ملفات وتقارير

نداء تونس.. صناعة "سبساوية" لمناهضة حكم الإسلاميين

رئيس ومؤسس حزب "نداء تونس"، الباجي قائد السبسي - الأناضول
رئيس ومؤسس حزب "نداء تونس"، الباجي قائد السبسي - الأناضول
بعد أن ترشحت على كافة الدوائر الانتخابية الـ 33 في الانتخابات التشريعية لـ"مجلس نواب الشعب"،  تصدرت حركة "نداء تونس" نتائج هذه الانتخابات لتصبح القوة السياسية الأولى التي ينتظر أن تكلف بتشكيل الحكومة المقبلة، متقدمة على حركة "النهضة" التي تصدرت المشهد بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في سنة 2011.

وتأسست حركة "نداء تونس" في حزيران/ يونيو 2012 على يد ابن قرية سيدي بوسعيد، بالضاحية الشمالية للعاصمة تونس، الباجي قائد السبسي، المحامي والسياسي المخضرم الذي سيكمل عامه الـ88 الشهر المقبل.

وشغل السبسي مناصب وزير الخارجية والدفاع والداخلية على فترات مختلفة في عهد الرئيس الأسبق الراحل، الحبيب بورقيبة، كما تقلد منصب رئيس البرلمان في عهد الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، إضافة إلى توليه مناصب في السلك الدبلوماسي في العهد نفسه. وكلف بعد "ثورة 2011" التي أطاحت بحكم بن علي برئاسة الحكومة موقتا حتى كانون الأول/ ديسمبر 2011.

وتضم حركة "نداء تونس" أربعة تيارات سياسية فكرية هي "الدستوريون (منتسبو نظام بن علي ويشكلون المكون الأساسي للحزب) وقسم من اليسارييين، والنقابيون (قيادات وكوادر حالية وسابقة بالاتحاد الوطني للشغل) ومستقلون.  

ويجمع بين هؤلاء جميعا خيط مشترك واحد هو "رفض التيار الإسلامي، وبشكل خاص حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، حيث تتفق قناعاتهم على أن تونس الحديثة لا يجب أن يحكمها التيار الإسلامي".

وحين أصدر السبسي في 26 كانون الثاني/ يناير 2012 بيانا انتقد فيه بشدة حكومة "الترويكا" في ذلك الوقت بقيادة حركة النهضة، فقد التفت حوله سريعا التيارات الأربعة السابق ذكرها، ومن هنا بدأت تتبلور فكرة جمع كل هذه التوجهات في حزب واحد يدعو للحكم الليبرالي الحداثي، ويناهض حكم الإسلاميين.  

ولذلك يعتبر عديد من المتابعين أن هذا البيان كان بمثابة "البيان التأسيسي" لحزب نداء تونس، حيث تأسس بعده في 16 حزيران/ يونيو من العام نفسه.

ومنذ الوهلة الأولى لتأسيسه، وجهت انتقادات عديدة لنداء تونس بأنه حزب المنظومة القديمة (حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد بن علي والذي تم حله بعد الثورة)، غير أن قيادات الحزب كانت دوما تنفي ذلك، وتوضح في الوقت نفسه أنها تتمسك بـ"الإرث البورقيبي" الذي يجسده "الحزب الدستوري" الذي أسسه بورقيبة، وليس حزب التجمع الدستوري الديمقراطي في عهد بن علي (الكيان نفسه الذي غير اسمه بن علي). واتخذ الحزب من استراتيجية التمسك بالإرث والفكر البورقيبي وبرمزيته التاريخية وسيلة لكسب الود الشعبي.

وبخبرته السياسية الطويلة، كان السبسي حريصا في مواجهة هذه الانتقادات، ولحشد أكبر قدر من الأنصار من مختلف الاتجاهات، على تجنب تقلد "الدستوريين" المناصب القيادية في الحزب، فعلى سبيل المثال تولى القيادي النقابي المعروف الطيب بكوش، منصب الأمين العام للحزب (الرجل الثاني في نداء تونس) وعلى الصعيد الإعلامي، تصدرت قيادات غير دستورية هذا المجال، وعلى رأسها محسن مرزوق، القيادي اليساري،  حيث يظل أحد الممثلين الرئيسيين لنداء تونس في وسائل الإعلام واللقاءات الجماهيرية.

