قضايا وآراء

إسرائيل تحت الحصار

أحمد أبو رتيمة
1300x600
1300x600
في مقابلة له مع صحيفة هآرتس الشهر الماضي، حذر رئيس وزراء الاحتلال السابق إيهود باراك من أن إسرائيل قد تجد نفسها في مواجهة عزلة مؤلمة للغاية مع تطور حركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، وأضاف باراك: "طالما كانت تلك الأصوات تأتي من إريتريا أو موريتانيا، فلا مشكلة. لكن عندما تبدأ الدعوات تأتي من الدول الاسكندنافية وبريطانيا، فإننا أمام مشكلة خطيرة".

ويعلق باراك على الأوضاع في الجامعات الأميركية: "قبل 35 عاماً، كانت الجامعات معاقل للتعاطف مع إسرائيل، لكن اليوم عندما نزور جامعة، يتم إخبارنا مقدماً بأنه ستكون هناك تظاهرة".

ليس باراك وحده المنزعج من تنامي أنشطة المقاطعة الدولية لإسرائيل، فقد  أقرّ "منتدى التنسيق لمكافحة اللاسامية" في تقريره السنوي الذي قدم إلى الحكومة الإسرائيلية بفاعلية النشاطات التي تقوم بها حركة المقاطعة، وجاء في التقرير: "إن الجهود المتزايدة لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل، من خلال المقاطعة، من خلال الشخصيات المعروفة في مجالات الثقافة والعلوم، أو عن طريق المؤسسات الدينية أو الجمعيات ورجال الأعمال، سوف تؤدي مستقبلاً وحتماً إلى التدهور في أوضاع اليهود في العديد من البلدان"، حسب زعم التقرير الذي أضاف: "شيطنة إسرائيل تخلق مبررات أيديولوجيةً لاتخاذ خطوات ملموسة من أجل تقويض شرعية الدولة، للشيطنة جذور في سرد إسرائيل ككيان استعماري غير شرعي، ولدت خطأ وتمارس النازية والفصل العنصري والعنصرية".

في مستهل العام الماضي كان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد استنفر وزراءه لبحث سبل التعامل مع المقاطعة المتزايدة لإسرائيل، وقد ناقش ذلك الاجتماع تفعيل ضغوط اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لتعزيز التشريعات في الكونغرس ضد مقاطعة إسرائيل، كما ناقش "متابعة المنظمات المشجعة للمقاطعة استخباراتياً، وجمع معلومات عنها لاستخدامها ضدها، وهو ما يعطي مؤشراً على مدى الانزعاج الذي تشعر به إسرائيل من تنامي أنشطة المقاطعة الدولية ضدها".

تقوم فلسفة المقاطعة على استلهام تجربة النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا التي نجحت بالفعل في إسقاط ذلك النظام واستحضار أوجه التشابه بينه وبين دولة الاحتلال، هذا التشابه عبَّر عنه الأسقف ديزموند توتو أحد أهم قادة النضال في جنوب أفريقيا الحائز على جائزة نوبل للسلام خلال  زيارته لفلسطين بالقول: "إن الأمر يشبه إلى حد كبير ما حصل للسود في جنوب أفريقيا، لقد رأيت إذلال الفلسطينيين عند نقاط العبور وعند الحواجز وعلى الطرقات، يعيشون المعاناة مثلنا عندما كان رجل الشرطة من الشباب البيض يمنعوننا من التجول". 

 التشابه في ممارسات النظامين العنصريين في جنوب أفريقيا وإسرائيل ألهم النشطاء باستدعاء ذات الوسائل التي نجحت في إسقاط نظام الفصل العنصري عبر تعزيز المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.  

تتمثل نشاطات المقاطعة في الامتناع عن شراء البضائع الإسرائيلية والدولية الداعمة لدولة الاحتلال، وإيقاف تداولها في الأسواق المحلية والعالمية، وقطع العلاقات مع الشركات والمؤسسات الإسرائيلية بما فيها الرياضية والأكاديمية والثقافية، وسحب التمويل من الشركات الإسرائيلية والشركات الدولية الداعمة لدولة الاحتلال عبر بيع أسهمها والامتناع عن الاستثمار فيها. 

