قضايا وآراء

أمريكا وإيران والحب في زمن البغدادي

محمد الأحمر
1300x600
1300x600
إن القارئ والمتابع لتاريخ العلاقات الأمريكية الإيرانية خلال أربعين عاما الماضية لا يخفى عليه ذلك التحالف الخفي الذي يربط مصلحة البلدين بمنطقة الشرق الأوسط، فعلى رغم الشعارات المعادية للولايات المتحدة الأمريكية في الخطاب السياسي والرسمي الإيراني، إلا أن الغزل المتبادل بين الدولتين لم يتوقف طوال السنوات الماضية.

سقوط الشاه والثورة الإسلامية

لا يستطيع أحد أن ينكر الدور الاستخباراتي الأمريكي في نجاح ثورة الخميني عام 1979 من حيث الحرب الدعائية التي شنت ضد الشاه، والتنسيق مع بعض العناصر في المؤسسة العسكرية أنذاك للإطاحة بالشاه، وتمهيد الطريق أمام الخميني، للوصول لسدة الحكم، على الرغم من الأزمات التي قامت في تلك الفترة، كاحتجاز رهائن أميركيين في السفارة الأمريكية بطهران على يد طلاب إسلاميين تأييدا لثورة الخميني، وما تبعها من توقيع اتفاق الجزائر، الذي أطلق سراح الرهائن بموجبه، حيث كانت هذه الأزمة سببا في هزيمة الرئيس كارتر ووصول خلفه الرئيس ريجان للبيت الأبيض.

الحرب العراقية الإيرانية

اتبعت الولايات المتحدة سياسة إضعاف أبرز قوتين في المنطقة في ذلك الوقت، وهما العراق وإيران، فعملت على دعم النظام البعثي في العراق، متذرعة بخطر امتداد الثورة الإسلامية إلى دول الجوار، وفي الوقت ذاته كانت تمد إيران بالسلاح والعتاد بما عرف بفضيحة (إيران كونترا) والتي أثرت أيضا على صورة الرئيس ريجان في الأوساط السياسية الأمريكية.

خاتمي وبدء الربيع الأمريكي الإيراني

تعد مرحلة حكم الرئيس محمد خاتمي الإصلاحي هي فترة ظهور العلاقة الخفية إلى العلن، فبعد وصول خاتمي للرئاسة عبر انتخابات حرة، وبنسبة 70 بالمئة، وخطابه المعتدل تجاه الدولة التي طالما وصفت من قبل السياسة الإيرانية بالشيطان الأكبر، خاصة بعد دعوة الأخير إلى قيام حوار حضاري بين الشعبين، وظهور أصوات من داخل مراكز القرار الأمريكية تدعو إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وإيقاف العمل بقانون داماتو، الذي ينص على فرض عقوبات على الشركات التي تتعامل مع النظام الإيراني، الشيء الذي أضر بمصالح رجال الأعمال خلال فترة القطيعة.

جورج بوش الابن والحرب على الإرهاب

جاء وصول بوش الابن اليميني المحافظ للبيت الأبيض ليؤسس لمرحلة جديدة في السياسة الأمريكية في المنطقة، تعتمد على التدخل المباشر، وشن الضربات الاستباقية التي تضمن أمن الولايات المتحدة، فبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وإعلان الحرب الشاملة على الإرهاب من قبل الولايات المتحدة، والحديث صراحة عن وجود معسكرين لا ثالث لهما، إما مع أو ضد الإرهاب، جاء هنا الرد الإيراني السريع بإدانته لأحداث نيويورك، وحصل التنسيق الأمريكي مع إيران في بداية الحرب على أفغانستان، كونها كانت تمسك بكثير من خيوط هذا الملف، ولو أن هذا التنسيق لم يكن بشكل مباشر، بل عبر الوسيط البريطاني، أكبر شركاء أمريكا في حربها على الإرهاب، إلا أن إيران قدمت كثيرا من الخدمات الاستخباراتية واللوجستية للقوات الأمريكية المتواجدة في أفغانستان ، اتسعت الحرب لتصل إلى العراق ضد نظام صدام حسين العدو الأزلي للنظام الإيراني، والذي سنحت له فرصة ذهبية لمشاركة الولايات المتحدة في الإطاحة بالنظام الذي طالما قض مضاجعه وهكذا كان.

الرئيس أوباما وموسم حصاد الجوائز

بدأ الرئيس أوباما فترته الرئاسية بوعود، كان أبرزها سحب قواته التي تعرضت لكثير من الخسائر من العراق، وإعادتهم إلى أرض الوطن، بعد إنهاء مهمتهم في إعادة الأمن والإستقرار، وتسليم مقاليد السلطة هناك للعراقيين، لإدارة أمورهم بأنفسهم، أما عن أي عراقيين نتحدث، فهم العراقيون المدعومون من إيران، التي عملت خلال فترة الاحتلال الأمريكي على دعمهم ماليا وعسكريا، وتشكيل المئات من المليشيات ذات الطابع الطائفي، التي يعود ولاؤها  لمرشد الثورة الإيرانية، ومن المؤكد أن هذا كله تم برضى وقبول أمريكي، كمكافأة عن سنوات التعاون الطويلة في المنطقة، تقاسم خلالها الطرفان كثيرا من المكاسب والثروات، أما الجائزة الكبرى بالنسبة للنظام الإيراني، فكانت تتمثل بغض النظر الأمريكي تجاه التدخلات الإيرانية بثورات الربيع العربي، لا بل والسماح لها أحيانا بدعم الثورات المضادة الهادفة إلى إحباط أي محاولة تغيير في المنطقة، كما نستطيع أن نلمس ذلك وبشكل واضح في سوريا واليمن.

يجب التعامل مع إيران كدولة لديها طموح إمبراطوري، لن تتخلى عنه بسهولة؛ لذلك فهي تسعى لامتلاك أوراق ضغط في المنطقة، تظهرها وقت الحاجة، حتى أنها تحولت مؤخرا لوكيل عن الولايات المتحدة في تنفيذ بعض المهام، كونها شريكا يعتمد عليه، ويملك من مقومات القوة والمعرفة بشؤون المنطقة أكثر مما تمتلك الولايات المتحدة نفسها، فها هي اليوم تقاتل في العراق تنظيم الدولة الإسلامية، فيما تستعد الولايات المتحدة لإرسال ما يزيد عن ألف جندي أمريكي لمساعدة القوات العراقية، لوقف تمدد تنظيم الدولة، فهل سنشاهد قوات المارينز تقاتل جنبا إلى جنب، وفي خندق واحد مع قوات الحرس الثوري الإيراني تحت راية مكافحة الإرهاب هذه المرة؟
التعليقات (0)