مقالات مختارة

ثوار سوريا: انتصارات استراتيجية

طلعت رميح
1300x600
1300x600
كتب طلعت رميح: دخلت الحالة السورية مرحلة ووضع الحركة بوتائر متسارعة لتحقيق تغيير حقيقي وكبير على الأرض لمصلحة الثوار، فالمعارك العسكرية الجارية في مناطق سوريا المختلفة تظهر تقدما كبيرا للثوار..

وهناك من الانتصارات ما يحقق اختراقات استراتيجية للأوضاع العسكرية على حساب نظام بشار، بل يمكن القول إن بعض تلك الانتصارات صار يعكس دوران الحركة الاستراتيجية للأوضاع العسكرية، في اتجاه مضاد وعكسي للمرحلة التي تحقق فيها للنظام بعض من التقدم، بعد تدخل حزب نصر الله والميلشيات الطائفية العراقية والحرس الإيراني في الحرب لمصلحة النظام.

وإذ يبدو تحرير إدلب هو درة هذا التغيير الاستراتيجي، فالأمر ذو الدلالة أيضا هو أن تحريرها بات نقطة تطوير استراتيجي باتجاه مناطق أخرى، أو بالدقة باتجاه الضغط على اللاذقية، التي كان ابتعاد الثوار عن الوصول إلى أطرافها أحد مقومات بقاء النظام لرمزيتها، وباعتبارها الخزان البشري لقوات النظام.

والحال في دمشق ليس أقل أهمية، إذ المعارك الجارية هناك الآن، تظهر تعاظما في القدرات الاستراتيجية للثوار على أبواب العاصمة أو بالانتقال من ضواحيها إلى مراكز الدولة، إذ بات الثوار في وضع المتحرك للوصول إلى نقاط الضغط المباشر على قلب نظام ودولة وقصر بشار، وهناك باتت المعارضة تحرز تقدما تصاعديا وبوتائر لا تحيد عنها في معارك الجنوب، كما تحرز تقدما مطردا في معارك القلمون في مواجهة مباشرة لمجموعات حزب نصر الله، الذي مثل تدخلها في معارك تلك المنطقة تحديدا، عامل تأثير حاسم في نتائج المعارك السابقة.. إلخ.

والأهم في تأثير ودلالات تلك المعارك، أنها تحمل وضعا مختلفا للثوار، بما يجعل منها تحولا استراتيجيا مهما ومؤثرا على اتجاه حركة الصراع الحالية والمقبلة. في تلك المعارك، يظهر الثوار متحدين إذ يخوضون معاركهم بتشكيلات مشتركة ثابتة وبأعداد كبيرة، وهو أمر يمثل تطورا لافتا في رؤاهم السياسية بقدر ما يظهر تطور فكرهم العسكري، إذ نحن لسنا أمام مجرد عملية حسابية لتجميع أعداد أكبر من الثوار لخوض معركة واحدة، بل نحن أمام دراسة وتوزيع للقوات والأسلحة وتكتيكات الحركة بين فصائل متعددة في جيش موحد خلال خوض كل معركة.

وتظهر تلك المعارك أنماطا جديدة من قدرات الثوار على التخطيط والحسم في تنفيذ الخطط، إذ لم تستغرق معركة إدلب سوى ثلاثة أيام، ومعركة السيطرة على المعبر الحدودي الأخير للنظام مع الأردن سوى عدة ساعات.. إلخ

وتظهر تلك الانتصارات التي حققها الثوار أنهم في وضع التطور والتوحد، فيما جيش بشار وميلشياته في وضع تراجع القدرات واضطراب التحالفات التي أدت لإبقاء النظام، وتلك هي النقطة الحاسمة في الصراع، فالأنباء الواردة من ساحات المعارك تتحدث عن حالة من الاضطراب في علاقات نظام بشار وحلفائه، وأن الارتباك قد وصل في بعض الأحيان إلى نمط من الإرباك خلال خوض المعارك، وتناثرت أنباء عن وقوع تصفيات فيما بينهم.

لكن اللافت أكثر هو أن المعارك صارت وحدها في الساحة، إذ توقف كل حراك سياسي ودبلوماسي، وفي ذلك دلالات أخرى، أولها أن النظام وحلفاءه قد وصلوا الآن إلى مرحلة اليقين بفشل خطتهم العسكرية التي اعتمدوها من قبل، حين تصوروا قدرتهم على تغيير التوازن الاستراتيجي العسكري على الأرض؛ تمهيدا للدخول في مفاوضات يفرض فيها النظام ما يريد.. الآن هم صامتون سياسيا وإعلاميا لمراجعة أبعاد ما وصلوا إليه.

وثانيها أن القوى الدولية والإقليمية باتت هي الأخرى في وضع الصمت، بما يشير لحالة انتظار لما يجري من عملية حازمة لتغيير التوازنات على الأرض، تجبر النظام على تقديم التنازلات. 
وثالثا، فالأمر الظاهر والواضح هو أن رياح العاصفة التي هبت في اليمن وصلت بالفعل إلى سوريا.

والقادم مختلف بإذن الله.

(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية 24 نيسان/ أبريل 2015)
التعليقات (0)