مقالات مختارة

إيران منضبطة.. وإسرائيل مستقرة

غازي العريضي
1300x600
1300x600
كتب غازي العريضي: اكتشف المسؤولون الأميركيون منذ أيام، وبعد دراسة معمـّقة أجراها عدد من الخبراء العسكريين أن القوات العراقية ضعيفة. «فالجيش يعتمد على ميليشيات تدعمها إيران. ونصفه ميؤوس منه»! هذا الجيش الذي أوهمت أميركا مواطنيها والعراقيين والعرب والعالم أنها أعادت بناءه وكلف الشعب العراقي 25 مليار دولار! فجأة انهار، وتبين أنه مجموعة ميليشيات تُدار من الخارج.

وجزء أساسي منه غير قادر بل ميؤوس منه. أين هي الدولة؟ أين القرار العراقي؟ ألم تكن أميركا وأجهزتها تعلم ذلك؟ هل كانت بحاجة إلى دراسة الخبراء اليوم لتعرف الحقيقة بعد أن عكف مسؤولوها على « تقييم وضع الجيش العراقي والقوى الأمنية» بعد سيطرة «داعش» على الموصل وتمدده في أكثر من منطقة؟

ويؤكد الأميركيون أن الجيش والقوى الأمنية غير قادرة على استعادة ما خسروه. هذا يحتاج إلى وقت طويل، ويحتاجون إلى مساعدة، والمساعدة غير متوافرة، لأنه لا بد من حل سياسي، وهو غير ممكن الآن، فهذا الحل يجب أن يشمل كل مكونات الشعب العراقي، لكن المالكي ومن ورائه غير موافقين على ذلك، المسألة أبعد من الحسابات الداخلية الضيقة. إنها إيران وموقعها ودورها وسلاحها النووي وخطها الموصول مع دمشق عبر العراق. وأميركا نفسها عندما احتلت العراق طالبتها دول الجوار بعدم استبعاد مكوّن أساسي فيه أي «السُنة» بعد تنامي شعور أبناء هذه الطائفة بأنهم مستهدفون، وبأن أميركا تسلّم العراق إلى إيران! اليوم أصبحت أميركا تطالب باستيعاب هذا الفريق وبضرورة إشراكه في العملية السياسية !

السياسة الأميركية خبيثة عبثية، لا معايير ثابتة فيها، والثمن يدفعه الآخرون، وأميركا تستفيد وتتكيف مع كل النتائج، وتبتز الجميع، والثابت الوحيد عندها في هذه المنطقة هو إسرائيل ومصالحها وأمنها الاستراتيجي، وهي دولة الإرهاب المنظم بكل ما للكلمة من معنى تمارسه ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وخارج فلسطين تحقق مراكز القرار الأميركي مصالح إسرائيل تماماً مثل ما حصل في السلاح الكيمائي السوري!

وما اكتشف في ليبيا أمر لا يصدّق، خاصة وأنها تعتبر مخزناً للأسلحة هو الأضخم في العالم قياساً على حجم ودور وموقع ليبيا. كل أنواع الأسلحة الثقيلة والنوعية تم الاستيلاء عليها وتوزيعها هنا وهناك في دول عربية وأفريقية، ويتم تدمير ليبيا ومؤسساتها وحاضرها ومستقبلها بما أنفقته الديكتاتورية على التسلّح! بعدما سلّمت هذه الديكتاتورية سابقاً سلاحها النووي كاملاً للأميركيين! وإلى جانب ليبيا والعراق، ها هو اليمن مشتعل، وقسّم إلى أقاليم أو محافظات.

وفلسطين تذبح، وإسرائيل تستبيح كل شيء، والغرب يؤيدها ويدعم ممارساتها لأنها «تدافع عن نفسها» والعرب غائبون لأن «حماس» في الواجهة. والقضية هي قضية الشعب الفلسطيني، وليست قضية «حماس»، وهذا ليس دفاعاً عنها، بل أبعد. هي قضية كل العرب والمسلمين، وسوريا تدمّر، والسودان قسّم، والحديث عن التقسيم في كل مكان. واستعراض الخرائط الجديدة لتعديل الحدود في رسم المحافظات في داخل الدول، ولتأكيد التداخل بين بعضها يقدّم يومياً.

والفتنة والفوضى في كل مكان، والمبرّر الدائم عندنا: إنها المؤامرة! لا، ليس كل ما يجري عندنا مؤامرة. وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كان عقلنا العربي يحدّد الأمور ويدرك فعلاً أن ثمة مؤامرة فالسؤال هو : ماذا فعلنا من إجراءات وقائية لتفاديها، وتجنّب حدوثها؟ وماذا فعلنا لعدم الوقوع فيها؟ وإذا وقعنا في مكان، ماذا فعلنا للتصدي لها، ومنع تمدّدها إلى مكان آخر؟

لقد أثبتنا عجزنا في هذا المجال، وهروبنا إلى الأمام. أمة ينزح أبناؤها في الداخل حتى بات لديها النسبة الأكبر من النازحين في العالم.

