قضايا وآراء

ابتهالية في الحنين إلى مصر

محمد ثابت
1300x600
1300x600
اللهم مصر قلب الأمة نابض بالمحنة اليوم!

اللهم إنّا نضرع إليك من أجل أوطان عُبدتَ سبحانك فيها:

لم نعد نجد عقلاً يستوعب كلماتنا، حتى الأحباب أغلقوا العقول، أما الذين بيدهم القوة فأولئك لسنا نجد إلاك.. 

سماء أظلتنا، ونشأنا في معيّتها، ترعانا عينك، أيا رب، ولولا معيتك لما شبّ عن الطوق أحد في بلادنا، ونما فكره، وأفقا متلألئا تعلقت الروح به لأنه من سناك، أيا كريم، ونخيلاً حوى حباً وحنيناً..  وبيوتنا ائتنسنا بها..  وشفقاً أدمانا في رابعة والنهضة وربوع مصر..  اللهم إنك تعرف إنه.. ما هب طير إلا تمنينا لو طرنا معه إلى بلادنا..  وما اقترب منا نسيم.. إلا ذكرنا نسيماً حُرمنا من هبوبه في مصر..  وأهلاً وأحبة وصحبة، هم على البال وفي القلب وبين الحنايا على الدوام، ننام فيزورننا ونقوم من المنام فيتولوا أمرنا عنا..  لا نعدل الدنيا بهم..  ولا تساوي، لدينا، قلامة أظفر أصغرهم.. 

اللهم ناشدناك وجهك الأسمى، الذي ليس كمثله شيء، ونور بهاك وألقك، وعدل رفعته حتى سميت به نفسك، اللهم بلداً هو ليس بعض أنفسنا بل هو منا أنفسنا ولا مكان لأنفسنا، إن حضر، طرقاً مضينا فيها بالشجن، وألق ذكرى لأحبة رحلوا، ومقابرهم، المعروفة الظاهرية هناك، وتلك التي بالقلب منا، اللهم إن هؤلاء الراحلين "ربونا" على عدم الاستكانة للظلم والظلمة، وإن بيوتهم أوهى من بيوت العنكبوت..  فلا تجعلنا متخاذلين عن دحر ظالم..  ولا تقوي شوكته بضعفنا!

اللهم طرقاً صرنا فيها في حبور..  نجتاز الطرق المعروفة في حياة البشر..  والمراحل مقتنعين أو غير مقتنعين.. في الصعيد كما في الدلتا..  والساحل كما أسوان..  حاولنا الاقتناع إن حياتنا مستقرة وفق مرضاتك، وكلنا كنا واهمين إذ أثبتت القدرة الفريدة لك، ولا اعتراض لدينا، إنّا جميعاً كنا نتوهم..  لم نعرف قيمة قول أبي العلاء المعري:

تقِفونَ، والفُلكُ المُسخَّرُ دائرٌ..  وتقدِّرونَ، فتَضحكُ الأقدار 

اللهم بلاداً حوتْ أنفسنا..  فأحببناها برغبتنا، لأنك الذي أودعت فينا حب الأوطان ورسولك، صلى الله عليه وسلم، القائل، مع فارق التشبيه:..  ولولا إن أهلك أخرجوني منك ما خرجت..  

  اللهم إنا في الغربة..  أخرجونا منها كما أخرجوا أحب خلقك إليك..  فلا تحرمنا نسيم مصر ولا استنشاق هواءها قبل الوفاة.. ولا تطل أمد غربتنا، ومحنة واستشهاد واعتقال أهلها حتى نفقد الأمل، ولو إلى حين، في فرجك، أيا كريم، فإنا لنعرف جيداً..  إن فرجاً لن يتأتى إلا من رحابك..  وإن أسباب البشر قد ضاقتْ إن لم تكن انتهتْ!

  اللهم إنا أحببنا بلدك هذا فيك، فإن كنت تختبرنا ببعدنا عنها، كما اختبرت يعقوب، عليه السلام، بفقد يوسف لأن قلبه تعلق به أكثر..  ففقده حتى حين، ومن قبل إن كنتَ تختبرنا، مع فارق التشبيه، كما اختبرت إبراهيم بمحنة ترك إسماعيل، عليهما السلام، ثم بذبحه، اللهم إنا لراضون بالاختبار طالما إنه جاء من جنابك أنت سبحانك، ولكنا نعيذك، سبحانك، أن يكون اختبارك لنا نهايته الموت دون العودة!
اللهم تعلقت حبات القلوب بأرض عليها نشأنا ودرجنا..  وما أخطأنا.. وما أردنا إلا نشر العدل فيها ونهضتها ورفعة أهلها..  ولكنا خُطئنا وأخطأ البعض المؤثر منا..  فإن كان الخطأ دليل خلقك فينا..  لأننا بشر من صنع يديك.. فإنه لا يرضيك أن يفنينا أعداؤك وأنت يا رب تشهد.. 

  اللهم أخطأنا بحسن نية.. فما جزاء الإحسان، ولو كان بالخطأ البشري، الإبادة.. 

اللهم لا تمكنهم من دينك وأرضك وأعراضنا أكثر.. اللهم إنك إن تمكنهم يبيدوا كتابك وينشروا الفساد أكثر في رحاب أرض مؤمنة موحدة.. عرفت الطريق إلى الهدى ودينك وسنة نبيك.. 

اللهم إلى مَنْ تُسلمُ مصر وأرضك ودينك..  إلى عدو يتجهم. أم إلى شعب ملكته أمرنا..  ناكر للجميل..  يود لو شرب من دمائنا وسكر أكثر؟!.. 

اللهم إنها فتنتك نصيب بها من تشاء!

ولكن دينك أعز علينا من أنفسنا..  أو تتركهم..  يا رب..  يمحون معالمه.. ؟!

وتتركنا؟!

 اللهم مصر!

أفقا وسماء..  بلاداً ونخيلاً..  حباً بين الجوانح لا يهدأ ولا يقر..  ذكرى لن تنمحي..  دروباً سعدنا بها..  وأخرى بكينا حتى أفنانا البكاء..  وموضعا للصلوات.. 

 اللهم باسمك الأعظم لا تحرمنا..  

اللهم اشتقنا.. 

والشوق بعض من قبس روحك فينا.. فأقر نفوسنا قبل عيوننا.. 

وإنا لله وإنا إليه راجعون!
0
التعليقات (0)