كتاب عربي 21

فيروس الاحتلال!

آيات عـرابي
1300x600
1300x600
في عشرات من قصص الخيال العلمي، ترحل سفينة الفضاء التي تقل المخلوقات الفضائية عن الأرض وقبل أن ترحل تزرع فيروساً للسيطرة العقلية في جسد أحد السكان لتظل مسيطرة على الأرض من خلال تحكمها به، وهذا هو لب الخدعة التي يعيشها العالم العربي منذ ما سُمي بالتحرر الوطني، فالاحتلال قبل أن يرحل بقواته حرص على ترك فيروساته وفضلاته في بلادنا.

 كانت أكبر خدعة تعرضت لها الشعوب في وقت كانت وسائل الإعلام فيه قاصرة على الراديو هي سلسلة الانقلابات العسكرية التي دربتها السي آي إيه، وكانت وقتها جهازاً ناشئاً يقوده مجموعة من المغامرين، بعد أن خرجت الولايات المتحدة منتصرة من الحرب العالمية الثانية، وكانت تسعى لطرد بريطانيا العجوز من مصر لتحل محلها. وكان هذا أيضاً عاملاً آخر لتنطلي الخدعة على الشعب البسيط. والفكرة البسيطة غير المكلفة، هي أن تقوم بزرع كيان موالِ لك تصطنع معه عداءً لتصنع غطاءً وهمياً زائفاً من الزعامة، وهو ما نجح نجاحاً كبيراً منقطع النظير مع الشعوب العربية منذ الخمسينيات.

 فعبد الناصر الذي كانت تقيم معه في القاهرة خلية مكونة من عدة ضباط من السي آي إيه، على رأسهم كيرميت روزفلت ومايلز كوبلاند، تم تقديمه للشعب على أنه الزعيم الوطني المخلص من الاحتلال، ومن أجل ذلك الغرض حرصت السي آي إيه على إنشاء عدة أجهزة تبدو وطنية، بينما هدفها الوحيد هو حماية الصنم الذي نحته مغامرو السي آي إيه، فأشرف ضباط من السي آي إيه على إنشاء المخابرات العامة، وتم استدعاء ضباط شرطة من الولايات المتحدة للإشراف على إعادة بناء الشرطة وتحويلها إلى آلة قمعية تحمي النظام، وإعادة ترتيب هيكل الشرطة والبوليس السياسي من الداخل، وبالمناسبة فإن الجيش الذي خرج عبد الناصر كان جيشاً إنجليزياً بامتياز بعد أن حل اللورد دافرين جيش عرابي سنة 1886 وأنشأ جيشاً قوامه 6  آلاف ضابط وجندي، وكذلك أنشأ البريطانيون الشرطة والبوليس السياسي، واقتصر دور الأمريكيين بعد ذلك بسنوات على إعادة هيكلة المنظومة وإعادة توجيهها.

 التفاصيل التي يمكن لأي شخص يطلع على الكتب الأمريكية الصادرة عن الموضوع، مثل كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند وكتاب لعبة أمريكا الكبرى، تفاصيل مخيفة تكشف مدى الاختراق الذي وصلت له بلادنا، وتكشف أننا عبارة عن مجموعة من المخلوقات تعيش في مزرعة تجارب أقامتها أجهزة الاحتلال الغربي. كانت عبقرية الأمريكيين في أن يبدو خدم الاحتلال وطنيين، وكانت أكبر ضرباتهم عبقرية عندما حرص مجموعة ضباط السي آي إيه على إنشاء إذاعة صوت العرب، التي كانت تعمل على تخدير الملايين وتصنع صورة الزعيم الملهم. العبقرية الأمريكية لم تقتصر فقط على الحفاظ على الخطة العامة التي رسمها قبلهم البريطانيون وتصدير واجهة تبدو وطنية، بل تعدت ذلك إلى تقديم عملاء آخرين كالسادات بنكهة مختلفة، فالكثيرون لا يعلمون أن توجه عبد الناصر نحو الشيوعية لم يكن فقط لكونه هو شخصياً شيوعي، بل إن الأمر كان بتوجيه من السي آي إيه، وعندما زاد الأمر عن حده تدخل مبضع الجراح ليصحح الأمر بهزيمة مشينة لم تتعرض لها مصر من قبل في تاريخها، ثم بتصدير وجه آخر بنكهة الرئيس المؤمن. كانت خدعة أكتوبر التي انطلت على ملايين العرب بمثابة إثبات أن الفيروس وإن تغير لونه، ما يزال يعمل بكفاءة، وانتهى الأمر بتخفيف الضغط الشعبي عن رجل السي آي إيه المخلص، وتسليمه سيناء ليعمل على حراستها، وبالتالي حماية الكيان الصهيوني بعد أن تكون مصر قد اعترفت به رسمياً، وخلال ذلك نسجت مئات القصص عن بطولات الجنود والضباط ثم الضربة الجوية الأولى .. إلخ
 
وهي بطولات لا شك أن أغلبها حقيقي ولكنها نُشرت للشعب زيادة في تمويه الصورة عليه. الخطأ الوحيد في برنامج الكمبيوتر الذي صممته السي آي إيه لمزرعة التجارب في مصر هو انتخاب الرئيس مرسي، الذي كان مجرد انتخابه عطلاً ضخماً أصاب السوفت وير. وما حدث من انقلاب في محاولة لإصلاح السوفت وير، ليس إلا محاولة وقتية فاشلة، فالفيروس استدار علناً ليهاجم الجسد، وانهيار غطائه الإعلامي عبر سلسلة من الأخطاء، وضعه في مواجهة الشعب أو القطاع الأكبر منه دون التمويه الذي كان يوفر له الحماية الكافية.
التعليقات (6)
عبدالله البركاتي
الأحد، 22-02-2015 06:21 م
التحليل رائع، وممكن وضعه في مصاف المعلومات المؤكدة. بارك الله فيك أستاذة آيات
عبدالله البركاتي
الأحد، 22-02-2015 06:20 م
التحليل رائع، وممكن وضعه في مصاف المعلومات المؤكدة. بارك الله فيك أستاذة آيات
حسن عطا
السبت، 21-02-2015 08:48 ص
ألم يكن دخول ا?خوان في لعبة الرياسة فرصة للقضاء على الثورة؟ !!! ألم يضيع ا?خوان أنفسهم وأضاعوا الفرصة على الشعب؟ !!! نتيجة للطمع؟ ؟؟
السبت، 21-02-2015 07:30 ص
لك كل ا?حترام والتقدير . فانتي رجل في زمن قل فيه الرجال . أكيد ?أقصد الشكل ولكن في العلم والفكره والشجاعه والحق. وفقكي الله . وحماكي وسدد علي الحق خطاكي.
said amara
الجمعة، 20-02-2015 09:34 م
بوركت يا أستاذة