قضايا وآراء

حرب غزة.. سؤال وجواب

معاذ محمد صلاح الدين
1300x600
1300x600
بعد عدة حوارات مع أصدقاء مختلفي الاتجاهات السياسية والمستويات الثقافية تأكدت أن قطاعا لا بأس به من الشعب –سواء المتعاطف أو الشامت-لا يعرف حقيقة ما يحدث في غزة . الصورة ضبابية، والتحليلات التي تملأ الصحف والمواقع لا تقدم صورة كاملة عن الأحداث. ربما كان من الأفضل في الظروف العادية أن نبدأ بشرح خلفية الأحداث والعلاقة بين فتح وحماس وتاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة...الخ ولكن تسارع الأحداث يجعل من الأوجب الحديث عن المشهد الأكثر سخونة الآن: الحرب في غزة والمبادرة المصرية. وقد نعود لشرح باقي الصورة مرة أخرى.

• ما المبرر "المعلن" لشن إسرائيل الحرب على غزة هذه المرة؟

o في منتصف شهر يونيو تم خطف 3 مستوطنين إسرائيليين واتهمت إسرائيل حماس بخطفهم وهو الاتهام الذي نفته حماس (الجزيرة 27/6)

o يوم 1/7 تم العثور على جثثهم وفورا أعلن نتنياهو أن حماس هي المسؤولة وسيتم عقابها (العربية 1/7)

o  المثير للغاية أن المستوطنين تم اختطافهم والعثور على جثثهم في الضفة الغربية "حدود فلسطين مع الأردن" والواقعة تحت سيطرة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، بينما غزة التي تسيطر عليها حماس في الناحية الأخرى تماما على الحدود المصرية!! (العربية 1/7)

o  ولكن رغم ذلك كان هذا سببا لشن الحرب!! فالجريمة "بالمنطق الإسرائيلي" حدثت في الشرق والعقاب لمن في الغرب!


o  سؤال آخر يطرح نفسه: عندما خطفت حماس إسرائيلي واحد "جلعاد شاليط" أعلنت ذلك وبالبلدي “نشفت ريق إسرائيل عليه" وبادلته بمئات من الأسرى الفلسطينيين. هل يعقل أن تنكر عندما تختطف 3 إسرائيليين وأن يكون كل ما تفعله هو ذبحهم بلا هدف وبلا مقابل؟ 

o إذا ما هي الأسباب الحقيقية؟ الوقت كفيل بإظهار هذه الأسباب

•  ما هي المبادرة المصرية؟

o  بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة يوم 8/7.

o أول تصريح للخارجية المصرية حول الأحداث أدان "أعمال العنف المتبادلة" (اليوم السابع 9/7). واستخدام هذا المصطلح أثار سخط الكثيرين لمساواته بين المعتدي والمعتدى عليه

o ثم في يوم 14/7 صدر بيان من الخارجية بالمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بين الطرفين ووقف "الأعمال العدائية" بينهما ثم تحديد موعد لمفاوضات لاحقة! (الوفد 14/7)

 • لماذا رفضت حماس المبادرة المصرية؟

o أولا: ليست حماس فقط هي التي رفضت المبادرة، بل جميع فصائل المقاومة الإسلامية (الجهاد وسرايا القدس والحركة الإسلامية) وغير الإسلامية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) (المصريون 15/7)    

o ثانيا: لابد أنك رأيت في حياتك العملية كيف يتم ترتيب عقد الاجتماعات بين الأطراف المختلفة. إذا أراد مدير مشروع مثلا أن يرتب اجتماع عمل بين طرفين، يقوم بالاتصال بطرف "آلو فلان. عايزين نقعد أنا وأنت وعلان نتناقش في كذا وكذا...ينفع السبت؟ ماشي اتفقنا" ثم يتصل بالطرف الثاني "ينفع نقعد السبت؟ مش مناسب؟ طب الأحد ينفع؟ ماشي" ويعاود الاتصال بالطرف الأول " ممكن الأحد بدل السبت؟ خلاص اتفقنا" وعندها فقط يعلن أنه تم الاتفاق على عقد الاجتماع. هذا ما يحدث في حياتنا العملية وحتى في حياتنا الخاصة و"أنت تتفق مع أصحابك على خروجه مثلا" وببساطة هذا أيضا ما يحدث في الحياة الدبلوماسية! ومثلما سيشعر شخص بالإهانة وأنه طرف غير مهم إذا وجد أن الاجتماع أو "الخروجة" قد تم الترتيب له بين جميع الأطراف إلا هو...ينطبق هذا الوضع بصورة أكبر في الدبلوماسيات...فمجرد قبولك بأن يتم التعامل معك بهذا الشكل يعني أنك الطرف الأضعف المنكسر في أي مفاوضات محتملة.

