابع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام " الذي أعلن الخلافة مؤخرا في 1رمضان الحالي وكان الفصيل الفاعل والرئيسي في أحداث العراق الأخيرة والسيطرة على الموصل ومدن عراقية أخرى  ومن قبله لفت تنظيم جبهة النصرة لأهل الشام الأنظار حيث كان ولا يزال الفصيل الأقوى في حرب الجيش النصيري الملعون في سوريا ومن قبله لفت تنظيم القاعدة أو الجهاد العالمي الأنظار حين نفذ عدة عمليات شهيرة في عدة دول أوروبية وفي عدة ولايات أمريكية  وخاض حروب في أفغانستان وتركستان الشرقية والعراق واليمن والجزائر وليبيا والصومال ونيجريا سواء ضد جيوش خارجية محتلة أو جيوش محلية عميلة  ومن قبل تصدر تنظيم الإخوان المسلمين المشهد في العالم الإسلامي حيث كان اللاعب السياسي الرئيسي في عدة دول في القرن المنصرم بداية من مصر حيث ظهر على الساحة السياسية من 1936م   واستمر إلى الآن.

كذلك ظهر في سوريا واليمن والجزائر وتونس والعراق والمغرب والسودان والصومال وكان تنظيم الإخوان فاعل سياسي في كل تلك الدول.

وإذا عدنا للتاريخ وخاصة تاريخ المسلمين وبحثنا عن التنظيمات الهرمية وتاريخها أظن سنجد المزيد من التنظيمات التي ظهرت في التاريخ ثم اختفت كان لها هدف ووجهة ومبرر للوجود وسردية تاريخية وأيدولوجية فكرية لكن نرى أن التنظيمات الهرمية تلك ظهرت واشتهرت بداية من القرن السابق في تاريخ المسلمين الحديث حيث وقعت معظم أراضي المسلمين تحت الاحتلال أو الغزو الأوروبي وباتت الأمة الإسلامية كلها وأراضيها ومقدساتها وعلاقاتها الاجتماعية ونظمها وجماعاتها الوسيطة وأدبها وتاريخها وتراثها تحت تهديد صفري..

ومنذ عهد الاستعمار بل من قبله قليلا انقسمت الأمة_ التي من المفترض أن تواجه الصائل أو الغازي أو المعتدي جميعا بلا استثناء _ إلى متفرجين وهم الجزء الأعظم وتنظيمات ومن هذه التنظيمات هناك ما هو مقاوم وما هو مجاهد وما هو متحزب وما هو منتكس وما هو متخاذل وما هو متعلمن.

لكن لماذا لم تظهر تلك التنظيمات الهرمية بهذا الشكل وتتصدر المشهد من قبل في تاريخ المسلمين بهذه الصورة ؟

أن هذه الغارات التي تتعرض لها بلاد المسلمين وهذه الاعتداءات التي يتعرض المسلمون لها كل يوم لم تك بدعا من الأحداث فقد وصل المغول من قبل إلى عين جالوت بعد أن دمروا بغداد والدولة العباسية بها ومسحوا وأبادوا حاضرات العالم الإسلامي من الصين إلى الشام كذلك الصليبين الذين قادوا  حروبا وحملات صليبية عديدة  على بلاد المسلمين فلماذا لم تظهر حينها تلك التنظيمات الهرمية وظهرت في ذلك العصر ؟

يبدو أن هناك عدة أسباب بعضها يتعلق بالسياق التاريخي وبعضها يتعلق بطريقة إدراك المسلمين لتلك الغارات في كل عصر 
ففي تلك الهجمات من المغول والصليبين  قديما كانت الأمة لا تزال حاضرة برغم  الهزائم  التي تعرضت لها كانت سريعة الاستيقاظ  وكان إسلامها  لم يشوه بعد  وكانت دولة الإسلام قائمة  وشرع الله حاضر وإن غاب فترات  وظهر حكام مستبدين وأمراء مترفين وجنود فاسدين وكان تصور جهاد أعداء الإسلام لا يزال حاضرا  وبقوة  في أذهان المسلمين وتصوراتهم وبرغم أن تطبيق الشرع حينها لم يكن بصورة مثالية وكان هناك عديد من الأخطاء والتجاوزات بل أن كثير من الحكام والسلاطين في البلاد المسلمة كانوا مترفين مستبدين لا يقيمون العدل ولا يمنعون الفساد ولا ينهون عن منكر كان تصور الإسلام والعقيدة حاضره في وعيهم وكانوا بالرغم من تنازعهم فيما بينهم على السلطة كانوا يحمون بيضة الإسلام ويقيمون الجهاد ضد أعداء الله والإسلام ويحترمون قول العلماء ورأيهم واجتهاداتهم الشرعية.
 
وهذا الكلام طبعا لا ينطبق على بعض الحكام والسلاطين والأمراء الخوة الذين باعوا بلادهم للأعداء مقابل مال أو سلطة 
كانت الأمة تجتمع تحت لواء جيش المسلمين كي تجاهد أعداء الإسلام كذلك من أهم الأسباب في ظهور تلك التنظيمات واختفاء الأمة عن المشهد هو قدوم عصر الحداثة  وتسيد التصورات الغربية  وانتشارها وقد أعطى التقدم العلمي والتكنولوجي الرهيب للأعداء تقدم كبير في الساحة العسكرية حتى أصبحت الحضارة الغربية تمتلك أسلحة قادرة على تدمير الكوكب الأرضي مرتين واصبح هناك فجوة عسكرية وعلمية ومعرفية ضخمة تستطيع أن ترهب  تلك الأمة التي ركنت إلى الدنيا كذلك تقطُع شبكة العلاقات بين تلك الأمة وظهور القوميات والتقسيمات وحدود سايكس بيكو وأنهاك المجتمعات  بالاستعمار والتغريب وسقوط الإنسان في الصيرورة  الحياتية اليومية التي تبدأ بالعمل الشاق صباحا وتنتهي بالنوم الثفيل وتستمر تلك الدورة اللامتناهية كذلك ظهور الدولة الحديثة وبنيتها العلمانية المحكمة وذراعيها الأمني والإعلامي اللذان استخدمتهم الدولة وملأها في قمع تلك الأمة وتفكيكها وسلبها حريتها وحقوقها ثم استعمارها من الداخل وتخديرها  وإعماء بصرها وبصيرتها بالمنتجات الإعلامية 

