قضايا وآراء

أسباب رفض قيادة الإخوان ترخيص الجماعة (2)

محمد العودات
1300x600
1300x600
هذا المقال غير معني بالخلاف الدائر في البيت الإخواني فلا شك بأن لكل من وجهات النظر المختلفة جزءا من الحقيقة ولديها جزء من الأخطاء وإن كان بنسب مختلفة ومتفاوتة.. هذا المقال لا يمثل سوى مناقشة الأسباب التي أوردها فضيلة المراقب العام الدكتور همام سعيد للجماعة الأم في تبرير رفضه لأسباب القبول بالترخيص كما قدمها أمام القواعد الإخوانية في عمان. هنا نناقش الأسباب المذكورة لتقديم صورة الأمور كما هي في الواقع أو إن صح التعبير لتكون هذه المقالات المرآة التي تنقل الواقع كما هو من غير حشد ولا حشد مضاد ولا هجوم ولا هجوم مضاد، نناقش الأسباب بموضوعية لنقدم للقواعد صورة كاملة عن حقيقة الأمور ليكونوا على بصيرة في طبيعة الصراع الذي يلتهم فكرتهم ويكونوا أكثر يقظة في التعاطي مع المشكلة والبحث عن حلول مستقبلية لها ووقف النزيف الدامي الذي أنهك الجميع.

 نناقش السبب الثاني لرفض الترخيص وهو "الخوف على دور الحركة الإسلامية في دعم المقاومة الفلسطينية".. ولفهم هذا الموضوع نناقشه من عدة وجوه:
 
- البيئة الديمغرافية في الأردن 

- مشروع حماس في و/أو من الأردن 

- القضية الفلسطينية رافعة شعبية للحركة الإسلامية

(1) البيئة الديمغرافية للأردن 

قد تكون الخارطة الديمغرافية في الأردن مختلفة عن جميع الدول العربية، الأردن أكثر بلد تأثر ديمغرافيا من القضية الفلسطينية وانعكست أثارها عليه بشكل مباشر بل انه كان حتى قرار فك الارتباط الإداري جزء من هذه القضية.

بعد هزيمة حزيران عام 1967 وخروج القوات الأردنية من الضفة الغربية بدأت الأمور تتعقد قانونيا وتطفو على السطح بشكل ملح.

 اعترفت إسرائيل بالوحدة بين الضفتين ضمنيا واستخدمت سياسة الجسور المفتوحة، فعمد ت وزارة الداخلية الأردنية بقيادة د. أحمد عبيدات من عام 1983 للتعامل مع واقع اللجوء القائم باستحداث نظام البطاقات الملونة فتم إعادة صياغة أوضاع المقيمين في الأردن من أبناء فلسطين على هذا الشكل:

- حملة جواز سفر برقم وطني أردني "يكون حامله أردني كامل المواطنة ويتمتع بكافة الحقوق السياسية"، أعطي هذا الجواز لمن لجأوا إلى الأردن بعد حرب 1948.

- حملة جواز سفر برقم وطني أردني ويحملون البطاقات الصفراء ويتمتعون بكافة حقوق المواطنة والحقوق السياسية الأردنية، وهم المواطنون الفلسطينيون من الضفة الغربية المقيمون في الأردن ولديهم تصريح لم شمل أو حق إقامة في الضفة الغربية بموجب إحصاء إسرائيل بعد حرب حزيران عام 1967، يستخدمون البطاقة الصفراء عند سفرهم بين الضفة الغربية والأردن وأصبحوا من حملة الجنسية الفلسطينية بعد اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كـعضو مراقب وبذلك يكون لديهم ازدواج في الجنسية العربية.

- حملة البطاقات الخضراء من أبناء قطاع غزة و الضفة الغربية ولا يحملون الرقم الوطني ولا يتمتعون بأي من الحقوق السياسية بعضهم يقيم إقامة عمل وبعضهم إقامة دراسة وبعضهم الآخر إقامة زيارة.

 تختلف التقديرات على حجم التشكيلة الديمغرافية في الأردن للمواطنين واللاجئين من أصول فلسطينية في ظل غياب إحصائيات رسمية معلنة حول هذا الموضوع لكن جميع التكهنات غير الرسمية تنحصر في أن النسبة المواطنين واللاجئين والمقيمين إقامة مؤقتة تتراوح ما بين 35% إلى 40% من جميع مكونات الشعب الأردني الذي يشكل بتركيبته خارطة الفسيسفاء المتنوعة عرقيا ودينيا لكنها نسب غير رسمية وغير علمية أيضا.

(2) هل لحماس مشروع في و/أو من الأردن؟

من يتابع الأمور يدرك بأنه ليس لحماس مشروع في الداخل الأردني يبدو من ظاهر التعامل أن حماس أكثر اقتناعا انه يجب أن لا يكون لها امتداد تنظيمي أو وجود عسكري أو حتى وجود سياسي في عمان كما كان الأمر من قبل وجود سياسي نظرا لتبدل المعطيات السياسية في المنطقة. 

