قضايا وآراء

اختبار الأمة في مادة الحكمة اليمنية

محمد مراح
1300x600
1300x600
ليس من الإسلام ولا الإنسانية في شيء أن أقول في فاتحة هذا المقال عبارة (في سياق أزمة اليمن )؛ لأن العبارة حينئذ تحمل دلالة شعورية لا تليق بمسلم يرقب المحرقة التي ينداح أوارها، وتعلو ألسنة لهبها في سماء تظل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

لذا وجب علي عقائديا وأخلاقيا وإنسانيا أن أقول: في أتون الحيز الجديد الذي امتدت إليه المحرقة التي نُصبت للأمة في كياناتها الأساس وهي دولها، وآخرها اليمن، أعرض وجهة نظري، مستثمرا حالتين متناقضتين شكلا ومضمونا هما: رؤية ثقافية تضمنها مقال الأمير طلال بن الحسن، والثانية: ما تم تداوله من رؤيا أحد العلماء للنبي صلى الله عليه وسلم، وما حملته تلك الرؤية من دعم مشروعية الحرب الدائرة في اليمن.

يندرج مقال الأمير الحسن بن طلال ولي العهد الأردني السابق ورئيس المنتدى الفكري العربي (اليمن وآفاق الصراع ومناخ الخوف)، الذي نشرته صحف ومواقع عديدة، محللا الحالة وفق معطيات تاريخية، واجتماعية، وسياسية، وجغرافية سياسية، ومذهبية يمينة. ويطرح رؤيته القمينة بالحل الذي يراه مناسبا للوضع القديم المتجدد هناك. 

والرؤية تُطل من نافذة حقوقية وتطويرية للمجتمع، وفق قواعد حقوق الإنسان، وتمكين المجتمع اليمني من الدخول في عصر الديمقراطية والتنمية، كما قال: (الحل يجب أن يكون جزءا من حلول إقليمية لترسيخ الاستقلال المتكافئ والمتكامل لشعوب ودول الإقليم لبناء عتبة إنسانية لاستقرار الإقليم الاندماجي الموضوعي، فاليمن جزء من معادلة إقليمية، لكنه بلد ذو خصوصية لذلك لا يمكن أبداع الحلول له من خارج رحمه اليمني الخالص، والذي يجب أن يكون حلاً يتعهد بإقامة نظام من العدالة والكرامة في صعدة، ويحقق لها التنمية الحقيقة، مع السماح بالتقاضي واستعادة الحقوق).

لكن ما يلاحظ أن هذه الرؤية الجيدة في جوهرها ترتطم بكم من ركامات جبلية أبرزها: الصراع الإقليمي بالوكالة بالغطاء المذهبي الطائفي، وهي السمة الأشد بروزا في جل الصراعات التي تشهدها المنطقة العربية تحديدا -تواري المصالح الدولية الحقيقية وراء كل حالة حسب الأهداف الحقيقية التي يُخطط لها بالضبط؛ كي تصب في حساب الرعاة الحقيقيين لكل المشاهد المتعفنة في المنطقة- المطابقة المتعسفة بين المصلحة الوطنية ومصالح حكام الشخصية والعائلية والقبلية، و إندغام هاته في مصلحة الرعاة الكبار - تصارع إرادات الهيمنة الإقليمية على المنطقة وفق الوصفة الطائفية أنجع تعلة لتسيير الأمور، والتأثيل لها عونا على القبول والتجاوب الداخلي والامتدادي - إرث التخلف الحضاري القروني الذي يرزح تحته المجتمع اليمني، الذي تحرص الحوادث على نمائه - صلة كل ما يحدث هناك وفي كل المنطقة بالمشروع الكبير المراد لأمة - عدم أهلية المحيط الإقليمي اليمني في أغلبه للعون على تطبيق الوصفة الحسنية الطلالية الجيدة؛ لكن هذا المحيط فاقدا لصورتها العملية داخله - والتحدي الأكبر إزاء كل النماذج القائمة هو القدرة الفكرية والتحليلية الذكية الواعية في الكشف عن الجوهر والعرض في كل ما جرى ويجرى في العالم العربي، و موقع العمق الحضاري الإسلامي (أهم قسمة تجمع هذا المحيط العربي ) من كلا الوجهين (العرض والجوهر ).

 أما النموذج الثاني فيتعلق بما تداولته مواقع موثوقة ومنها حساب الدكتور علي العمري في فيس بوك حول رؤيا الشيخ الحسن الددو للنبي صلى الله عليه وسلم، وما استخلصه من مشهد ووقائع الرؤيا من مشروعية الحرب هناك واندراجها ضمن الجهاد الشرعي. 