كل ذلك أدى لخمول الأمة وتفكيكها ودخولها في نوم عميق وثقيل ومخزي وتحولت إلى مجموعة من المشاهدين انتهى بهم الحال أمام شاشات التلفاز وتولت تلك التنظيمات جل المعارك نيابة عن الأمة معارك سياسية وإعلامية ومعرفية وعسكرية خاضتها على مدار قرن كامل من التاريخ  فنجدها إما إنها هُزمت فيها جميعا مثل تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين في كل البلاد أو أنها هُزمت تارة وانتصرت أخرى ولكن لا يلبث أن تضيع نتائج ذلك الانتصار سريعا مثل تنظيمات الجهاد العالمي أو السلفية الجهادية  وإما نجد أنها تخوض صراع طويل باهظ الكلفة تقف فيه ثابتة لكن صغر حجمها وطبيعتها التنظيمية والايدلوجية لا تسمح لها بحسم أي معركة مثل التنظيمات التي تجاهد حاليا في الشام والعراق وفلسطين لقد تنبه لذلك الشيخ المجاهد أبو مصعب السوري الذي يُمثل المنظر الأول في التيار الجهادي العالمي أو السلفية الجهادية حيث قدم هذا الشيخ مجهود نقدي عظيم جعل من تياره "الجهاد العالمي" اكثر التيارات مفتوحة النسق وأكثرها بعدا عن الايدولوجية وأكثرها نقدا لذاته واقلها تنميطا طرح أبو مصعب في كتابه العمدة "دعوة المقاومة العالمية" طرحا نقديا ضخما انتهى فيه إلى رفض العمل بطريقة التنظيمات الهرمية تماما وتبنى فيه العمل بطريقة "الذئب المنفرد" وهي نظرية تنطلق من الآية الكريمة "فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ? وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ? عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ? وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا.
 
حيث رأى الشيخ أبو مصعب أن التنظيمات الهرمية تعد جزءا صغيرا من الأمة وهي التي تتولى دفة المعارك نيابة عنها  لم تحرز شيئا بل فشلت جميعها في إخراج الصائل من بلاد المسلمين وحماية بيضة الإسلام وأمته وإقامة شرع الله وإقامة العدل في الأرض وذلك حسب رأيه لأسباب عدة منها أن التنظيمات الهرمية يسهل القضاء عليها بتوجيه ضربة أمنية قوية لها كذلك فالتنظيمات الهرمية تحوي على قيود تنظيمية وبنية إيديولوجية تعيق الحركة وتنعزل عن الأمة فقد رأى الشيخ أبو مصعب أن الأمثل هو العمل بطريقة تكوين مجموعات عمل صغيرة لا تتعدى العشرة أشخاص يختاروا لهم ثغرة ويقفوا عليها سواء في الإعلام أو المقاومة أو البحث المعرفي أو العسكري أو عمليات الردع وان تلك المجموعات لا تتبنى تنظيرا أو إيديولوجية أو توجه سلطوي أي أنها لا تسعى للسيطرة على الحكم إنما تسعى للتحريض على قتال الصائل وجهاد المعتدي ومقاومة البغاة والطواغيت وتسعى لإيقاظ تلك الأمة النائمة الغافلة وبث فيها العقيدة والوعي .

ففي نظر أبو مصعب أن تلك المعركة لا يمكن أن تحسم إلا بعد أن تخوضها الأمة كلها كل الأمة تقاوم وكل الأمة تستيقظ وتجاهد  وإنما جهاد النخبة هذا سيكون طويل الأمد وباهظ الكلفة لقد شبه أبو مصعب تلك المجموعات بالمسحراتي الذي يجول ليوقظ النائمين للصلاة ستكون تلك المجموعات بمثابة المسحراتي الذي يوقظها للجهاد والنصر والمعركة مع العداء ولس معنى ذلك أن تتوقف التنظيمات عن عملها _وأن كان بعضها يجب أن يتوقف ويراجع نفسه_  بل عليها أن تستمر وتحاول هي أيضا التخلص من قيود الايدولوجية والتحزب وقيود الموائمات السياسية وتحويل المعركة من معركة تخوضها التنظيمات لمعركة تخوضها الأمة بكاملها لقد كان نسق  "الانتفاضة " لتي قدمها شعب فلسطين المسلم خير مثال  لتلك النظرية "المسحراتي " فبدلا من نسق الثورة الذي يمثل لحظة انفصال عن الماضي وانقطاع معه  ويحاول الإجابة عن كل الإشكاليات وحلها جميعا هنا والأن قدمت الانتفاضة فعل  يشترك فيه كل الأمة  وهي تمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر وتحاول التقريب والتسديد لبعض الإشكاليات  ولا تحاول الانقطاع مع الماضي والانفصال عنه 
هذا كان رأي د\ المسيري  عند حديثه عن الفرق بين الثورة والانتفاضة. 
أخيرا 
حيا الله المقاومة ونصرها وخذل الصهاينة وأذلهم ودمرهم ...
0
التعليقات (0)