قضايا وآراء

الانقسامات الجغرافية تهدد حزب صالح في اليمن

أحمد شبح
1300x600
1300x600
حسم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، معركته الحزبية مع خلفه الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، انتهت المعركة حول رئاسة وتولي حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي ينتمي إليه هادي وصالح، وهي المعركة الممتدة منذ تولي هادي السلطة منذ توقيع صالح على المبادرة الخليجية (23 نوفمبر 2011)، التي قضت بإزاحة الأخير وعائلته من الحكم بعد ثورة شعبية اندلعت في فبراير من العام ذاته.

يرأس صالح حزب المؤتمر الشعبي العام منذ تأسس في (24 أغسطس 1982م)، كان المؤتمر هو الحزب الحاكم خلال 33 عاماً؛ ولا يزال يمسك بمفاصل السلطة؛ إذ نجا الحزب من تسونامي الربيع العربي بفضل التسوية السياسية التي قضت بتولي النائب الأول لرئيسه الحكم ومشاركة الحزب وحلفاؤه في حكومة الوفاق الوطني (12 ديسمبر 2011- 7 نوفمبر2014م) بالمناصفة مع تكتل أحزاب اللقاء المشترك وشركاه من قوى الثورة ومناصريها.

لكن الحزب تعرض لصدمات عنيفة بعد استقالة أبرز قياداته وقواعده وانضمامها لثورة فبراير.

شغل عبد ربه منصور هادي -مواليد 1 سبتمبر 46م محافظة أبين الجنوبية- منصب نائب رئيس الجمهورية منذ أكتوبر 95م. وفي مؤتمره العام المنعقد بمدينة عدن (17 ديسمبر 2005) انتخب حزب المؤتمر هادي كنائب أول لرئيس الحزب، قبل أن تنتخبه اللجنة الدائمة أميناً عاماً للحزب (2009)، خلفاً لرئيس الحكومة السابق الدكتور عبد القادر باجمال، ليشغل هادي المنصبين الحزبيين.

تمنح أنظمة ولوائح الحزب الأمين العام صلاحيات مالية وإدارية واسعة أتاحت لهادي التحكم ببعض قرارات الحزب وأمواله.

اللافت أن النظام الداخلي للحزب ينص في إحدى مواده أن "رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر"، لكن محاولات هادي في تنحية صالح لم تنجح مع تشبث الأخير بالمنصب باعتباره الملاذ الوحيد لاستمراره في العمل السياسي، لتبقى الازدواجية بين (الرئيس ورئيسه) قائمة.

تصاعد الصراع بين الرجلين، وحين أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بفرض عقوبات على صالح ومعه قياديين في جماعة الحوثي، نجح هادي في تحريك ورقة الحزب ودفع اللجنة العامة للحزب (المكتب السياسي) لدعوة اللجنة الدائمة الرئيسية (ثاني أعلى هيئة تنظيمية) للاجتماع رغم أنه فشل في عقدها في 2012.

اتخذت اللجنة الدائمة للحزب في اجتماعها الاستثنائي برئاسة صالح (السبت 8 نوفمبر 2014) قرارات قضت بإبعاد هادي من منصب النائب الأول وتعيين الدكتور أحمد بن دغر، وهو الأمين العام المساعد في الحزب، بدلاً عنه، وتعيين الأمين العام المساعد السابق عارف الزوكا، بدلاً عن هادي في منصب الأمين العام. تم استبدال هادي بقياديين جنوبيين، بن دغر من حضرموت والزوكا من شبوة.

قرارات الحزب أبعدت السياسي المخضرم الموصوف بأنه العقل المدبر ومهندس كثير من قرارات الحزب والاتفاقات السياسية الدكتور عبد الكريم الإرياني، من منصب النائب الثاني لرئيس الحزب واستبداله بالأمين العام المساعد السابق صادق أمين أبو راس، وهو من أبناء محافظة إب الشمالية مسقط رأس الإرياني. بهذه القرارات لم يعد الحزب برأسين، لكن التشطير والانقسام يتهدد جسده.

التمنطق الجغرافي

قرار إبعاد هادي أحيا النزعات الجغرافية داخل الحزب، لقيادي المؤتمر عضو اللجنة العامة المهندس أحمد الميسري، برفضه القاطع للقرار، واعتبر أنه انقلاب على الإجماع الحزبي وأنه اتخذ بدوافع تشطيرية لها عواقب ستؤدي إلى تفكك الحزب.

الميسري وهو من أبناء محافظة هادي ومحافظ سابق لها، كان أحد الأصوات المرتفعة المعارضة لعلي صالح، فقال إن القرار استهداف شخصي لهادي وسعي لعرقلة التسوية.

حديث الميسري عن دوافع تشطيرية تتسق مع ثقافة متنامية لدى الجنوبيين بأن هادي يستهدف لكونه جنوبياً، وأول رئيس جنوبي، وتشير إلى حضور الجغرافيا في القرار وفي تعيين جنوبيين.