نجحت حملة المقاطعة فعلاً في تحقيق نجاحات ملموسة، إذ انضوت مئات الشخصيات العالمية الشهيرة تحت لواء المقاطعة مثل رئيس بوليفيا موراليس والزعيم الكوبي السابق فيديل كاسترو وعالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينج، ونجم الروك البريطاني إلفيس كوستيلو الذي ألغى حفلتين في إسرائيل في عام 2010، والكاتب والمخرج البريطاني، مايك لي، الذي رفض زيارة إسرائيل بسبب انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، والروائية الأمريكية أليس ووكر التي رفضت أن تتم ترجمة إحدى رواياتها الشهيرة "اللون الأرجواني" بسبب مناهضتها لحرب إسرائيل على غزة، كذلك رفضت شبكة موجي اليابانية التي تقوم بتصنيع أكثر من 7000 من المنتجات فتح فرع لها في إسرائيل.

أوروبياً، منعت وزارة المالية النرويجية صندوق التقاعد الحكومي النرويجي من استثمار أمواله في شركات إسرائيلية تعمل في المستوطنات، وهو ذات القرار الذي اتخذه صندوق التقاعد الهولندي، وانسحبت شركة القطارات الحكومية في ألمانيا من إقامة خط سكة حديدية لأنه يمر من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما ألغي معرض "تل أبيب المدينة البيضاء" في بلجيكا وأعاد مهرجان الأفلام في اسكتلندا منحةً قدمتها السفارة الإسرائيلية، وأعلنت بلدية ميركويل في استراليا مقاطعة إسرائيل والشركات التي تتعامل معها.

وأوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية أن شبكة السوبر ماركت التعاونية في بريطانيا تقاطع بضائع المستوطنات منذ العام 2007 فيما أعلنت نقابة العمال في ايرلندا عن مقاطعة منتجات وخدمات إسرائيلية وأعلنت نقابة المعلمين دعمها للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل.

وفي كندا تبنت نقابة موظفي البريد مقاطعة إسرائيل ونظمت الكنيسة البروتستنتية حملةً لمقاطعة المستوطنات كما أعلنت الجمعية لدراسات الولايات المتحدة في أميركا عن مقاطعة إسرائيل أكاديمياً، وسحب صندوق التقاعد استثماراته من شركة جرارات لبيعها معدات للبناء في المستوطنات، وفي البرازيل ألغت حكومة ولاية ريو غراندي دو سول عقداً كبيراً مع شركة "إلبِت" الإسرائيلية، بعد موجة من الاحتجاجات على دور الشركة في قمع الفلسطينيين.

من المؤشرات الإضافية على حجم القلق الإسرائيلي من تنامي المقاطعة الدولية لها اجتماع وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت الأسبوع الفائت بستة وعشرين سفيراً أوروبياً حيث وجه لهم توبيخاً بسبب المقاطعة الاقتصادية وطالبهم بمساندة إسرائيل.

تتلخص أهمية المقاطعة الدولية في أنها تنال من الأساس الذي تقوم عليه إسرائيل، إذ إن إسرائيل تكافح منذ اليوم الأول لتطبيع وجودها ولإخفاء أي عنصر اختلاف بينها وبين الدول الطبيعية، فتأتي نجاحات المقاطعة لتمثل مذكراً مزعجاً لإسرائيل يحرمها من التعايش الطبيعي مع العالم ويبقيها دائماً في موقع منبوذ.

إسرائيل لا تعيش وحدها في العالم، ومهما أوتيت من قوة عسكرية فإن قطع امتداداتها مع العالم سيحاصرها وسيجعل منها عبئاً ثقيلاً على المجتمع الدولي، وحين سقط نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا كان يملك شرطةً قويةً، لكن فقدان الشرعية الدولية عبر المقاطعة هو الذي أسقطه، وهذا ما يرعب إسرائيل. 

التعليقات (0)