صحافة دولية

والدة سعودي قتل إثر منعه انتحاريا من دخول مسجد تكتب عنه

الأريش: إن هذه الهجمات لن تتوقف ما لم نراجع موروثنا الديني والثقافي - أرشيفية
الأريش: إن هذه الهجمات لن تتوقف ما لم نراجع موروثنا الديني والثقافي - أرشيفية
نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للكاتبة السعودية كوثر الأربش، تتحدث فيه عن ابنها، الذي قتل عندما قام هو وابنا خالته، بمنع انتحاري من دخول مسجد شيعي في الدمام في المنطقة الشرقية.

وتقول الأربش في مقالها، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إن ابنها محمد العيسى كان قد كتب على حسابه على "إنستغرام" معرفا بنفسه: "يوما ما سيرى الأعمى بصمتي، وسيسمع الأصم بسيرتي"، مبينة أن هذا فعلا ما حدث، فقد رأى الأعمى بصمته، وسمع الأصم بآخر ما كتب من سيرته.

وتشير الكاتبة إلى أن العيسى قد تبرع لحماية المصلين، واندفع تجاه إرهابي مطوق بحزام ناسف بدلا من أن يفرّ، لافتة إلى أنه فعل هذا لسبب بسيط ومعقد في الوقت ذاته، وهو "حماية الأبرياء، وإيقاف هؤلاء الوحوش الشرسين الذين لا يستحقون حتى أن يكونوا من الجمادات".

وينقل الموقع عن الأربش قولها: "هذا ما فعله ابني محمد؛ لأنه يحمل في عقله فكرا مغايرا، ومعنى تطبيقيا وحقيقيا لمفهوم الإنسانية. الجميع رأى بصمته، رأوه مقداما لا فارا، رأوا اللحظة الأخيرة والانتقالية من الحياة إلى الموت، رأوا جسده محمولا على يد المسعفين، ورأوه أيضا ملفعا بالبياض، ذاهبا إلى ربه في عرشه الدائم والأزلي، ليسكن إلى الأبد في قناديله المليئة بالضوء، تاركا خلفه فعلا لن ينساه مئات المصلين، وملايين المواطنين، بل الكون كله".

وتضيف الكاتبة: "قبل أيام من وفاته عندما منع انتحاريا من دخول مسجد شيعي في الدمام احتفل محمد بشهادة الثانوية، وكان يخطط للسفر إلى لندن؛ لتحسين لغته الإنجليزية قبل بدء دراسته الجامعية، كان يحب الحياة، ولكنه اختار الطريق الأصعب".

وتستدرك الأربش بأن "لا أحد يعرف سيرة ابني الشهيد محمد كما أعرفها أنا، أنا أمه، أمه التي ستبذل جهدها وعمرها، وما تبقى من كلمات لم تقلها، كي تخبر الآخرين عن سيرته للناس جميعا. لقد كان ولدا خفيفا ولطيفا وأبيضَ القلب، والأهم من هذا كله أنه كان نقيا".

وتبين الكاتبة أن ابنها "لم يكن مثل بقية الأطفال يطلب الحلوى والمرطبات، كان الخبز طعامه، هكذا وبكل بساطه: خبزا جافا. ما زلت أذكر ما حدث في بيت جده، فقدته وبدأت في البحث عنه، وجدته قرب صندوق يجمع فيه جده بقايا الخبز، وجدته هناك نائما، نائما وعلى فمه بقايا قضمة وابتسامة رضا واسعة، هكذا كان ولدا قنوعا خفيفا، كان حين يجوع يأكل خبزا، وحين يغالبه النوم ينام على الكنبة، أو بجانب طاولة الطعام؛ وكأنه بهذا التصرف الطفولي والعفوي يريد أن يخبرني أن علاقته بدنيانا علاقة عابرة وسريعة وقصيرة".

وتتابع الأربش: "كبر محمد، وكبرت معه أحلامه وطموحاته، كبرت معه الأسئلة، لم يكن أحد حوله يشبع فضوله. وفي الوقت ذاته كان محبا للناس وكان خادمهم، والمباشر في المناسبات الدينية والاجتماعية، وقبل هذا كله كان مبتسما دوما ودائما وإلى الأبد في وجوه العابرين صغارا أو كبارا."

