قضايا وآراء

لماذا الميليشيات الشيعية أخطر من تنظيم الدولة؟

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
تُبنى الدول الحديثة على نظريات دينية أو ماركسية أو علمانية وغيرها، لكنَّ كل هذه النظريات على اختلاف تقييمنا لها، تدّعي أنَّها تمثل عموم الشعب، وتعتقد أنها تعمل لخير الشعب كله، بل تعمل على تسخير كل الطاقات الموجودة والاستفادة منها في خدمة الدولة، حتى إنَّ إسرائيل (العنصرية، المغتصبة للأرض) تستثمر فلسطينيي الداخل 20% ، وتسمح لهم بخوض الانتخابات، والوصول للكنيست، والتحدث باسم الفلسطينيين.

أمّا الميليشيا الشيعية الطائفية سواء في العراق أو سوريا، فإنها تتنافى جذرياً مع مقومات الدولة عموماً والدولة الحديثة خصوصاً، إذ تنطلق هذه الميليشيات في مشروعها من دافع الانتقام المُغَذَى بحقد طائفي لا يجلب إلا الدمار، ويستحيل عليه أن تُنشأ دولة حقيقية تطمح لتأدية دور إيجابي في ركب الحياة الإنسانيّة.

كما أنَّ قرار هذه الميليشيات سواء في العراق أو سوريا خارجي، ونابع من دولة وصفت تاريخياً أنها عدو للعرب من قبل الإسلام وبعده، ولا سيما بعد تحول إيران للمذهب الشيعي على يد الصفويين قبل 500 عام، إذ زاد حجم العداء للعرب الذين باعتبارهم سنة إضافة لكونهم عرباً، فَغُلف الصراع السياسي بالمعتقد الديني المذهبي، وبالتالي فإنّه ليس بمقدور هذه الميليشيات المأمورة بجهات خارجية أن تبنيَ دولة، فالدول يبنيها أبناؤها لا القرارات والتوجهات الخارجية، فكيف إذا كانت هذه الدولة المتحكمة تتربص شراً؟!

والمتتبع للممارسات البشعة لهذه الميليشيات والفيديوهات المسربة التي تشكل نقطة في بحر، يُدرك أنَّ جلَّ هذه الميليشيات من المتطرفين، وربما الشاذين الذين باعوا فطرتهم الإنسانية للشيطان، فهل بإمكان هؤلاء المتطرفين (المرضى) الذين يحرقون البيوت، ويقتلون الأطفال والنساء قبل الرجال بدم بارد أن يبنوا دولة، ولم تنفع كل الإجراءات والتدابير بكبح جماح هؤلاء، وليس أدل على ذلك من أحداث تكريت مؤخراً.

وأثبت الواقع الملموس أنَّ هذه الميليشيات مأجورة للخارج بهدف تدمير الوطن (العراق، سوريا) وليس أدل على ذلك من عمليات التهجير الطائفي لأية منطقة تدخلها، فهناك سعي حثيث لتغيير الهُوية، وتغيير البنية الديمغرافية كما حصل في القصير وحمص في سوريا، ومثلها ديالى في العراق، وبما أنه يصعب اقتلاع شعب، فإنّ مهمة هذه العمليات إثارة النزاعات، ومنع قيام الدولة.

ومما يزيد من خطر الميلشيات الطائفية أنها تُمَوّل من الجهات الرسمية دون أن يكون لهذه الجهات سلطة عليها، بل لرجال هذه الميليشيا السلطة على الجهات الرسمية، والقدرة على تصفية أي صوت معارض دون أن يجرؤ أحد مجرد سؤالها، فما بالك حسابها! وقتل مشايخ السنة، وشيوخ عشائرهم، ونوابهم، وعلمائهم دليل صارخ على تغول هذه الميليشيات، ومصادرتها للدولة الرسمية، أو ارتهان الدولة الرسمية لها، إذ لم يدن متهم واحد بكل هذه الجرائم.

واللافت أنَّ إرهاب وتطرف هذه الميليشيات منظم ومدروس، ويُؤَمن له الدعمان المادي والعسكري، ناهيك عن توفير الغطاء السياسي محلياً ودولياً، فالرعاية التي قدمت للحوثيين من الأمم المتحدة عبر غض الطرف عن ممارساتها، والتحاور معها كفصيل سياسي، وللأسف أسهمت اللامبالاة العربية بتفاقم المشكلة، واضطرارهم لحل إسعافي تمثل بعاصفة الحزم. ومعلوم أنّ هذا الإرهاب الميليشياوي الطائفي المنظم هدفه إخضاع الدولة لقوى خارجية، أو تدمير الدولة بصراعات طائفية مذهبية بين أبناء مكونات الوطن الواحد، وهذا هو الحاصل؛ فبدلاً من حصول السوريين والعراقيين واليمنيين على حريتهم، أدخلتهم هذه الميليشيات في صراعات حرفت الثورات عن هدفها النبيل.

أما تنظيم الدولة فلا يتعدى وجوده كونه حالة طارئة، وردة فعل عنيفة متطرفة سرعان ما ستزول، لأنّ "المكون السني" الذي يدعي التنظيم تمثيله رافض له حقيقة، واقتناع بعض السنة أنَّ تنظيم الدولة ضرورة عائد لغياب قوة عربية فاعلة على الأرض، تقف بوجه تطرف هذه الميليشيات الطائفية، وبمجرد وجود قوة عربية فاعلة تقف بوجه هذه الميليشيات على غرار ما فعلته السعودية وحلفاؤها ضد ميليشيا الحوثي في اليمن، فإنَّ تنظيم الدولة سيذوب، ويلاحظ المتتبع خفوت صوت القاعدة، وانكسار نبرة تنظيم الدولة، فهذه الميليشيات تمنح تنظيم الدولة الشرعية، والمسوغات لكل ممارساته،  فالتعامل يجب أن يتمّ أولاً مع الفعل الميليشياوي الطائفي لا مع ردوده، والأمر لا يقتصر على العراق وسوريا، فميليشيا حزب الله عطلت الدولة اللبنانية بفعلها الطائفي، وينتظر العرب –للأسف- ردة فعل سلبية من المكونات الأخرى ودمار لبنان حتى يتدخلوا!.

وهناك بون شاسع بين الميلشيات الطائفية وتنظيم الدولة، ومُقارنة بسيطة بين جرائم الميليشيات الطائفية وممارسات تنظيم الدولة تُوضح خطورة الميليشيات الطائفية، فلم يقتل التنظيم بمقدار ما قتلت الميليشيات، ولم يثبت بحقه اغتصاب النساء، في حين فعلت الميليشيات الطائفية كل ذلك وأكثر.

الميليشيات الطائفية في لبنان أو اليمن أو العراق أو سوريا، تسعى لبناء دولة داخل الدولة لتعطيل الدولة أو السيطرة عليها، ومهمتها خلق الفتن، وابتكار الصراعات في الإقليم على أساس مذهبي طائفي عفن، وتدمير منظومة التعايش السلمي بين أبناء المجتمع الواحد، وبالتالي فإن بقاءها يعني تأجيل بناء الدولة العربية الحديثة.
التعليقات (1)
محمد أمين
الإثنين، 06-04-2015 11:33 ص
مصيبتنا بالخذلان العربي وليس الميلشيات، رغم انه الميلشيات خطيرة دمرت بنية الدول التي دخلتها.