التكهنات السياسية ترى بان الزيارة التي قام بها رئيس المكتب السياسي خالد مشعل إلى الأردن برفقة الشيخ تميم أمير قطر الحالي لم تكن زيارة بروتوكولات سياسية وعلاقات عامة بقدر ما كانت زيارة إعادة ترسيم العلاقة بين النظام الأردني والحركة، ترسيم على جميع الصعد السياسية والأمنية "العسكرية والتنظيمية "إذ التقى مشعل رأس النظام ومن ثم توالت اللقاءات مع جميع الجهات في الدولة لترتيب هذا الترسيم وإعادة صياغة العلاقة بكل ملفاتها، إذ لا زال النظام الأردني يتعامل مع حركة حماس كــ ملف امني لا ملف سياسي وان كانت هناك دعوات لفتح قناة سياسية مع الحركة إلا أن هذه الدعوات لم تلاقي القبول بالشكل الكافي لدى صناع القرار في الأردن وبقيت تدفع بتلك العلاقة إلى المربع الأمني.

بعيدا عن ترسيم العلاقة بين النظام الأردني وحماس وعلى سبيل الفرض الساقط بان لحماس مشروع ينطلق من الأراضي الأردنية ويحتاج دعم من الحركة الإسلامية فهل هذا ممكن؟

إذا ما كان لحماس مشروع ينطلق من الأردن فان ميدان هذا المشروع سيكون محله أو هدفه هو الضفة الغربية إذ أن غزة ستكون خارج هذا المشروع نظرا للبعد الجغرافي عن الأردن واتكاء مشروع غزة على البيئات التي لها معها تواصل جغرافي.

بيئة العمل المقاوم في الضفة الغربية ساقطة من ناحية الجيوبولتيكسيا إذ يمكن اعتبار الضفة الغربية منطقة حبيسة في المفهوم الجغرافي منطقة لم تعد كما كانت قبل الحسم إذ أن الحسم العسكري في غزة جعل السلطة الفلسطينية والسلطان الإسرائيلية أكثر حزم في ضبط الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية، ضغط أوقف جميع أشكال أنشطة المقاومة في الضفة حتى طال العمل الخيري وانحسر العمل السياسي وتوقف العمل العسكري بالكامل نظرا للتعاون والتنسيق الأمني الوثيق بين السلطة الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية.

قد يفترض البعض أن هناك دعم مالي تقدمه الحركة الإسلامية لحماس ومن يرقب المشهد الاقتصادي في الأردن يعلم بان حماس لا تستفيد من الساحة الأردنية في أي شيء مادي يساعدها في مقاومتها نظرا للظرف الاقتصادي السيئ الذي يعيشه المواطن الأردني والذي يمكن أن يدعم المقاومة بل على العكس من ذلك أن ما تملكه حماس من أموال وعلاقات دولية توفر لها التمويل اللازم لاستمرار مشروعها اكبر بكثير من فتات تبرعات تساهم فيها الحركة الإسلامية إن وجدت.

قد يظن البعض أن حماس لها نشاط عسكري في الساحة الأردنية مدللين على ذلك بما تتداوله وسائل الإعلام من محاكمات سابقة أمام محكمة امن الدولة لخلايا لحماس تعمل على تهريب السلاح وما يتم تداوله من المحاكمات الجارية حاليا أمام محكمة امن الدولة لما يسمى بخلية حماس، لا شك بان قيادة حماس تعلم الظرف السياسي جيدا وأنها لا تتخذ الأراضي الأردنية ساحة لأي عمل عسكري ولو على سبيل مرور السلاح وان تم ذلك على سبيل "الفرض "فيكون تفلتات فردية غير تنظيمية لا تسال عنها قيادة حماس ولا تمثل توجه أو قرار مؤسسي وإنما تصرفات فردية غير مسئولة تضر حماس وتحرجها رسميا، كما أن حماس تتبرأ دوما من تلك الأعمال علانية وتنفي أي صلة لها بتلك التصرفات.

كل هذا يؤكد بان الحركة الإسلامية في الأردن لا تقدم للمقاومة في فلسطين أي نوع من أنواع الدعم المادي أو العسكري وان حماس تنظر إلى الأردن كساحة لها خصوصيتها والتي تتداخل بها هوية المواطنة الأردنية والهوية الفلسطينية مما يجعل تعاطيها مع هذه الساحة يكون بشكل مختلف تحترم به سيادة الأردن وتقدر طبيعة حق المواطنة وما يفرضه من التزامات.

