مقالات مختارة

طريق الشباب إلى «داعش»

وحيد عبد المجيد
1300x600
1300x600
لم يعد التطرف الديني هو العامل الوحيد الذي يدفع بعض الشباب للإرهاب، ويلقي بهم في أحضان تنظيمه الأخطر حالياً. فقد أصبح «داعش» أخطر من تنظيمات إرهابية أخرى لأسباب، من أهمها التحاق شباب لم يكونوا متطرفين دينياً به.

لذلك أصبحت معالجة الأزمات التي يواجهها شباب الطبقة الوسطى في كثير من المجتمعات العربية ضرورة ملحة، مثلها في ذلك مثل محاصرة العوامل التي تؤدي إلى التطرف الديني.

وليس هذا صعباً، وخاصة في ضوء المعطيات التي تفيد أن اغتراب شباب ينتمي إلى الطبقة الوسطى وشعورهم بالضياع، هو الدافع إلى التحاق من لم يكونوا متطرفين دينياً بهذا التنظيم، وليس الفقر المرتبط بأوضاع اقتصادية صعبة يتطلب إصلاحها وقتاً طويلاً في كثير من البلاد العربية.

وهذا هو بعض ما يمكن استخلاصه من قصص شباب من هذا النوع، صار المصريان إسلام يكن ومحمود الغندور أكثرهم شهرة في الأسابيع الأخيرة.

فقد أظهرت التحقيقات الاستقصائية التي تمكن صحفيون غربيون من إجرائها في مناطق خاضعة لسيطرة «داعش» في سوريا والعراق، خلال النصف الثاني من العام الماضي، تنوعاً مدهشاً في خلفيات الشباب الذين تركوا بلادهم وذهبوا إلى هناك.

ومن أهم ما يُستفاد من تلك التحقيقات أن بعض هؤلاء الشباب لم يُعرف عنهم تعصب أو تطرف سابقان على ذهابهم إلى «داعش»، بل كانوا متحررين اجتماعياً.

ويدخل «يكن» و«الغندور» ضمن هذه الفئة التي لم يكن متصوراً حتى وقت قريب أن يلتحق أي من أبنائها بتنظيم إرهابي أو حتى متطرف حتى إذا لم يمارس العنف، فقد نشأ كل منهما في أسرة ميسورة الحال.

كان «يكن» فتى مدللاً كونه الابن الذكر الوحيد، تعلم في مدرسة فرنسية، ثم التحق بكلية الحقوق، ومارس أكثر من رياضة في مراكز الشباب، أهمها كرة القدم، وعُرف عنه الهدوء والاتزان، وجمعته علاقة عاطفية مع فتاة قبل أن تنقلب حياته فجأة رأساً على عقب.

ولا تختلف سيرة «يكن» كثيراً عن صديقه وزميله في كلية الحقوق محمود الغندور، الذي كان يهوى الموسيقى والأغاني إلى جانب كرة القدم التي كان مثله الأعلى فيها عمه الحكم الدولي المعروف جمال الغندور، لذلك سعى لأن يكون مثله، وعمل بالفعل حكماً، ولكن في دوري الدرجة الثانية.

كما عُرف، بخلاف صديقه «يكن»، بعلاقاته النسائية المتعددة إلى حد أن عمه قال عنه -عندما صدمه نبأ انضمامه لـ«داعش»- إنه قاطعه بسبب هذه العلاقات قبل أن يُفاجأ بأنه أصبح «جهادياً».

وتمثل قصتا «يكن» و«الغندور»، وتحولهما السريع الذي لم يكن متوقعاً باتجاه الإرهاب، ناقوس خطر بشأن أزمات قطاعات من شباب الطبقة الوسطى، خاصة من يتطلعون لأداء أدوار مميزة لا تُتاح لهم في مجتمعات تصطدم أحلامهم فيها بالحائط، وتتوه منهم في الزحام.

فهؤلاء الذين تحاصرهم مشاعر الاغتراب والضياع والفراغ، يهرب بعضهم منها إلى من يستغل حيرتهم ويوهمهم بأن مهام كبرى تنتظرهم للمشاركة في تغيير العالم.

ولا ينبغي أن نستهين بهذه الحالة التي تجعل بعض الشباب مستعدين للسعي إلى الخلاص منها عبر تبني «قضية» ما، والاعتقاد بأنهم يشاركون في عمل يهز العالم هزاً، ويدفع إلى بناء تحالف دولي واسع في مواجهة التنظيم الذي يلتحقون به.

فإلى جانب مشاعر الفخر الوهمي الذي ينتابهم لانتمائهم إلى تنظيم يبدو «نداً» للقوى الكبرى في العالم، تُعد الشهرة التي يحظون بها مصدراً لنشوة طالما افتقدوها في مجتمعاتهم التي لم يشعر أحد بوجودهم فيها.

لذلك يسهل تحولهم باتجاه «داعش»، وخاصة حين تكون عقولهم فارغة -مثل حياتهم- بسبب نظام التعليم الذي لم يعلِّمهم أن يفكِّروا ولم يسلِّحهم بمنهج للتفكير.

وإذا كان ملء عقول الشباب بما هو مفيد يتطلب وقتاً في بلاد تعرض نظام التعليم فيها للتجريف، فبالإمكان البدء في معالجة الفراغ الذي يعيشه كثير منهم، وما يقترن به من اغتراب وضياع، عبر فتح أبواب المشاركة السياسية والاجتماعية أمامهم، ودمجهم في المؤسسات مع تطويرها لتصبح قادرة على تشجيع الزهور بكل ألوانها لكي تتفتح وتضيء جنبات مجتمعات صارت موحشة في نظرهم.



(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)
التعليقات (0)