سارع صالح إلى محاولة احتواء الموقف، وعقد لقاء مع أعضاء دائمة الحزب في أبين. قال الحزب على موقعه الإلكتروني: إنهم أعلنوا تأييدهم لتلك القرارات، لكن رد قيادة الحزب في المحافظة جاء سريعاً، إذ أعلن 10 من قيادات الحزب في بيان لهم رفضها للقرارات، التي قالت: إنها باطلة ومخالفة لنصوص ومواد النظام الداخلي للحزب ولا تخدم وحدته. ووصفتها بالخروقات الفادحة، مطالبة بالتراجع عنها.
مؤتمر أبين دعا فروعه في المديريات لاتخاذ موقف، وقال إنه سيبقى في حالة انعقاد دائم.

فروع وقيادات الحزب في المحافظات الجنوبية تحضر لعقد اجتماع موسع لاتخاذ موقف بهذا الشأن، قد يصل حد إعلان الانفصال عن قيادة الحزب.

ليست هي المرة الأولى التي يعارض مؤتمر الجنوب قرارات الحزب، استمرار زرع العراقيل أمام هادي غذى مشاعر الجنوبيين باستهداف ممنهج وسعي للإطاحة بهم من الحكم، وشجع تمنطقهم بالجغرافيا والعصبية.

حين تصاعد صراع هادي وصالح ودعوة الأول لاصطفاف شعبي ووطني لحماية العملية السياسية، أعلنت قيادة الحزب التي ينظر لها بأنها شمالية رفضها الدعوات الرئاسية، الأمر الذي دفع بفرع الحزب بمحافظة وجامعة عدن إعلان فك الارتباط بصالح وتأكيد الوقوف مع هادي. مشيراً إلى أن قرارات قيادة الحزب لا تعنيهم.

دحابشة الجنوب

من بين الأوراق التي يستخدمها صالح ضد هادي ورقة ما يعرف بـ"دحابشة الجنوب" الذي يطلق على القيادات الجنوبية التي فرت إلى صنعاء إبان أحداث يناير 86م الدموية، التي حدثت بين قطبي الصراع في الحزب الاشتراكي اليمني (الزمرة، الطغمة). وقد كان هادي أحد تلك القيادات التي قادت وشاركت في حرب صيف 94م ضد نظام الطغمة بزعامة علي سالم البيض الذي أعلن الانفصال.

الجغرافيا كانت حاضرة في قرارات إبعاد هادي واستبداله بشخصيات جنوبية من "دحابشة الجنوب". وسبق وهدد صالح بإزاحة هادي من منصب الأمين العام وتعيين رئيس الحكومة الأسبق علي محمد مجور بدلاً عنه، وتداولت وسائل إعلام تابعة وموالية لصالح نية الحزب ترشيح مجور في الانتخابات الرئاسية، التي كان يفترض أن تجري في فبراير2014م. مجور هو من أبناء شبوة الجنوبية. وهو عضو اللجنة العامة للحزب.

حاول هادي إزاحة مجور من طريقه باعتباره أقوى المرشحين، وأصدر (الأربعاء 29 أغسطس 2012) قراراً بتعيين الأخير، سفيراً ومندوباً دائماً لليمن لدى المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف. لكن صالح نجح يومها في إعادة الرجل واستخدامه كواحدة من أوراقه.

مؤتمر شمال الشمال

في شمال الشمال، انخرطت قيادات وأنصار المؤتمر الشعبي في صفوف جماعة الحوثي، وسهلت للجماعة السيطرة المسلحة على المناطق والمحافظات.

تعد تلك المناطق الزيدية هي الحاضنة الاجتماعية لعلي صالح الذي لا يزال يحتفظ بولائها، ولم ينجح هادي بحكم منصبه وموقعه الحزبي وصلاحياته المالية في شراء ولاء المشايخ والقيادات التي أظهرت بعضها الولاء له، لكنها سرعان ما تراجعت أو صمتت في لحظات حاجته لصوتها.

تعتبر قيادات وأنصار الحزب في الجنوب أن قرار الحزب بصنعاء للشماليين أو لشمال الشمال بالأصح. وأن مؤتمرو تلك المناطق ساندت سيطرة الحوثي على العاصمة في 21 سبتمبر الماضي وتمدده لمحافظات أخرى.

أغلب سكان تلك المناطق هم من القبائل المسلحة غير المتعلمة التي تقودها مصالحها الذاتية، وتتحكم بها النزعات المناطقية التي استثمرها صالح لإبقائها في قبضته. ينحدر صالح من الطبقة القبلية وهو من أبناء منطقة سنحان محافظة صنعاء. ويتهم بالتحالف مع الحوثي وتتقاطع مصالحهما في إسقاط السلطة القائمة وعرقلة عملية التسوية.

حيرة مؤتمر الوسط

في المحافظات الوسطى، لا يبدو وضع الحزب أحسن، من بين قياداته من لا يزال مع صالح لكن تلك القيادات تميل بطبعها إلى العمل المدني السياسي، ولا تقر العنف واستخدام السلاح، وتجد مصلحتها مع صالح أو لم يمد لها هادي يده.

فصيل آخر يقف إلى صف هادي وفي صف التيار الوطني الرافض لانهيار العملية السياسية.وثالث اكتوى بنار العنف ويرى بأن (صالح) يساند الحوثي في حروب الأخير على تلك المناطق. وفصيل يقف على الحياد، وآخر يعتبر أن لا مصلحة مع شمال يؤمن بالقوة وسيلةً للحكم، وجنوب تتسع مطالبه بالانفصال.
التعليقات (0)