هذا ما حدث بالضبط في المبادرة المصرية:

- يوم السبت تم اتصال بين السيسي ونتنياهو برعاية توني بلير والذي عقد اجتماعا مع السيسي ثم سافر بلير من القاهرة الى تل أبيب وعقد اجتماعا مع نتنياهو الأحد (هآرتس 16/7)

- كل هذه التحركات جاءت برعاية جون كيري..وشملت مباحثات كيري حسب الجارديان 15/7: (نتنياهو, محمود عباس , والإدارة المصرية فقط)!

- تم إبلاغ حماس بعد إعداد المبادرة بالتشاور بين هذه الأطراف وعكس الإسرائيليين لم تكن جزءا من مفاوضات إعدادها (الجارديان 16/7)

o وجاء الترحيب السريع والفوري من الجانب الإسرائيلي لتزيد شكوك الفلسطينيين في حقيقة ما يجري وراء الستار...وخاصة بعدما قال نتنياهو صراحة "وافقنا على المبادرة المصرية من أجل إعطاء فرصة لنزع سلاح القطاع (غزة) من الصواريخ والأنفاق عبر السبل الدبلوماسية " (المصري اليوم 15/7) وهو ما جعل من شبه المستحيل قبول مبادرة أعدت من وراء ظهرها كأنها ليست الطرف الأصيل في الأمر وتعتبرها إسرائيل بداية نزع سلاح المقاومة خصوصا مع عدم وجود نفي أو رد سريع من الخارجية المصرية على هذا التصريح 

o كان علاقات مرسي جيدة جدا مع حماس..ولكن أيضا نظام مبارك كان يحتفظ على الأقل بشعرة معاوية معها..أما  نظام السيسي فمستمر منذ أكثر من عام في شيطنة حماس وحظر تواجدها في مصر واتهامات بقتل جنود وتجسس, وتشديد حصار وغلق أنفاق يؤدي لتحويل غزة لسجن حقيقي...ثم هجوم متواصل من الإعلام استمر حتى بعد القصف الإسرائيلي –وهذا يحدث للمرة الأولى بهذا الشكل...كل هذا هدم مكانة مصر ليس كشقيق بل حتى كوسيط محايد

o واتساقا مع ذلك جاء بيان المبادرة يتحدث عن "العنف والعنف المضاد" ويطلب "وقف المبادرات العدائية من الطرفين" وهذا ما اعتبرته المقاومة مساواة لها بالمعتدي (تقرير فرانس24 15/7)

 •إذا ماذا تريد حماس والمقاومة-ألا يكفي أن ننقذهم من إطلاق النار؟ أم أنها تضحي بأرواح الفلسطينيين مادام قادتها في أمان في مخابئهم؟

o أعضاء المقاومة وخصوصا قادتهم هم الأكثر عرضة للتهديد والاغتيال...وتم تصفية العديد منهم داخل فلسطين و"خارجها" بشتى أنواع الاغتيال: الصواريخ، التفجير عن بعد، السم...الخ. والقائمة لا تبدأ بالشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة ولا تنتهي بتيسير البطش قائد شرطة غزة الذي استشهد وهو و "18" شخص من عائلته بالطائرات منذ أيام قلائل

o ما تريده المقاومة أن لا يكون الاعتداء بلا ثمن فيصبح من حق إسرائيل أن تدخل وتقتل المئات بأي حجة ثم تقرر أنه "كفاية كده" فيقول لها الجميع آمين..إلى أن يأتيها مزاج أن تضرب مرة أخرى..وهكذا! ولذلك تردد كثيرا على لسان قادة حماس: "إسرائيل أخذت قرار بدأ هذه الحرب ولكنها لن تكون من يقرر متى ستنتهي"

o طلبات حماس باختصار أن تنص أي مبادرة على الآتي: فك الحصار المستمر منذ 8 سنوات وفتح المعابر وإطلاق سراح السجناء الذين كانت إسرائيل قد أفرجت عنهم في إطار صفقة الإفراج عن العسكري الإسرائيلي المختطف "جلعاد شاليط" ثم أعادت اعتقالهم! )دوتش فيله 16/7) بدون ذلك سيؤدي وقف إطلاق النار إلى ما تصفه الجارديان(15/7):"عودة إسرائيل لطبيعتها وعودة غزة تحت الحصار!" ولذلك تبدو حماس مصممة "على كسب نقاط من الجانب الإسرائيلي" (تقرير فرانس24 15/7)

