بورتريه

بنعمر أكثر من مجرد شاهد زور.. هل شرعن الانقلاب الحوثي في اليمن؟

يوصف بنعمر بالرجل الثالث في الأمم المتحدة - عربي21
يوصف بنعمر بالرجل الثالث في الأمم المتحدة - عربي21
يعرف بالسجين السياسي سابقا، وتقول وسائل إعلام مغربية أنه هرب من المغرب ولجأ إلى الخارج ليصبح من الشخصيات الهامة المكلفة بحل النزاعات الدولية، ووصفته مجلة "تال كال أونالين" بأنه الرجل الثالث في منظمة الأمم المتحدة.

لكن الأحداث في اليمن عكست الصورة الانطباعية عنه بوصفه وسيطا محايدا، وبات عرضة للتشكيك بنزاهته وحياديته حتى في مهام سابقة، ويتهمه البعض بأنه جزء من المشكلة وليس جزءًا من الحل، بعد أن قاد الوساطة بين نظام علي عبد الله صالح وشباب الثورة اليمنية وقوى المعارضة المساندة لها، ثم الوساطة بين الرئيس عبد ربه منصور هادي وجماعه الحوثيين المسلحة.

جمال بنعمر (بن عمر)، المولود عام 1957 بمدينة الناظور في المغرب الذي ينحدر من قبيلة ‏بني ورياغل الأمازيغية، يوصف بالرجل العصامي بعد أن حصل على شهادة البكالوريوس والتحضير لشهادة الماجستير في فرنسا عن طريق المراسلة.

اعتقل عام 1976 وهو تلميذ بإحدى ثانويات مدينة تطوان التي ترعرع فيها ضمن مجموعة "إلى الأمام" اليسارية الراديكالية، المرتبطة بجبهة ‏البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، والتي كان اليهودي المغربي أبراهام السرفاتي، أحد أقطابها الأساسيين، خلال ما عرف بـ"سنوات الرصاص".

غادر المغرب عام 1983، بعد أن اصدر الملك الراحل الحسن الثاني، عفوا عنه، نتيجة ضغوط ومناشدات مارستها على المغرب فعاليات حقوقية دولية، بينها منظمة العفو الدولية، ونقلت مجلة "تال كال أونالين" أنه تلقى مساعدة ووساطة خلال سنوات محنته من مجموعة من الأكاديميين الفرنسيين، بينهم أندريه آدم الذي توسط له لدى الحسن الثاني بحكم أنه كان أستاذه، ونجح في إقناعه بالإفراج عنه.

وبعد الإفراج عاد للعمل بأنشطة وصفت بأنها "معادية لبلاده" اعتقل على أثرها ‏مرة أخرى لأشهر، ووجهت له تهمة التعاطف مع اليسار ومعاداة الملك الحسن الثاني، لكنه تمكن في نهاية الأمر من الفرار سرًا إلى أسبانيا ومنها إلى فرنسا ولاحقًا إلى بريطانيا.

 التحق بنعمر بمنظمة العفو الدولية في لندن، وعندما زار الملك الحسن الثاني لندن عام 1986، كان بنعمر وراء فكرة الاحتجاج الذي نظمته "أمنستي"، ما جعل بعض الصحف المغربية تشن عليه هجوما لاذعا ووصفته إحداها بأنه "أخطر" معارضي نظام الحسن الثاني.

 انتقل بعدها إلى الولايات المتحدة حيث انضم، بقفزة لا يعرف عنها الكثير، إلى معهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، الذي يهتم بتتبع ومراقبة العمليات الانتخابية في الدول التي لا تتوفر فيها ضمانات للنزاهة .

وظل بنعمر يتقدم في المناصب في  الأمم المتحدة بسبب قوة الوساطة ممثلة في ‏كارتر، الذي تشير الأمم  المتحدة في النبذة التعريفية لبنعمر إلى أنه أحد رجاله، على الرغم من أن ‏المغرب قدمت أكثر من خمس مرات احتجاجات رسمية للأمم المتحدة على وجوده في هذا الموقع.  

وفي 2004، ترقى ليصبح رئيس شعبة التعاون الفني في المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وفي العام التالي عاد إلى بلاده بعد وفاة والدته وبعد وفاة الملك الحسن الثاني.

تولى الدبلوماسي المغربي عدة مهام على مستوى المنظمة الدولية، حيث كلف بالملف العراقي، كما أنه رافق الجزائري الأخضر الإبراهيمي في مهمته، مبعوثا أمميا خاصا لأفغانستان، وشارك في تسوية نزاعات دولية هامة في كوسوفو والبوسنة وجنوب أفريقيا ومنطقة البحيرات الكبرى.

لكن مصادر مغربية تشكك في إنجازات بنعمر وتضع علامات سؤال كبرى على سجله الوظيفي، ففي السودان مثلا كان بنعمر هو المسؤول عن الملف السوداني بمنظمة العفو الدولية التي كانت ترسًا في ماكينة الحرب النفسية على نظام عمر البشير، والتي كانت تقدم ‏التقارير المضللة ضد السودان خدمة لحركات التمرد والانفصال في دارفور ‏والجنوب، وفقا لأكثر من مركز أبحاث سوداني.

