صحافة دولية

فيسك: في أبو ظبي ديكتاتورية للمال وطموح لنشر التعليم

فيسك: أبو ظبي ثرية إلى أبعد الحدود وطموحاتها غامضة ولهذا يتحدث الناس همسا - أ ف ب
فيسك: أبو ظبي ثرية إلى أبعد الحدود وطموحاتها غامضة ولهذا يتحدث الناس همسا - أ ف ب
كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك في صحيفة "إندبندنت" البريطانية، عن التحولات في دولة الإمارات العربية المتحدة، والمشاريع العملاقة التي تقوم بها، مثل بناء متاحف كبيرة، واقتراض الأعمال الفنية، ونقل متحف اللوفر وغانينغهام إلى الإمارات لأغراض تعليمية.

ويصف فيسك المباني التي لا تزال قيد الإنشاء، حيث يشير إلى مسجد الشيخ زايد، الذي يستوعب 40 ألف مصل وأربعة ملايين عامل، حيث تعرف دول الخليج بمعاملتها السيئة لهم.

ويستدرك التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، بأن أبو ظبي، وهي الإمارة الرئيسة في الإمارات مع دبي، تعد ثرية لحدود الخيال. 

ويقول الكاتب إنه في الوقت الذي لا يمكن فيه وصف النظام الحاكم في أبو ظبي بما وصف به نظام صدام أو حسني مبارك أو القذافي، فإن كل من تحدث معهم في رحلته إلى أبو ظبي فضلوا عن عدم الإفصاح عن أسمائهم. وقال إن ما في أبو ظبي هو ديكتاتورية المال، وأضاف أن "أبو ظبي ثرية إلى أبعد الحدود، وطموحاتها غامضة، ولهذا يتحدث الناس بالهمس".

وإن كان فيسك لا يرى مشكلة في نقل التراث الفني إلى متاحف جديدة في دول مثل الإمارات، فإنه يتساءل عن الأعمال الفنية العارية، وكيف سيتم تلقيها في مجتمع شرقي، أعمال لغوغان وبيكاسو وبوسين مثلا؟

لكن مرافقه يقول إنه لا توجد مشكلة، حيث تحدث وهو يصف الأعمال الجارية لتوفير الحماية للمتحف، ومنع الأمطار من التسرب وتخريب الأعمال الفنية. ويعلق المرافق قائلا: "هذا مقبول كله، فهو فن يقصد منه التعليم".  

ويقول الكاتب: "كل هذا مقبول؟ إلا إذا تعامل تنظيم الدولة، المعروف باهتمامه الشائن بالفن، وعبر عن اهتمام بالمتاحف الحالية في أبو ظبي وهدفها التعليمي، وحاول تسريب المياه إلى الأعمال الفنية".

وبعيدا عن المتاحف يتساءل فيسك عن مسجد الشيخ زايد الكبير، الذي يحتوي على ثريات ضخمة وسجاد فاخر، وجاءت مواده التي بني منها من المغرب والصين وغيرها من المناطق، وبمشهده الضخم يعطي حسا كما يقول إنه يشبه كاتدرائية تعود إلى العصور الوسطى. والمعماريون وإن تجنبوا في عملهم المظهر الأسمنتي للمساجد التي بنتها السعودية في البوسنة المعروفة بمساجدها العثمانية فإن الحداثة الزائفة ملموسة، ويتساءل: هل المسجد تعبير عن الفن أم سلطة المال، كما هي سلطة الدين؟ ويقول إن الرسول الكريم محمد كان تاجرا، ولكنه كان متواضعا، فهل هذا المسجد متواضع؟

ويضيف الكاتب أنه عندما يكون لديك نسبة 9% من نفط العالم، و5% من غازه الطبيعي فماذا تفعل؟ هل تصرخ، أو ترسل المال لدعم جمعيات خيرية مرتبطة بالمتشددين؟

ويشير فيسك إلى أن أبو ظبي تقوم بعمل الخير، ولكنها ابتعدت عن ظلام الوهابية، التي يصفها بالنسخة القاتمة من السنية، التي تبنتها بشكل قاتل السعودية في القرن الثامن عشر.

ويقول الكاتب إن "فندق (إمارات بالاس) صورة عن الاختلاف، فقد نزلت فيه مرتين، ولكن ليس على حساب صحيفة (إندبندنت). ويجمع القصر في تصميمه ملامح مغولية وقوطية، وفيه ملمح من ملامح قصور صدام، ويذكر بسفينة التيتانيك الفارهة". 

ويصف الكاتب الذهب الحقيقي المستخدم في الجدران والأبواب، و1022 ثريا من الكريستال الخالص.. وقائمة من نجوم هوليوود وبوليوود، الذين نزلوا في غرفه، التي تبلغ كلفتها لليلة الواحدة  10 آلاف جنيه إسترليني. ويبين أن الفندق ضخم لدرجة يطلق عليه العمال الروس والمصريون فندق الرياضة؛ لأنهم يقضون يومهم وهم ينقلون الزوار من مكان إلى آخر، ويسيرون ما بين 10 إلى 15 ميلا.

ويرى فيسك أن الإمارة التي أنشأها الشيخ زايد، ويحكمها نجله الشيخ خليفة وشقيقه ولي العهد محمد بن زايد، ظلت كما يقول متأخرة في التعليم. فقد قال الأمير محمد بن زايد في مؤتمر قبل شهرين إنه يريد الاستثمار بالتعليم، وأضاف أنه "ربما لم يتبق بعد 50 عاما إلا برميل واحد من النفط، فهل سنحزن؟ ولو كنا اليوم نستثمر في القطاعات الصحيحة فإننا سنحتفل بتلك اللحظة".

