قضايا وآراء

دولة معالي الباشا

علي شكر
1300x600
1300x600
عيش في مجتمع قاتل للفكر، عاشق للروتين، مقدس للوسطة والرشوة والمحسوبية، محيطنا يقبع في فكر العواجيز يئد الشباب، يذبح نضارتهم، يساومهم على الحياة أو البعد عن أمانيهم..

يعلم التلاميذ في المدارس: من جد وجد ومن زرع حصد، لكنه مجرد كلام نظري؛ لأنك حينما تنتهي من مرحلة التعلم، ستكتشف كذب المتجملين أمام عدسات المصورين، المنمقين في لباسهم أثناء  مؤتمراتهم المتضخمة بالاعلام و الصحافة، إنهم يسارعون الهواء حينما تحدث مصيبة؛ ليكونوا أول من حضروا لإثبات حرصهم الشديد على الوطن، وهم من ذلك براء، فالمسؤول محاط بهالة اعلامية، تطبل له وترقص، تصوره على أنه إله المطر، منقذ البشرية من جفاء الفكر، هو  منبع المعرفة، وحلال العقد، جالب الأفكار التي بدونها يعجز البشر عن الحياة، هو هبة الله في الأرض، الجوهرة المكنونة المنزه عن الخطأ.. هكذا يصل الحاشية والبطانة السوء بأي مسؤول في وطننا العزيز  إلى هذه الدائرة من التفكير.

في بلادنا، الفقير لايستطيع العيش بكرامة؛ لأن الأغنياء و الأكابر اشتروا الدنيا، وسخّروا من دونهم لخدمتهم، ولذلك نعيش في مرحلة نفوق الحلم وانتحار الأمل عند الشاب، حينما يخرج لنا عضو بارز في سلك القضاء، ويقول ابن المستشار، بالطبع لابد أن يكون مستشارا؛ لأنه سيرثه في عدله وحكمته وحنكته في نظر القضايا، والبت فيها، وابن الفلاح لابد أن يكون فلاحاً، حتى يرث فأسه ومنجله، فمن سيزرع القمح الذي سيتحول الي بيتي بان و عيش توست، الذي سيأكله أولاد الباشوات و أحفاد الذوات، ومن أبوه زبال كناس بالطبع، فجلباب أبيه ينتظره، فهذا توبه خلق من أجله، فكان حتماً مقضياً أن يمكث فيه طوال العمر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بفقرائها  وباشواتها.

نعيش في عصر التعاسة، نفتقد الحياة، يموت بداخلنا الدافع نحو الاستمتاع بالدنيا، نهمل الأخرة، مع العلم انهم يروجون أننا مجتمع متدين بطبعه، نهمل إقامة الشعائر، ونغفل عن تعاليم الاسلام، حتى صرنا مسلمين بلا اسلام، مقدسين للفكر النظري القائم على علم الكلام، ومسح الجوخ، وتضليل الرأي العام، وأهملنا الجانب العملي القائم على التطبيق والعمل الجاد، حتى أن القاعدة صارت على نهج "كلما تكلمت أكثر كلما كنت أكثر ثراء و شهرة"، فالكلام صنع نجوم يسعى الناس إليهم، ويلهث الجهلة لالتقاط صورة تذكارية معهم،  يزينون بها حوائط حسابتهم الفسبوكية، ويتفاخرون بها أمام أصحابهم.

نعيش في عصر المناداة بالسقوط، منذ سقوط نظام مبارك وحتى الآن، أصبحت جملة يسقط حكم (العسكر – الاخوان- مرسي - المرشد-  منصور -السيسي)، فلا أحد ينادي بالبناء، البلد في حالة هياج مستمر، فقامت حالات من السعار الفكري ضد الحكام، حتى أصبحنا نصحو على صوت انفجار وننام على واقع موت، ومقتل العديد من أبناء الوطن، يتساقط الدم، حتى أصبحنا نعيش في كابوس مقيت، خذلنا أنفسنا و اعتمدنا على غيرنا في تغير ما بداخلنا، ولكن هيهات أن يغير الله مابقوم حتى يغيروا هم ما بأنفسهم.

الوطن ينزف، لديه جرح غائر، يحتاج جراحا ماهرا لإنقاذه، فلابد أن تسكت ألسنة دعاة السقوط وتحيا أيدي البناء، لابد أن نبني المواطن، ومنه سيبنى الوطن، وأن يكف من يكنزون المال، حتى باتت كروشهم متخمة، ويعانون من السمنة،  ويتركون المعدومين يقتاتوت رزقهم في سلام ،بدلاً من أن يتحول المعدمون إلى ذئاب بشرية، تقضي على الأخضر و اليابس، وحتى لا نعيش في  فيلم رعب طويل يفزع منامنا ويخلق بيئات جديدة من تربة خصبة منبتها الدماء المسالة من نزيف المصريين.
التعليقات (0)