قضايا وآراء

مذبحة جديدة للصحافة تحت حكم العسكر

قطب العربي
1300x600
1300x600
الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات المصرية برئاسة القاضي ناجي شحاتة يوم السبت، فيما عرف بقضية غرفة رابعة والمركز الإعلامي بها، هو مذبحة جديدة يرتكبها قاضي الإعدامات ناجي شحاتة، الذي سبق أن أصدر عدة أحكام بالإعدام من قبل، والذي لم تقتصر عداوته على الإخوان المسلمين بل تعدتها إلى كل ما ينتسب ومن ينتسب لثورة يناير، ولا ننسى أنه هو الذي أصدر حكمه بحبس أحمد دومة ومعه 230 من الشباب في أحداث مجلس الوزراء وتغريمهم 17 مليون جنيه.

قاضي العسكر ناجي شحاتة أيضا هو القاضي الأكثر كراهية للصحفيين، فقد شمل حكمه في قضية رابعة أول حكم إعدام بحق كاتب صحفي هو وليد شلبي، والسجن المؤبد لـ 14 إعلاميا بينهم 7 أعضاء بنقابة الصحفيين، وهو أكبر عدد من الصحفيين والإعلاميين تضمهم قضية واحدة ويصدر ضدهم هكذا حكم، وهو ما يعد مذبحة جديدة ضد الصحافة تضاف إلى مذابح سابقة ضد الصحافة للحكم العسكري في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وهو حكم سياسي بامتياز يستهدف اتخاذ هؤلاء الأحرار رهائن لدى السلطة العسكرية الحاكمة تساوم بهم في معركتها ضد معارضيها من أنصار الشرعية، وهو ما يستوجب انتفاضة من جميع الصحفيين الأحرار دفاعا عن زملائهم قبل أن يلحقوا بهم في زنازينهم، أو حتى مشانقهم.

قبل حكم الإعدام وأحكام المؤبد الخاصة بالإعلاميين في قضية المركز الإعلامي برابعة أصدر القاضي إياه حكما بالحبس المشدد ضد الصحفيين والمتعاونين مع قناة الجزيرة الإنجليزية فيما عرف بخلية ماريوت والتي ضمت 20 متهما بينهم 12 إعلاميا.

ما أشبه الليلة بالبارحة، فعسكر اليوم يقتلون الصحفيين في الشوارع ( قتلوا 11 صحفيا منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013) ويصدرون أحكاما بالقتل أو السجن المؤبد أو المشدد ضد عشرات الصحفيين، ويغلقون صحفهم وقنواتهم، ويداهمون بيوتهم ومكاتبهم، ويحتجزون العشرات رهائن في سجونهم يهددونهم بمصير مماثل لزملائهم، ويتهمونهم بنشر أخبار كاذبة وتهديد الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والتخابر مع دول أجنبية، وعسكر الأمن سبقوهم إلى ذلك بإسفاف، فقد أحال قادة انقلاب يوليو 1952 الصحفي الكبير مصطفى أمين مؤسس أخبار اليوم إلى المحكمة بتهمة التخابر مع أمريكا، وحكمت المحكمة بحبسه 9 سنوات، ليخرج من السجن عام 1974 بعفو صحي بعد أن قضى 7 سنوات، وقد قررت المحكمة تبرئته من تلك التهمة لاحقا حين تمكن من إعادة المحاكمة بعد وفاة عبد الناصر، كما أصدر قادة انقلاب يوليو 1952 قرارا بحل الأحزاب في 16 يناير 1953 ما ترتب عليه وقف صدور الصحف الحزبية وتشريد صحفييها، وتلت ذلك بإغلاق الصحف الخاصة في 2 إبريل 1954، ضمن قرار للمجلس العسكري الحاكم بتطهير الصحافة شمل أيضا حل نقابة الصحفيين، وتغيير قانونها ليتماشى مع النظام العسكري الجديد، واستبعاد العديد من الصحفيين الرافضين للانقلاب العسكري، ثم صدر في 24 مايو 1960 قانون تنظيم الصحافة وبمقتضاه تم تأميم صحف دار أخبار اليوم والأهرام وروز اليوسف ودار الهلال.

هل يتذكر صحفيو اليوم أن قادة الحكم العسكري في الستينيات هم الذين نقلوا  عشرات الصحفيين لوظائف إدارية في مؤسسات قطاع عام أخرى؟! ففي سبتمبر 1964 تم نقل 40 من صحفيي دار التحرير إلى إدارات العلاقات العامة بالقطاع العام، وفي فبراير 1966 تم نقل 38 صحفيا من أخبار اليوم إلى أعمال غير صحفية خارج المؤسسات الصحفية تماما.