وتكاد تفاصيل مهمته في العراق وأفغانستان تختفي كليا من المقالات والتحليلات التي تتناول سيرته الذاتية. لكن ‏العامل المشترك بينها أن بنعمر لعب دورا هاما وخطيرا في صياغة دساتير تلك الدول التي كانت تواجه صراعا داخليا معقدا إضافة إلى الغزو الأجنبي، تلك الدساتير التي ساهمت بشكل غير مباشر في ترسيخ عوامل الانقسام بصورة دستورية ما قلل من فرص استعادة وتبلور ‏مشروع وطني موحد لقيام الدولة من جديد. 

وضمن هذا السياق في السيرة الذاتية لبنعمر، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في آب/أغسطس عام 2012 عن تعيينه مبعوثًا للأمم المتحدة لدى اليمن.

وكما أنه أثار الشكوك حوله في مهامه السابقة، فقد كان دوره غامضا في اليمن منذ إسقاط حكم علي عبدالله صالح وحتى سيطرة الحوثيين على البلاد.

ويشير تقرير حديث صادر عن مركز نشوان الحميري للدراسات بصنعاء، إلى أن الدور ‏الإيجابي لجمال بنعمر في اليمن يكاد يكون انتهى فعليا عقب الاستعانة به "لتفكيك بعض ‏مراكز قوى النظام السابق ليتحوّل بعدها، بحسب تعبير مراقبين مستقلين، من "ميسِّر" للعملية ‏الانتقالية إلى "مسيِّر" لها".‏

ورغم تحذيرات بنعمر، من انزلاق اليمن إلى صراع ممتد، وقوله إنه "من الوهم الاعتقاد بإمكانية أن يسيطر الحوثيون على اليمن بأكمله، أو أن يستطيع الرئيس عبد ربه منصور هادي حشد ما يكفي من القوات لتحرير البلاد".

إلا أن الاتهامات انهالت عليه من جميع الأطراف اليمنية، فقد اتهمه وزير الخارجية اليمني رياض ياسين "بشرعنة الانقلاب الحوثي". وكتب الإعلامي محمد كريشان أن بنعمر "لم يفعل طوال الفترة الأخيرة سوى ما يؤدي إلى ترسيخ حكم الحوثيين"، ويؤكد كرشان بالقول: "في كل خطوات الحوثيين كان بنعمر يتكلم بلغة مائعة لا تعني شيئًا، شجعتهم (الحوثيين) على التجرؤ أكثر فأكثر حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه (..) وكل ذلك يجعل من جمال بنعمر أكثر من مجرد شاهد زور".

وكان الكاتب الصحفي محمد المختار الشنقيطي على درب كريشان، حيث تساءل الشنقيطي قائلاً: "هل يقود مبعوث الأمم المتحدة جمال بنعمر  اليمن إلى الهاوية؟! وفيما يبدو أن الجواب قد ظهر جلياً".

ووصفه  المفكر الكويتي الدكتور عبدالله النفيسي بأنه "ضابط ارتباط بين الأمريكان والحوثي". ودعا إلى التعامل مع الحوثي على أنه "طابور إيراني وليس مكونا يمنيا".

ويلتقي في ذلك مع الأمين العام للاصطفاف الشعبي، عضو رئاسة الهيئة الوطنية للرقابة على تطبيق مخرجات الحوار الوطني صلاح باتيس، الذي اتهمه بأنه يحاول "شرعنة انقلاب جماعة أنصار الله الحوثي، بإصراره على عدم إدراج الجماعة المتمردة منذ زمن ضمن قوائم الجماعات الإرهابية وفقا للبند السابع"، وقال: "الشعب اليمني لم يعد يثق في دور بنعمر".

وطالبت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، بنعمر بمغادرة اليمن. وقالت في رسالة لاذعة على صفحتها على الفيسبوك: "قولوا لجمال بنعمر.. هذا اسمه انقلاب على العملية الانتقالية بكل وثائقها واتفاقاتها، وهو استيلاء بالقوة من قبل الميليشيات الحوثية الطائفية على الدولة اليمنية".

وأضافت: "أعجب كيف يعجز المبعوث الأممي بنعمر عن توصيف وتصنيف هذه الميليشيا، هل لأنه لم يقرأ اتفاقات نقل السلطة وآلياتها.. والتي بناء عليها تم تكليفه ليكون مبعوث الأمين العام إلى اليمن".

وكرمان تنتقد بنعمر قائلة له: "جلوسك مع زعيم جماعة مسلحة يشرعن للقتل لا يتناسب مع موقعك كمبعوث أممي".

هل حقا انتهت صلاحية هذا الدبلوماسي اليساري السابق، ولم يعد أحد يثق فيه باليمن حتى إن الحوثيين أنفسهم اتهموه بتهريب الرئيس اليمين هادي إلى عدن؟! ربما يكون نجمه قد أفل بعد أن ألمحت عواصم خليجية إلى ضرورة وقف مهمته التي لم تكن مستحيلة بمقدار ما كانت مرسومة مسبقا، لتأتي بهذه النتيجة الصادمة التي قد تقود دول المنطقة إلى حرب دولية طاحنة. 
التعليقات (0)