• ماذا تملك حماس من أوراق في يدها؟

o أولا: الرهان على رغبة السيسي في النجاح: حسبما تقول الجارديان(16/7): "كلما حدث توتر في غزة اعتاد العالم أن يلتفت إلى مصر". رغم الاختلاف الكبير بينهما إلا أن مصر في عهد مبارك وفي عهد مرسي مصر نجحت في لعب دور "صانع السلام" المهم لأمنها القومي ولوزنها الإقليمي. الآن السيسي يعاني الفشل في أول اختبار خارجي له (الجارديان 16/7) وسيكون حريصا على إنجاح مبادرته بأي ثمن (علني أو سري) (وبالمناسبة هنا لا يمكن استبعاد أن غض نظام مبارك الطرف عن الأنفاق كان جزءا من هذا الدور أي جزءا من الاتفاقات السرية بين مصر وحماس...كما أن وجود الأنفاق كان يمثل ورقة ضغط بيد مصر على إسرائيل وحماس في نفس الوقت "بتحكم مصر في تضييق الخناق أو توسعته"...هذه ورقة ضغط أحرقها السيسي تماما)

o لا يجب إغفال الموقف الداخلي في إسرائيل...نتنياهو برر الحرب بأنه سيقضي على قدرة حماس على إطلاق صواريخ تهدد المستوطنات، وبدلا من ذلك أصبح صفارات الإنذار تدوي في معظم المدن الإسرائيلية وشعر الإسرائيليون بتهديد لم يشعروا به منذ سنين طويلة وهذا يعني أنه ما دامت حماس تستطيع إطلاق صواريخ فالحرب لم تحقق هدفها بالنسبة لإسرائيل...ونتنياهو في موقف حرج!

o بالإضافة إلى ذلك فإن المظاهرات التي اجتاحت معظم دول العالم "غير العربي" مناهضة لإسرائيل ومؤيدة لغزة تمثل ضغطا معنويا على إسرائيل لإنهاء الحرب بأسرع وقت.

o  من ناحية أخرى فإن أداء المقاومة المتطور كثيرا عن 2012 وحقيقة أن صواريخها طالت معظم أنحاء إسرائيل –رغم ضعف القوة التدميرية للصاروخ- لكن مجرد القدرة على تطوير صاروخ يصل لهذه المسافات ويخترق القبة الحديدية مؤشر مهم في ميزان القوى, بالإضافة لعمليات نوعية لم تكن موجودة في السابق..كل ذلك يجعل حماس والمقاومة في موقف أكثر من ند لإسرائيل وليس طرفا مستسلما تم سحقه وينتظر من يخلصه..ولذلك لا تجد حماس نفسها مضطرة لقبول مبادرة لا تحقق لها الحد الأدنى من مطالبها!

• ماذا ينتظر أن يحدث؟

o قدمت حماس طلباتها للخارجية المصرية يوم الخميس 17/7 لتعديل المبادرة. حسب تحليلي الشخصي (وهذا الجزء هو الوحيد في المقال المبني على رأي وليس حقيقية) سيكون أمام السيسي أخذ أحد قرارين أحلاهما بالنسبة له مر...إما قبول أجزاء من هذه المطالب وإقناع إسرائيل بها ...وهذا سيئ بالنسبة له لأن هذا سيعد انتصارا لحماس حليف الإخوان المسلمين الذين يعتبرهم السيسي عدوه الأول. وإما التمسك بالمبادرة كما هي وعندها ستظهر مبادرات من دول أخرى (قطر أو تركيا في الأغلب...وكلاهما له علاقات جيدة بحماس وبإسرائيل) وهذا سيعتبر بمثابة هزيمة سياسية للسيسي لصالح دول يعتبرها بشكل أو آخر أيضا تدعم أهم أعدائه "الإخوان المسلمين".

 غالب الظن أن السيسي سيحاول تقديم تنازلات تضمن نجاح المبادرة على ألا تكون هذه التنازلات علنية ليتمكن من تحقيق الهدف الدعائي الذي يريده. وإذا صحت أخبار دعوة القاهرة لخالد مشعل قيادي حماس الأول يوم الخميس 17/7 فإن هذا يعطي دلالات قوية عن تحركات حكومة السيسي. 

وفي نفس الوقت سيستمر الهجوم الإعلامي المكثف على حماس والمقاومة وتحميلهم مسؤولية الدم –وليس إسرائيل-كنوع من الضغط عليهم لقبول المبادرة. إسرائيل تفضل المبادرة المصرية عن أي مبادرة أخرى لأن قبولها مبادرة من دولة أخرى سيكون إحراجا لحليفها الجار القوي ولكن سير العمليات على الأرض سيحدد مدى تلهفها لقبول أي مبادرات أخرى وتقديم تنازلات لصالح الفلسطينيين وإلى ذلك الحين ستستمر في التصعيد على أمل كسر المقاومة وإخضاعهم لشروطها.
التعليقات (1)
متابع من بعيد
الثلاثاء، 22-07-2014 12:23 ص
مقال تحليلي ممتاز وفي انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة