قضايا وآراء

الإسلام في ظل التحديات المعاصرة !!

عمر ملكاوي
1300x600
1300x600
منذ اللحظات الأولى لبزوغ شمسه وذيوع صيته، أقبل عليه الناس أفواجا وجماعات مؤمنين إيمانا عميقا بما جاء به من أحكام وقواعد ناظمة تحقق سعادة الدنيا وفوز الآخرة، حتى أصبح في فترة وجيزة قياسية دينا يدين به معظم سكان الجزيرة العربية وما حولها، وأصبح أتباعه أعظم قوة على وجه المعمورة بعد أن كانوا قلة مستضعفينَ لا يحسب لهم أي حساب في موازين الدول الكبرى أمثال الفرس والروم.

لم يكن للإسلام أن يبلغ ما بلغه من فراغ، بل لا شك أن هناك عوامل محددة وخصائص تميزه عن غيره من الديانات والتشريعات الأخرى، ولعل أهم تلك العوامل تلك السمة والطابع العام الذي يمثله هذا الدين العظيم بصفته دينا يدعو إلى التسامح وتحقيق مبدأ العدل ونبذ العنف والتطرف، فهو دين سهل يسير يسعى إلى تمثل الوسطية في كافة أمور الحياة وشؤونها المتعددة.

وهذا ما أشارت له الكثير من النصوص الشرعية الواردة في أول مصدرين من مصادر التشريع الإسلامي بداية في آيات من القرآن الكريم إذ قال ربنا تبارك وتعالى في محكم تنزيله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) البقرة/143.

وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إشارة واضحة إلى اعتماد هذا المبدأ كسمة عامة للإسلام وضرورة تطبيق المسلمين له في تعاملهم وحياتهم العملية اليومية، ومن أشهر الأحاديث النبوية ذاك الذي تناول فيه الرسول عليه السلام ثلاث وصايا نبوية شريفة خاطب بها الصحابيين الجليلين معاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري عندما بعثهما للدعوة إلى الدين في أرض اليمن، إذ قال عليه السلام: ( يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا) (صحيح البخاري)، والكثير الكثير من النصوص - غير ما ذكر- فيها من الدلالة والبرهان على كون الإسلام دين الوسطية، والإعتدال والبعد عن العنف والتطرف، وهذا ما لا يمكن إنكاره على الإطلاق .

ولكن وللأسف فمن خلال ما تشهده منطقتنا العربية اليوم من تداعيات سياسية بالإضافة إلى ما كان شائعا قبله منذ فترة زمنية ماضية من عمليات استغلال لبعض الحوادث الإرهابية والمتطرفة يتهم فيها الإسلام وأهله مباشرة دون تمحيص وتحقق عن المسبب، حتى غدى في يومنا لدى الكثير من أبناء العالم الغربي دين الوحشية والغدر والبطش والقتل !!

 كيف لا والأمثلة على ذلك موجودة عيانا يتم نقلها عبر وكالات الأنباء العالمية للعالم أجمع بالصوت والصورة كتوثيق دقيق على ما ترتكبه بعض الجماعات الإرهابية المقاتلة في عالمنا العربي والإسلامي، ومكمن الخطورة طبعا أنها في نظر العالم تمثل الدين الإسلامي، وتسعى جاهدة إلى تطبيق أحكامه وإرساء قواعده!!

في مقابل هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، لا بد لنا من إيجاد حلول ناجعة تسهم في الحد من تغول تلك الصورة السلبية المنتشرة عنه بوسمه "دين التطرف والعنف والبعد عن الوسطية والإعتدال" – كما أسلفنا القول -، وقد تكون الخطوة الأولى في التصدي لهذه الهجمة تكمن بداية في إعداد جيل من الشباب المسلم الواعي المدرك لحقائق دينه الناصعه، والقادر على رد الشبهات عنه وإيصال روحه الحق إلى كافة أرجاء العالم وبمقدار استطاعته، ولا يمكن تحقيق هذا إلا من خلال الخطوة الأولى لعملية التنشئة لذاك الأساس المتين الراسخ والمتمثل في البيئة الأولى، التي يعيش فيها الفرد بعد بيئة الأسرة " المدرسة ".

 كيف لا والمدرسة هي البيئة الأولى التي ينخرط فيها الفرد بعد بيئة الأسرة، وقد يكون لها من التأثير على شخصية الطالب وفكره ما يفوق بيئة الأسرة بأضعاف مضاعفة، وليس ذلك من باب التقليل من شأن الوالدين، وإنما يأتي ذلك من طبيعة ذاك الدور الذي تضطلع به، ودور كل من العناصر التالية في بناء المدارك الفكرية لدى الطالب في خضم ممارسة العملية التعليمية التربوية ( المعلم، مناهج دراسية ,, إلخ )، ونحن حين نذكر المدرسة لا ننكر وجود عدة عوامل لها من الخطورة في غزو فكر أجيالنا الشيء الكثير ويتربع على رأسها بلا شك السلاح الإعلامي، والذي بات يستخدم الآن بحرفية وذكاء من قبل الدول والحكومات الكبرى قبل استخدام الترسانة العسكرية.

وهناك عوامل ومحاور أخرى يمكن التبحر في بيان دورها، ولكننا آثرنا جعل المدرسة في بداية القائمة بصفتها من أهم العوالم التي يقضي في رحابها الطالب ما يقارب 12 عاما متنقلا فيها من الطفولة إلى مرحلة الشباب والمراهقة.

وبالتالي يمكن القول بأن كافة المحاور التي ذكرت -وغيرها الكثير-، إنما تمثل جزء من أجزاء عديدة يكمن فيها ذاك الدور الكبير في عملية بث روح الوسطية والإعتدال ونبذ العنف والتطرف في أذهان وسلوك أجيالنا الصاعدة من شبابنا وفتياتنا، ولا أعتقد أن تطبيقها على أرضية الميدان بتلك المهمة الصعبة جدا، بشرط تفعيل دورها الحقيقي بحيث لا تكون مجرد شعارات تكتب، وهتافات ترفع وينادى بها دون جدوى، بل تحتاج إلى تفعيل حقيقي بسلوك ملموس على أرض الواقع حتى تكون ذات تأثير فعال وتؤتي أكلها على الوجه المناسب.
التعليقات (0)