قضايا وآراء

هـل سيذوب الثلج الليبي في الصخيرات؟

عبد الفتاح الشلوي
1300x600
1300x600
بدون مقدمات، ولا نخز لمجريات الأحداث، والبحث تحت الرماد، والتخمين بساعات السكون التي تلف الساحة السياسية الليبية، ستنطلق أسطري من حيث انتهت آخر جولة للحوار الليبي بمدينة الصخيرات المغربية، وعودة فريق حوار المؤتمر الوطني، الذي شرع بإجراء عدة لقاءات فور وصوله لأرض الوطن، من أجل التعرف على وجهات النظر المختلفة حيال تلك الجولة، والجولات التي سبقتها، وما تمخض عنها من نتائج. والفريق يعرف تمام المعرفة أنه سيواجه بالعديد من الاعتراضات، والنقد البناء والهدام.

اعتمد المؤتمر الوطني فريق حواره، بعد أن منح أعضاء المؤتمر مكتب رئاسته تفويضا كاملا لاختياره، وتحديد الأسماء التي ستنوب عن المؤتمر بتلك الحوارات، التي افتتحت بمدينة غدامس الليبية، دون أن يُدعى إليها المؤتمر الوطني العام، فجاءت تلك الجولة بمثابة جلسة مصالحة بين مجلس النواب وأعضائه المقاطعين.

غير أن المبعوث الأممي السيد برناردينو ليون أيقن أن الأزمة الليبية أعمق من أن تُحل داخل مجلس النواب، المؤسسة التشريعية المنتخبة، والتي خلقت لنفسها مشكلةً قُبيل أن تُطلق صرخة الحياة السياسية بأيام معدودات، وذلك بأن عقدت جلستها الافتتاحية متجاهلة ما تنص عليه وثيقة الإعلان الدستوري المؤقت، وحشرت نفسها بمتاهات النصوص الدستورية، ومفارقات التفسيرات القانونية، وكان يفصلها عن تجاوز ذلك الوحل سويعات قصيرة، وتذاكر سفر ذهابٍ وإيابٍ في نفس اليوم، ما أدى إلى إطالة جولات الخلاف والاختلاف، فاتسعت الهوة بين الفرقاء السياسيين، ليتحولوا إلى خصوم متناكفين.

وتكفل المهرة السلبيين بتوسيع الهوة، وزيادة حدة الصراع، فحالت بين الفرقاء جبال من الثلج، وانخفضت درجة البرودة السياسية لنصف عام، حتى أيقن السيد ليون أنه ليس بالإمكان تجاهل المؤتمر الوطني، وإجراء الحوار بمعزل عنه، في ظل دعوته للعديد من التكتلات السياسية، والناشطين بالعمل الأهلي، وثوار الجبهات، وقادة عسكريين.

ليس هذا فحسب، وإنما شمل الحوار الطرفين التشريعيين المتنازعين، المؤتمر الوطني ومجلس النواب. الأول يعتمد على حكم المحكمة العليا بدوائرها المجتمعة، التي أبطلت مجلس النواب، والثاني يستند لحجم الاعتراف الدولي به وبالحكومة المنبثقة عنه. تواجه كل منهما بسلاحه الذي بين يديه، وتمترس به، وعمل تحت غطائه.

غير أن مسؤولين غربيين أبدوا تحفظهم على عدم الاعتراف بحكم المحكمة، وورد على لسان أحد السفراء الأوربيين، أن الشركات الغربية تضغط باتجاه إيجاد حل للأزمة السياسية في ليبيا، لأنها تخشى على مصالحها ومستحقاتها، فيما لو اضطرت للتقاضي أمام المحاكم الليبية، التي تُعد المحكمة العليا رأس هرمها، فكيف يتم ذلك وهي لا تعترف بأحكامها؟ وفي ذات الوقت فإن البيئة السياسية لتلك الشركات لا يمكنها أن تُفرّط بنتائج صناديق الانتخابات. ومن هنا وقع السيد ليون بين خيارين، أراد مزجهما كعنصرين غير متجانسين، كانا بمثابة مزج الزيت بالماء، ببوتقة التوافق التفاوضي، فتبين للسيد ليون أن بوتقته صعُب عليها ذلك، بل واستحال.

لم تقف المؤثرات على السيد ليون عند هذا الحد، وإنما جاءت رغبة إيطاليا الواضحة والصريحة بتولي الملف الليبي، وإعفاء السيد ليون من تلك المهمة. وتحدثت إيطاليا من باب إرثها الاستعماري، ومعرفتها بطبيعة الشعب الليبي، وأن الأمواج الليبية هي ذاتها الأمواج البحرية الليبية، في إشارة للبعد الجغرافي بينهما. قابل ذلك انحياز إسبانيا لمواطنها الذي يلملم الفُرقة، فصعدت عبر ممثلها بالاتحاد الأوربي مطالبها بأن يُحجر على النفط الليبي، ومصرف ليبيا المركزي، في إشارة واضحة للكل بتكرار مشهد العراق - النفط مقابل الغذاء - وتعيين برايمر جديد في ليبيا.

عاد فريق حوار المؤتمر الوطني من مدينة الصخيرات المغربية، بمُسَوَدَةِ اتفاق أولية، ومطوية يدسها بين جنبيه، يعرضها على لجان المؤتمر الوطني الست، وهو يعرف تمام المعرفة ما سيواجهه من اعتراضات، وربما رفض لهذه المخرجات، من باب أن البعض، بل وربما الكثير، من أعضاء المؤتمر الوطني يتمسكون بحكم المحكمة، ولا يرون عنه بديلا، على الرغم من أن الفريق يسانده رهط من المستشارين المتميزين، من داخل وخارج المؤتمر الوطني العام. وحقيقة القول أن الآراء كانت مذبذبة بين القبول والرفض، وهناك من رآها انتكاسة وتصب في غير مصلحة الوطن .

وأيًا كانت تلك النتائج، وما إذا كان سيفلح به فريق المؤتمر الوطني بإقناع أعضاء المؤتمر بتلك التصورات الأولية، ودفاعهم عن رؤيتهم، التي مهما حالفها من نجاحات فإنها ستصطدم بجلسة يوم الثلاثاء القادم، الذي سيكون يوما عسيرا، وسيضطر أعضاء الفريق للجلوس متراصين جنبا إلى جنب، وسيتخذون من وسيلة الإسهاب بشرح المخرجات، وإن كانت بمهدها، وسيلجأون لحقنها وتحصينها أمام ما ينتظرها من هجوم، وفتك بأسطرها. وأجزم أنها ستكون جلسة ساخنة بكل المقاييس، وستُرفع لساعتي الغداء، وستشهد الجلسة المسائية رأيين لا ثالث لهما: فإما الموافقة بتحفظ، وإما الرفض بتعنت.

ومن المؤكد أن السلطات المغربية تتابع ذلك بحرص واهتمام شديدين، لأنها تسعى جاهدة لإنجاح الحوار، ولم شمل الليبيين، والحيلولة دون انتكاسة هذه الجهود. أقول ذلك من خلال ما رآه فريق الحوار من حرص المملكة المغربية الشقيقة على تجاوز أي عقبة أمام مسيرة الحوار المعقدة، وتذليل كافة الصعاب. لقد جاء علي لسان الفريق أن درجة اهتمام المملكة المغربية بإنجاح الحوار الليبي الليبي، ترقى لدرجة أن رعايته ومتابعته تصل لأعلى السلطات المغربية. وإن الثلاثاء القادم لناظره لقريب.
التعليقات (0)