وأمة فيها أعلى نسبة من الأمية، وأعلى نسبة من البطالة، وأعلى نسبة من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، وأعلى نسبة من الإنفاق على التسلّح، وأعلى نسبة من الحاجة إلى المياه، وهي الأمة الأغنى بشرياً ومالياً ومائياً، والأكثر قدرة على الإنتاج والخلق والإبداع! أمة فيها الأراضي المقدسة التي انطلقت منها الرسالات السماوية، تعيش فتناً وحروباً باسم الدين والله تستند إلى ما ورد في الرسالات بتفسيرات مختلفة من جماعات وأمراء، وتحت عناوين الجهاد، ويتم الخراب والدمار وتقدّم أبشع الصور عن الإيمان، في ممارسات القتل وتصفية الحساب مع الناس وبين بعضهم البعض، بأبشع الوسائل والأساليب، والدين والرسالات من كل ذلك براء، وفي الأمة طاقات وخامات وقامات فكرية وعلمية وأدبية واجتماعية ما ساهم في تطور الإنسانية!

هي مرحلة من مراحل السقوط، لكنها خطيرة جداً. ولا تلقى الأسباب على الآخرين بل علينا نحن بالدرجة الأولى. لاسيما وأن الآخرين عندما يلجأون إلى استدراجنا أو إسقاطنا أو الإيقاع بنا، أو الإيقاع بيننا، يفكرون في مصلحتهم ومستقبلهم. أما نحن فقد استقلنا من التفكير، مشكلتنا في عقلنا. في إرادتنا . في إدارتنا. في سوء تقديرنا وسوء تدبيرنا.

منذ أيام نقل لي صديق عائد من واشنطن معلومات عن اللقاءات الإسرائيلية – الأميركية والاجتماعات الأميركية – الأميركية في الدوائر المختلفة والنقاشات التي دارت حول الوضع في منطقتنا بعد التطورات العراقية والعدوان الإسرائيلي على غزة قال : «إن الأميركيين أبلغوني أن شيمون بيريز أكد أمامنا أن العراق لن يستمر كدولة موحدة من دون تدخل عسكري ضخم. والأكراد أقاموا حكومة أمر واقع مستقلة بهم بمساندة تركية». وأن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان قال لنا: «العراق ينهار أمام أعيننا. وإقامة الدولة الكردية صفقة منتهية».

وأضاف: «لقد أبدوا ارتياحهم إلى ما يجري في سوريا. وتحدثوا عن توترات متصاعدة على الحدود السعودية اليمنية، والسعودية العراقية، وفي الداخل السعودي، وعن عدم استقرار في البحرين، وفي مصر، وعن كارثة في ليبيا، وعن الفرز الحاصل في اليمن، واحتمالات الفرز في أفغانستان بعد الخلاف على نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واحتمالات الفرز في عدد من الجمهوريات الروسية، وتنامي الحركة ضد المهاجرين في أوروبا، ودور إيران في النووي وفي اللعبة الكبرى في عدد من الدول. وفي كل شرح كانت الكلمة الأبرز : الإرهاب الذي نبّهنا إليه منذ سنوات طويلة ولم تكترثوا وها هو يهددكم جميعاً. نحن في إسرائيل نريد كل الضمانات لأمننا ولن نقبل المساومات»!

وأضاف الصديق : قال الأميركيون : « ناقشنا في ما بيننا كل الأوضاع . المشكلة الكبرى ليس لدينا شريك عربي ! لا نتلقى فكرة من أي عربي . جلّ ما يطرح ردات فعل على مواقف وانتقادات قاسية توجه إلينا. انطلاقاً من حسابات خاصة بكل حاكم أو حكم هنا أو هناك . إنها المرة الأولى التي نواجه فيها حالاً كهذه في منطقتكم. أما إيران، فهي المبادرة المتحركة اللاعبة والمتلاعبة المتابعة، وإذا تحدثنا إليها قامت قيامة بعض العرب الفاعلين علينا دون أن يقدموا شيئاً. وتركيا، تقوم بدور ولو بمستوى آخر يواكب الدور الإيراني لكنها على خلاف مع معظم العرب، نحن انفتحنا على الإسلاميين، وبالتحديد على «الإخوان المسلمين»، لأن ليس ثمة بديل.

نتحدث إلى إيران لأنها قادرة أيضاً على التعاطي مع المسلمين الآخرين . ويجب أن تعلموا أنها تفتح قنوات اتصال مع «الإخوان» وغيرهم في كل الدول الإسلامية. ونحن نتحاور مع إيران حول ملفها النووي ليس لإطلاق يدها بالعكس، بل لوضع حد لها وللتفاهم معها لاحقاً على أمور المنطقة». وعن إسرائيل قال الأميركيون كما نقل صديقنا: « لابدّ من حل يضمن أمنها واستقرارها، لكن في الطرف الفلسطيني ليس ثمة شريك فاعل وقادر لتحقيق التسوية مع ملاحظاتنا على الأداء الإسرائيلي . وفي وجه إيران ليس ثمة عرب يكونون حاضرين وشركاء معنا ..نحن باختصار نريد أن تكون إيران منضبطة واسرائيل مستقرة».

هل يكفي هذا الكلام لمعرفة اتجاه الريح في المنطقة إذا أردنا أن نقرأ؟

ـ ـ ـ ـ ـ
غازي العريضي: وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني السابق
(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية 26 تموز/ يوليو 2014)
التعليقات (0)