قضايا وآراء

أخطاء السعودية والمسكوت عنه في الأزمة اليمنية

رضا حمودة
1300x600
1300x600
لا شك أن لعاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية مع دول الخليج ودول عربية أخرى، في إطار تحالف من عشر دول عربية مستهدفةً مواقع الحوثيين المنقلبة على الشرعية وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في اليمن، تداعيات خطيرة في المستقبل القريب إذا ما حققت تلك العاصفة أهداف الحلفاء، ولا يمكن أن تمر مرور الكرام هكذا، لكن ما لم يتم إلقاء الضوء عليه في الأزمة اليمنية أو لم ينل حظاً من التحليل والتغطية والرصد، هو مستقبل اليمن (الذي يُراد له أن يظل بائساً)، لاسيما بعد انتهاء العاصفة العسكرية وتأثيراتها على استقلال القرار اليمني حاضراً ومستقبلاً.

ارتكبت الدولة السعودية التي تعتبر اليمن حديقتها الخلفية خطأين فادحين بشأن تعاطيها مع الثورة اليمنية الشعبية، وتحالفها مع نظام جثم على حاضر بلد عريق اسمه اليمن أكثر من ثلاثة عقود من القهر والاستبداد والفساد، وأراد أن يصادر مستقبله أيضاً، حيث تلقفته المملكة باحتواء غضبة الشارع اليمني وتفريغ الثورة من زخمها ومضمونها عبر حماية علي عبدالله صالح، وتحصينه من المساءلة القانونية والشعبية، ووقفت إلى جواره في أزمته التي كادت تودي بحياته عندما هاجمه الثوار، وتكفلت المملكة بعلاجه في الرياض حتى تعافى.
 
وما إن عاد صالح إلى صنعاء حيث معقل السلطة والنفوذ والأنصار من دولته العميقة، التي ما زالت تمسك بخيوط اللعبة في كل مؤسسات الدولة، خاصة في الأمن والجيش، حتى راح يتآمر على شعبه مرة أخرى ويدير الثورة المضادة انتقاماً من شعبه، الذي كسر أنفه بإجباره على الرحيل عن السلطة مضطراً، وتبخر حلم توريث الحكم لنجله، حتى انقلب على الدولة التي آوته وحمته وعض اليد التي ساعدته، رغم أن السعودية لم تقدم يد العون لصالح لوجه الله بقدر ما هو التفاف واحتواء، وإجراء احترازي وقائي -إن صح التعبير- من تصدير وانتقال عدوى الثورات إلى ممالك وعروش الخليج.

أما الخطأ الفادح الثاني هو التحالف غير المعلن إلى حد التواطؤ مع جماعة الحوثي المدعومة إيرانياً لمحاربة التجمع اليمني للإصلاح(ذراع الإخوان المسلمين في اليمن)، على اعتبار أنها (أي الإخوان) عدو المرحلة متصل الصلة بما حدث من انقلاب عسكري في مصر على حكم الإخوان المسلمين بعد 30 من حزيران/ يونيو 2013 ، فكانت النتيجة أن تمددت جماعة الحوثي أكثر من اللازم وأكبر من قدراتها وحجمها الطبيعي بفعل دعم (الضدين المتناحرين)، السعودية والخليج (المحور السنّي) من جانب وإيران (المحور الشيعي) من جانبٍ آخر، حتى انقلب الحوثيون أيضاً على المملكة، وتلقفها المخلوع صالح ودعمها سياسياً وعسكرياً رغم العداء والصدام العسكري بينهما لأكثر من ست سنوات (2004 – 2010)، فاجتمعا سوياً على هزيمة الثورة اليمنية والانقضاض على تطلعات الشعب اليمني، الذي صب في النهاية لصالح المشروع الإيراني التوسعي فى المنطقة؛ انتهازاً للفراغ العربي المثير الناتج بطبيعة الحال عن حالة الضعف والوهن الذي يعتري الجسد العربي بشكلٍ عام.

ورغم أخطاء التعاطي السعودي مع الأزمة اليمنية التي أوصلتها إلى هذا الوضع الخطير والمفصلي، إلا أنها مع دول الخليج الأخرى حاولت أن تتدارك الأمر أخيراً بالتدخل العسكري لإنقاذ اليمن من براثن الأيادى الإيرانية ونفوذ الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، عندما اقترب تهديد جماعة الحوثي للخاصرة الجنوبية للدولة السعودية مباشرة تلميحاً وتصريحاً، ربما كان أخطرها بالحرمين الشريفين (مكة والمدينة)، مما أثار حفيظة العالم الإسلامي وأكسب القضية بعداً دينياً عاطفياً بضرورة التحرك لكبح جماح الطموح الحوثي (المدعوم من علي صالح) لردع إيران عن تمددها الطائفي في الفراغ السنّي للمنطقة العربية بهدف ابتلاعها أو احتوائها ، ومن ثم دفعها اضطراراً إلى التراجع عن العبث بأمن المنطقة وإعادة النظر في التعاطي الإيراني مع العالم العربي والاسلامي السنّي ولو إلى حين، حتى لا يزداد نهمها وطمعها أكثر من ذلك ، ومن ثم سد شهيتها المفتوحة على الفراغ السنّي الواسع.

المسكوت عنه حيال الأزمة اليمنية هو مستقبل اليمن بعد إنجاز مهمة "عاصفة الحزم"، وما أعنيه بمستقبل اليمن هنا هو استقلاليته عن القرار السعودي والخليجي، وارتهان سيادته وإرادته ليبقى تابعاً لاسيما بعد التدخل العسكري، الذي كان بمنزلة طوق النجاه لغارق أوشك على الهلاك، وما إن كُتبت له النجاة بات لزاماً عليه أن يرد الجميل لأهله، وأن يكافئ المنقذ..والثمن الذي سيدفعه اليمن ويدفعه الآن بالفعل يتم خصمه من سيادته السياسية والشعبية والعسكرية، بعد أن فشل في حماية نفسه ومقدراته مما استدعى تدخلاً خارجياً حتى لو كان من الجار والشقيق، لاسيما بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية الخانقة وحاجة اليمن إلى ما يشبه خطة مارشال عاجلة لانتشاله من وحل الإفلاس، وحتى لا يقع فريسة للتجاذبات والتحالفات وساحة للصراعات بين الأطراف الداخلية والخارجية مرة أخرى في قابل الأيام.  

ذلك أن التحدي الأخطر الذي يواجهه اليمن الآن هو  سيادته كدولة وكشعب لن يستطيع أن يملك قراره وإرادته الحرة لسنوات طويلة، وعليه  فسيكون اختيار الشعب اليمني مرهوناً بالضرورة برضا صاحب الفضل الخليجي السعودي، وقد يرد قائل بأن اليمن لم يكن منفصلاً يوماً ما عن القرار والتأثير السعودي نظراً لعوامل الجغرافيا والتاريخ والمال أيضاً، (حيث إن أغلب موارد اليمن تأتي من السعودية سواء المساعدات المالية المباشرة أو حجم العمالة اليمنية في المملكة) ، وهذا صحيح بلاشك لكن الأمر اختلف بعد ثورة 11 فبراير 2011 وكان بالإمكان الانعتاق من الوصاية السعودية في حال أخذت الثورة اليمنية مسارها الثوري الصحيح ، لولا تفكك وانقسام الصف الثوري وتآمر الدولة العميقة حالها حال جميع دول الربيع العربي.
التعليقات (0)

خبر عاجل