موضوع دعم المقاومة ليس أكثر من كونه ارتباط روحي تتغذى وتعتاش عليه الحركة الإسلامية ويحقق لها رافعة سياسية في أوساط التجمعات الشعبية إذ يمكن أن نقول بان حماس هي من يقدم الدعم للحركة الإسلامية وليس العكس من خلال ارتباط الحركة الروحي بالدم الفلسطيني واعتبار أن حماس خرجت من عباءة الإخوان وابنتها الشرعية في الأراضي الفلسطينية.

الحديث عن أن الترخيص يعني الخوف على دعم المقاومة حديث يوحي للمستمع وكأنه هناك دعم خفي لهذه المقاومة وان من شان الترخيص منع هذا الدعم إلا انه حديث لا يتطابق مع الواقع وان الدم الحمساوي هو من يقدم الدعم الشعبي للحركة الإسلامية وليس العكس.

(3) القضية الفلسطينية رافعة شعبية 

الحديث السابق لا يعني أن تتخلى الحركة الإسلامية عن القضية الفلسطينية بل يمكن القول بان الحركة ليس لها موطأ قدم سياسي في الأردن فيما لو تخلت عن القضية الفلسطينية أو أهملت العناية بها.

القضية الفلسطينية يمكن خدمتها وتمكينها ومساعدتها والمساهمة المتاحة في تخليصها من الاحتلال في الساحة الأردنية من خلال :-

•مأسسة العمل من اجل حق العودة وتحويله من خطب وشعارات إلى مؤسسات تعمل بشكل دائم ومستمر وبرامج فاعلة تؤكد وتغرس حق العودة في الأجيال القادمة حتى تحين ساعة الخلاص.

•الإجابة على الأسئلة الملحة المتعلقة بحق العودة وفكرة الوطن البديل وما يرتبط بها من الحديث عن جدلية الحقوق السياسية والحقوق المدنية وموضوع التجنيس وعدم الهروب للأمام والبحث عن مقاربات سياسية وقانونية تحفظ بها الهوية الفلسطينية من الذوبان وتحصن الهوية الأردنية من شبح الوطن البديل رؤية يلتف حولها الشعب بكل مكوناته وأطيافه لتفويت الفرصة على كل من يحاول أن يمس الهوية الأردنية والهوية الفلسطينية.

•العمل على تحويل الهوية الأردنية إلى هوية حاضنة للقضية الفلسطينية وإزالة أثار الأخطاء التي حاولت أن تظهر الهوية الفلسطينية كهوية مناقضة ومنافسة للهوية الأردنية في الأولى منجاة وتكامل وفي الثانية هلاك وتآكل.

•العمل على توعية المكون الفلسطيني بان العمل من اجل القضية الفلسطينية يكون من خلال بناء أردن أقوى مما يعني دولة أقوى واقدر في دعم القضية الفلسطينية وتطلعات الشعب الفلسطيني في الخلاص.

•التعزيز والتمكين والدعم للدور المتاح لوزارة الأوقاف والمقدسات الدينية ومؤسسة الأعمار الهاشمي في القدس لمساعدة أهل القدس وبقاء المسجد الأقصى واقفا في وجه عاصفة الهجمة الصهيونية.

•العمل على تأسيس أعلام يخدم القضية الفلسطينية والمقاومة ويحافظ لها على الزخم الشعبي المطلوب في كل مكونات الشعب الأردني وبكل أطيافه.

•تقديم الدعم المعنوي لكفاح الشعب الفلسطيني من خلال المظاهرات والمسيرات والمهرجانات والوقفات الاحتجاجية الخ بما يلفت الأنظار العالمية لمظلومية هذا الشعب واحتلاله وعدالة قضيته.

يمكننا القول بان جميع الأنشطة لدعم المقاومة الفلسطينية - باستثناء الدعم العسكري والوجود التنظيمي وهذا ما لا تمارسه حماس في الأردن - يمكن تحقيقه سواء كانت الجماعة جماعة مرخصة أو جسم تنظيمي غير مرخص.

نتمنى على حركة المقاومة الإسلامية حماس أن ترفع الغطاء عن كل من يحاول الظهور بمظهر حماس أو انه محسوب على حماس في الداخل الإخواني وكل من يحاول توظيف الدم الفلسطيني والحمساوي في صراعات الإخوان الداخلية لتبقى المقاومة الفلسطينية معمدان نور لأمة بكاملها وليس لفئة أو لتنظيم أو طرف داخل التنظيم.

بذات الوقت نتمنى أن تبقي قيادات الإخوان المتصارعة القضية الفلسطينية ودعم المقاومة الفلسطينية خارج ميدان التدافع وتوظيف الصراع الداخلي ودغدغة العواطف حتى تبقى القضية الفلسطينية هم الجميع وملك الجميع والشيء الذي يلتف حوله الجميع في مواجهة مشروع صهيوني مجرم وظالم ينتهك حرمة الأرض والإنسان والتاريخ.
0
التعليقات (0)