وتصف الكاتبة ابنها محمد في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه "ذو النسبة المئوية الكاملة والتفوق المدرسي، وذو البساطة والتلقائية والحميمية في التعامل الإنساني مع كل من حوله، محمد ذو الروح الوثابة للتألق، وللقيام بشيء ما؛ لترك أثرٍ يدل على الطريق. محمد مثالنا للشاب الوطني المستلهم لماضيه، المتمكن من حاضره ليعيشه بثوانيه كلها، والمتطلع إلى غده بأمنياته الخضراء كلها".

وتنفي الأربش أن يكون ابنها محمد طائفيا أو إقصائيا أو نزّاعا للفرقة، وتلفت إلى أن "الطائفيين والإقصائيين والنزاعين للفرقة قد قَـَتلوه. ذهب عاريا إلا من دمه، ليرينا أن الأبطال ليسوا بالضرورة أن يكون كبارا، الصغار يفعلون الأشياء العظيمة أيضا".

وتنوه الكاتبة إلى أنه بعد هذا كله، فإن "الحزن يبقى هناك صوتا للحقيقة في دواخلنا، يجب أن نفهمه جميعاً: كلنا مستهدفون في لحمتنا وفي نسيجنا وفي تماسكنا وفي قناعتنا التامة أننا في وطن واحد، من قطيفه شرقا، إلى رفحائه شمالا، إلى جدته غربا وإلى نجرانه جنوبا. نحن مستهدفون كي لا نتذكر بأننا جميعا مسلمون نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأننا نصلي تجاه القبلة ذاتها".

وتؤكد الأريش أن هذه الهجمات لن تتوقف ما لم نراجع موروثنا الديني والثقافي، وما لم تحدد العدو الحقيقي، ألا وهو الجهل.

وتدعو الكاتبة إلى الوحدة وتقول: "إن ما أريد أن أقوله لكم جميعا بالكثير من الصدق وبالكثير من الحب: ألا ننجر لأتون الفرقة ودعاوى الطائفية والإقصاء، ولنقل لا، لأي حشد شعبي ولأي عسكرة خارج إطار الدولة، ثم لنعد إلى بيوتنا الداخلية وأفكارنا وموروثنا وثقافتنا، هذا كله علينا مراجعته".

وتقول الأربش: "نعم أنا أم الشهيد محمد العيسى، وخالة الشهيدين عبد الجليل ومحمد الأربش، كنت دائما خصيمة عنيدة للطائفية والتطرف والكراهية واختطاف العقول واستغفال البسطاء، ولو كان ذلك في بيتي. لم أدخر جهدا ولا وقتاً لمحاربة الضغائن والتحريض والإرهاب، سواء كان من يحملها سنيا كان أم شيعيا. كان ذلك قبل وبعد أن خسرت الكثير من علاقاتي، منهم من كان من عائلتي، ومنهم من كان من أقربائي، وما زال ذلك يحدث لي حتى بعد أن فقدت ابني. لطالما اتهموني بأني أحرض عليهم، وأنا ما حرضت إلا ضد الكراهية والتطرف والطائفية والإرهاب والجهل. وكنت كلما قاسيت أذى وشتما وتهديدا تشتد عزيمتي وإصراري على عدوي الأول، وهو التطرف".

وتخلص الكاتبة إلى القول: "لقد ذهب محمد حرا، اختار أن يكون درعا للمصلين، ترك لأمهات أصدقائه أن يحتضن أبنائهن كل يوم، وترك حضني فارغا منه. فأحمد الله أنه لم يكن لي ابنا كارها ومحرضا وطائفيا ومؤذيا للناس، بل إنه افتدى الناس وذهب هو ضحية. كما أعزي أم قاتل ابني وأعظم لها الأجر، وأقول لها: لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بهذه الدقة كلها، وأنا على معرفة تامة أن قلبكِ الآن كقلبي، حزين وباك. كما أعزي بهذا الفقد الكبير أهلي وإخوتي وأبناء عمومتي وأبناء وطني الغالي كلهم. مصابي مصابكم، وكلنا في خندق واحد".
التعليقات (2)
جيمي
الجمعة، 05-06-2015 03:44 م
محمد و ابنا خالته ..استهونوا الموت في سبيل أنقاذ الأبرياء من المسلمين ..الفنانون المصريون ..يرون كل يوم الأبرياذ تشنق وتعذب وتغتصب وهم في موفور السعادة وكامل الصحة ..ياتري من سيدخل الجنة
ساره
الخميس، 04-06-2015 04:52 م
نقف لكي اجلالا واحتراما يا ام الشهيد ويتغمد الله ارواح الشهداء بواسع رحمته ويسكنهم الفردوس الاعلى