ويبين الكاتب أن أبو ظبي نسخة ناضجة عن دبي، التي تعد أثرى مدينة في العالم. ولكن أبو ظبي ثرية بدرجة كبيرة، ولديها القدرة على إنتاج 2.3 مليون برميل في اليوم، وحجم استثماراتها كبير، والأرقام تظل سرية، وربما تصل إلى 700 مليار دولار، ولكن الرقم الأقرب هو 650 مليار.

ويشير فيسك إلى تأكيد الإمارة وقادتها على التعليم، كونه بديلا عن لغة الشركات والنفط الذي قد ينضب في مرحلة ما.

وعندما سأل فيسك أحد مستشاري وزارة الثقافة زكي نسيبة، عما يقوله الأمير محمد بن زايد. قال: "عندما بدأ العرب ثوراتهم طالبوا بالكرامة، وطالبوا بالمستقبل، ولكن عليك خلق (عادة) للنقاش من أجل قبول وجهة النظر الأخرى، وكل هذا له علاقة بالأيديولوجية الدينية في هذه البقعة من العالم، وهي حركة فاشية، تقوم على التلقين، وأعني ما أقول التلقين، حيث لا يُشجع الطلاب على التفكير الحر، فهم لا يستمعون إلى الموسيقى في سن الشباب، ولا يعرفون معنى الذهاب إلى المتاحف، وقد قال الشيخ زايد هذا في بداية عام 1968".

ويلفت التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن نسيبة يدير منحة "رودس" الدراسية التي ترسل طلابا إماراتيين للدراسة في الجامعات الغربية، ولهذا يجب أن تكون لدى الإمارات والدول الأخرى جامعات جيدة ومدارس والتزام بالتعليم والثقافة. ويتحدث المسؤولون في الإمارات عن الاستثمار في المستقبل والطاقة البديلة - الشمسية، وكذلك التعليم.

ويقول نسيبة للصحيفة إن "الأيديولوجية السياسية قد حلت محل التعليم في العالم العربي". ويعلق فيسك أن نسيبة تحدث عن المتاحف وعروض البينالي في الشارقة وأبو ظبي، ومن ثم ينطق كليشيه "تجعلني دائما شكاكا"، وهي "يجب أن تكون أبو ظبي نموذجا للمجتمعات حولنا، أنظر إلى الإعلام ومدينة الإنترنت وبنية الاتصالات".

ويفيد الكاتب بأن الغرب في الماضي دعا العرب إلى المشي وراء النموذج التركي، قبل أن يبدأ رجب طيب أردوغان بحبس الصحافيين، والتحدث عن المؤامرات. ولكن من الصعوبة معرفة ماذا تريد أبو ظبي فعله. فإذا كانت السعودية إمبراطورية الصلاة، وقطر إمبراطورية التلفزيون، ومصر إمبراطورية الناس الكثر، فأبو ظبي هي إمبراطورية التعليم العالي، وهو الشيء الوحيد الذي فشل العرب بالاستفادة منه.

ويوضح فيسك أن تنظيم الدولة هو تنظيم الأرواح الضائعة، ويحاول ولي العهد تشكيل جبهة لا عنف ضد التنظيم. ويعتقد أن هناك حاجة إلى إعادة النظر بفكرة العالم العربي الواحد التي اخترعها الغرب. وعلينا التفكير بعالم عربي من ثلاثة أجزاء: المغرب ومصر والمشرق وشبه الجزيرة العربية، دون اليمن، التي يمكن لبقية دول الخليج السقوط في وادي موتها. 

ويجد الكاتب أن الحديث عن التعليم كونه ضمانة للحياة، يأتي من دول الخليج مثل الإمارات وقطر والكويت، رغم فسادها.

ويوضح فيسك أنه مع التعليم تأتي الكرامة، ومعها يأتي العدل، ولكن هذا كلام عاطفي كما يقول. فمن الجميل معرفة المعاهد الموسيقية التي تدرس الموسيقى والفرق الموسيقية، ويستدرك قائلا: "لكنني وجدت في النسخة الصادرة من مجلة (تايم آوت) في أبو ظبي أن فيها 108 حانات ونواد ليلية، هل هذا يعني أنها تحاول تقليد دبي؟، هل يمكن أن تكون هناك نسختان من دبي، أو نسختان من أبو ظبي في الإمارات؟".

ويقول إن هذه الحانات والنوادي الليلية ليست للعمال الأجانب، ولا للطبقة المتوسطة، التي تزور الدول الغربية. 

وتنقل الصحيفة عن طبيب عراقي قوله إنه جاء إلى هناك بعد قراره واعتقاده أنه سيعيش حياة جيدة في أبو ظبي، ولكن الصفقة في أبو ظبي كما يقول "سندفع لك راتبا محترما وتعيش حياة جيدة، ولكن دون أن تكون لك حقوق".
 
ويختم فيسك بالإشارة إلى ما قاله الطبيب إن "غير الإماراتي لا يمكنه الدراسة في المدارس الحكومية، ويمكنك الذهاب إلى المستشفى في حالة الطوارئ، وأنا هنا خادم للبلد، وعندما لا أريد أن أواصل دوري خادما فما علي إلا أن أركب الطائرة وأعود إلى بلدي". ويضيف "كلنا هنا جئنا بدعوة أو بناء على رغبة".
التعليقات (0)