استمر عداء الحكم العسكري للصحافة والصحفيين في عهد الرئيس السادات، إذ لم يحتمل الرجل بيانا وقعه عدد من الكتاب والصحفيين أبرزهم نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم في يناير 1973 نشرته الصحف اللبنانية ينتقد عدم وضوح الموقف من الحرب ضد إسرائيل لاستعادة الأرض المحتلة، ويؤيد مظاهرات طلاب الجامعات، وقد تسبب هذا البيان في فصل 64 صحفيا من نقابة الصحفيين في 4 فبراير 1973 بعد إسقاط عضويتهم في الاتحاد الاشتراكي (التنظيم السياسي الوحيد في مصر حينئذ) بدعوى خروجهم على الخط الوطني ومعاداتهم للوحدة الوطنية واستغلال مواقعهم الإعلامية الحساسة في الصحف والإذاعة والتلفزيون ووكالات الإعلام في إثارة الجماهير، وفقا لكلام صلاح عيسى أحد أولئك المفصولين، وهو الذي يتولى حاليا موقع الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة ويدافع عن حكم العسكر وعن عصفه بالحريات العامة والصحفية. 

لكم أن تعرفوا أيضا أن قائمة المفصولين من النقابة وبالتالي المحرومين من ممارسة العمل الصحفي الـ 64 ضمت شخصيات بحجم الدكتور لويس عوض، ومحمد عودة، وأحمد بهاء الدين، ولطفي الخولي، ويوسف إدريس، وألفريد فرج، ميشيل كامل، ثم توسعت القائمة فيما بعد ليصل العدد إلى 111 كاتبا وصحفيا يصفهم الدكتور غالي شكري (الذي كان من بينهم) في كتابه "الثورة المضادة في مصر" بصفوة العمل الفكري والأدبي والفني في مصر.

ولكم أن تعلموا أيضا أن هيئة النظام بالاتحاد الاشتراكي التي أصدرت قرارات الفصل تكونت من حافظ بدوي الذي أصبح رئيسا لمجلس الشعب فيما بعد، ومحمد حامد محمود، وأحمد عبد الآخر، ويوسف مكادي، ومحمد إسماعيل عثمان، وأحمد كمال أبو المجد الذي لايزال يعيش بين ظهرانينا مدافعا عن الانقلاب العسكري وجرائمه ضد الحريات العامة، وفي القلب منها حرية الصحافة.

تكررت ملاحقة الصحفيين منتصف العام 1978 حيث أحالت السلطة ستة من الكتاب إلى المدعي العام الاشتراكي، وهم محمد حسنين هيكل وأحمد حمروش وصلاح عيسى وأحمد فؤاد نجم وفريدة النقاش ومحمد سيد أحمد بتهمة كتابة مقالات في الصحف العربية، وصفت بأنها تسيء إلى سمعة مصر وفقا  للقانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن «حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي» وهو قانون لم يكن قد مضى على صدوره سوى عدة أسابيع، وفقا لأقوال صلاح عيسى.

وحين اشتدت المعارضة لزيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيعه لاتفاقية كامب ديفيد، أصدر السادات في 5 سبتمبر 1981 قراره الشهير بالتحفظ على 1536 معارضا بينهم عدد كبير من الصحفيين منهم محمد حسنين هيكل، وصلاح عيسى، وحمدين صباحى، وفريدة النقاش، والدكتورة عواطف عبد الرحمن، وعبد العظيم مناف، ومحمد عبد القدوس، ومحمد سلماوي، وحسين عبد الرازق.

لم يشذ عصر مبارك عن سابقيه من الحكام العسكريين إذ إنه أغلق جريدتي الشعب وصوت العرب، وحبس خمسة من صحفيي جريدة الشعب، كما حبس من اليسار الصحفيين محمد السيد سعيد ومدحت الزاهد، واختفى الصحفي رضا هلال حتى الآن، ناهيك عن تقييده لحرية الصحافة بالقانون 1993 الذي أسقطه الصحفيون في معركة شهيرة في العام 1995.

وهكذا يتضح أن ما يتعرض له الصحفيون اليوم وغالبيتهم من التيار الإسلامي تعرض له صحفيون من تيارات يسارية وليبرالية من قبل، وسيتعرض له صحفيون من توجهات أخرى أو حتى لا يحملون أية توجهات غدا طالما استمر حكم العسكر.
التعليقات (0)