وفي إطار الهدف نفسه، يفسر محللون عدم إجراء الحزب حتى الآن وبعد أكثر من عامين على تأسيسه أي مؤتمر عام له أو أي انتخابات داخلية مركزية بالسعي للمحافظة على وحدة الحزب، حيث أنهم يرون أن السبسي يريد أيضا خاصة في مرحلة الانتخابات التشريعية والرئاسية تجنب إمكانية أن تثير هذه الانتخابات انقسامات داخلية.

وسمح هذا التكتيك "السبساوي" بصمود الحزب أمام جملة من الخلافات الداخلية التي شهدها مؤخرا على خلفية اختيار قوائمه المرشحة للانتخابات التشريعية، حيث استقالت بعض الكوادر الجهوية احتجاجا على اختيار بعض الأسماء لتصدر القوائم الانتخابية، كما اتخذت قيادة الحزب في السياق نفسه قرارات بتجميد عضوية قيادات واستبعاد اخرى.  

وواجه نداء تونس أيضا انقسامات على خلفية تعيين نجل السبسي، حافظ قايد السبسي، مسؤولا عن الهيكلة داخل الحزب، حيث ووجه هذا القرار برفض واسع، خاصة من قبل ما يعرف بالتيار اليساري داخل نداء تونس. وإجمالا، لم تؤثر هذه الخلافات على أداء وشعبية الحزب في الانتخابات التشريعية. 

وإدا كان السبسي حريصا على ألا يحتكر "الدستوريون" المناصب القيادية داخل الحزب حفاظا على صورته كـ"جامع لكل التونسيين"، فإن تحليلات عديدة تذهب إلى أن هؤلاء قاموا بدور رئيسي وعلى أكثر من مستوى ساهم بشكل قوي في تصدر الحزب نتائج الانتخابات التشريعية.

فمن جهة، اعتمد "نداء تونس" على ما يمكن أن يطلق عليه "خلايا تنظيمية" سابقة للتيار الدستوري بالمحافظات، لديها خبرة حشد الأنصار وتعبئتهم، كما ترددت معلومات قوية عن "تحالف سري" غير معلن بين "نداء تونس" وأحزاب دستورية أخرى وجه معظم الأصوات الانتخابية لهذه الأخيرة لصالح "نداء تونس" في أطار ما عرف باسم "التصويت المجدي".

وعلى الرغم من تصدر الحزب نتائج الانتخابات، فإنه سيجد نفسه مضطرا للدخول في تحالفات مع كتل برلمانية أخرى لتشكيل حكومة ذات أغلبية برلمانية.

وبعيد الانتخابات صرح السبسي، أنه "لا عداء لنداء تونس مع أي حزب سياسي" وأنه لن يحكم بمفرده، باعتبار أن المصلحة الوطنية تقتضي "التوافق العريض".

أما عن إمكانية تحالفه مع النهضة، فقد رد بإجابة تعني أنه لا يفضل التحالف مع النهضة، ولا يستبعده تماما في الوقت نفسه، حين قال: "النهضة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان إلا بإذن الله.. فإن التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله".

ولم يتوقف طموح "نداء تونس" عند الانتخابات التشريعية، فقد ترشح السبسي قبلها للانتخابات الرئاسية، المقررة في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في الوقت الذي لم يدفع خصمه السياسي الرئيس، النهضة، بمرشح له حرصا على "التوافق وعدم احتكار الحكم". 

وإذا كان التحالف غير المعلن مع "الدستوريين" مثّل عنوانا رئيسيا للانتخابات التشريعية، فإن السبسي سيواجه في الرئاسيات خصوما من هذا التيار ترشحوا بالفعل، مثل كمال مرجان ومصطفى كمال النابلي.

ورغم نشوة الانتصار داخل نداء تونس بالإنجاز البرلماني، والحديث عن فوز مضمون للسبسي في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ليجمع بين الحكومة والرئاسة، إلا أن حسابات التوازنات وعوامل أخرى قد تدفع الأمور في الأيام القليلة باتجاهات أخرى ربما تكون معاكسة.

ويبقى حزب نداء تونس مرتبطا في كل محطاته بشخص قائده المخضرم، السبسي، بدءا من تأسيسه وجمعه لأطياف سياسية عديدة في كيان سياسي واحد، مرورا بإدارته لمعركة الانتخابات التشريعية وتصدره الساحة السياسية، ووصولا إلى محطة الانتخابات الرئاسية المقبلة التي لم يمنعه كبر سنه من خوض معتركها أيضا. ليصبح الحزب "صناعة سبساوية" و"إنجازا سبساوي".
التعليقات (0)

خبر عاجل