فهل نحن إزاء مصدر جديد من مصادر التشريع الإسلامي هو رؤيا العلماء ؟ إذا كان عمل الصحابي مصدر مختلف في حجيته، فكيف يُستنبط حكم شرعي من رؤيا مهما بلغ كعب صاحبها في العلم تظل رؤيا. والحرب في اليمن مهما بدا ظاهرها طائفيا تندرج ضمن التسابق الدولي من خلال الدفع بالقوى المحلية في المنطقة العربية والإسلامية نحو تثبيت المراكز المتناقضة فيها، لتناوب تحريكها المناسب لكل مرحلة أو ترتيب تكتيكي ضمن الاستراتيجية الكبرى لمستقبل المنطقة، التي - فيما يبدو لي - أنها تأسست على مبدأ جوهري هو: التعمية على معالمها، وأهدافها النهائية. وأفضل ما يساعد على الغفلة عن هذا، ويحقق في الآن ذاته أفضل النتائج غير المعروفة على وجه الدقة الدفع نحو صور من التعاضض المذهبي بتفعيل إكسير (الفتنة ) التي تُعد واحدة من خصائص وثوابت السلوك التاريخي الإسلامي. ويكون من نتائجها الباهرة .

-مثلا- الانتهاء بقوى المقاومة في الأمة (حماس وحزب الله مثلا) إلى التحطم على صخرة الفتنة الداخلية؛ بالولوغ فيها كما هو شأن حزب الله في سوريا، وتأييد حملة عسكرية كتأييد حماس غير المباشر عاصفة الحزم. 
     
 ما يجرى في اليمن الآن نتيجة منطقية لإرث سلوك سياسي في المنطقة، أدى لتهيئة اليمن لهذا المصير المحزن، فكان -حسب قانون ملأ الفراغ - أن تتقدم القوة أو القوى التي ترى مصلحة حيوية فيملئه فتملأه. 

فإجلالا لمقام النبوة الكريم وجب تجنيبه هذا الاتكاء الغريب لتعزيز مواقف وفتاوى معينة مناسبة للحالة.

والمحزن أنها تأتى في سياق صنع شائعات وأخبار (فتوية) من أغرب ما يمكن أن يتخيله عقل بشري سوي؛ كما نُسب افتراء لمفتي السعودية أكل الزوج لزوجته إذا جاع، فحولوا فقيها إلى مبدع أساطير !! فإن أمعن كل فريق من المتنازعين في إبداع مثل هذه الفتاوى والتكُؤات على الروئ والمنامات، وألحقنا بها ما عجت به الساحة الإعلامية والدينية في خضم الأزمة المصرية، فالمؤكد - إذا ضممناها للمشهد الداعشي - سيستوى الحال على مشهد إسلامي يثبت الصور السلبية عنه في الضمير والمخيال العالمي عن الإسلام، فيصير أفضل دعم للإرث التاريخي الذي كونه الاستشراق والإعلام العالمي عن الإسلام ونبيه والمسلمين. 

الأزمة في اليمن سياسية في جذورها، ومن المنطق البحث لها عن حل سياسي قريبا، ومن كان يرحب أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسألة، فليأتي من الطاعات في يقظته، ويكثر من الدعوات بما قد يعود به إثر يقظة قريبة إن شاء الله من أحد نوماته بإلهام نبوي شريف يدفع بالأمة نحو الرجوع إلى صوابها، والتوافق على عناصر ومبادئ تكفل التعايش بين فرقائها، في حدود الاحترام، والتماسك عن مواقع بعضها المذهبية والمعتقدية. ولنعتبر من التاريخ هل أنهى فريق من الأمة فريقا خلال ما ينيف عن أربعة عشرة قرنا ؟ إذا كان الجواب من البداهة ما لا يسمح لنا بتغابي القارئ فندلل له على قول (لا)، فمن النافع لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، التسامع إلى صوت التحاور معبرا ومأمنا حتميا لرسم ميثاق تعايشها فيما بينها، للتفرغ لبحث مشكلاتها الحقيقية، وفي مقدمتها: البحث الجاد عن حلول عاجلة للكوارث التي نشأت عن التهالك الفتني داخل أتى أو يكاد أن يأتي جذريا على وجود دول مركزية (العراق وسوريا ) ودول هامة (ليبيا واليمن).
0
التعليقات (0)