قضايا وآراء

جورج أورويل

سامح سعد
1300x600
1300x600
من أهم كتابات الروائى العالمى (جورج أورويل) روايته (جورج أورويل 1984) والتى تتحدث عن النظام الاستبدادي الشمولي وقمعه، ومجتمع الخوف وتأصيل الجهل ومحاربة الفكر.

وتعتمد الرواية على شخصية محورية لرجل يدعى(ونستون) وهو موظف فى وزارة الحقيقة (الإعلام) وتكمن خطيئته فى أنه حلم بالتغيير والحرية وفك قيود هذا النظام الاستبدادى.

حاول (أورويل) من خلال شخصية (ونستون) أن يرتكز على الحاضر (الذي هو غالبا في الستينات) لكي يستحضر الماضي (الذي قام النظام بمحوه تماما) معتمدا في ذلك على ذاكرته وذاكرة العجائز وأيضا من خلال البحث عن أي شيء موثق يمكن من خلاله أن يسترجع الماضي الحقيقى.

وأيضا ارتكز على الحاضر للتنبؤ بما سيكون عليه المستقبل. أما الحاضر فكان عبارة عن نظام شمولى يحكم بـ(الاشتراكية الانجليزية) حيث (الأخ الكبير) صاحب السلطة، والذي يدين له الجميع بالمعرفة  والولاء والسمع والطاعة، والتقديس على الرغم من أنهم لم يروه يوما من الأيام اللهم إلا من خلال (شاشات الرصد) المنتشرة في كل مكان ملقيا بياناته وخطبه الرنانة الحماسية، وغالبا مضمونها يكون سبا وتوعدا لـ(غولدشتاين) معارضه الهارب الذى يسعى من خلال تنظيم سري أن يقوض نظام حكمه المستبد.

و أيضا ينال (أوراسيا) و(ايستاسيا) منها ما ينولهم من التحريض والسخط وتتعالى صيحات مواطني (أوقيانيا) داعمة الأخ الكبير.

تميز نظام(أوقيانيا) بأنه لم يكن مجرد نظام اشتراكي نمطي، وإنما قام على تلاشى أخطاء النظم الفاشية والشيوعية كشيوعية روسيا.

فالنظم المستبدة قد أخطأت بأن تركت الطبقة الوسطى على حالتها ومن المعلوم أن تلك الطبقة هى الطبقة الحرجة التى تستطيع تحريك الطبقة الدنيا (الفقراء) وتأليبهم على نظم الحكم مستغلين معاناتهم ليثوروا على الأنظمة وما تلبث أن تصل إلى الحكم إلا وتترك الطبقة الدنيا وتتخلى عنهم ويبقى حالهم على ما هو عليه في حين تتشكل طبقة وسطى جديدة و هكذا...

و قد فطن نظام أوقيانيا إلى ذلك فراح يشكل طبقات المجتمع بطريقة أخرى فهناك الأخ الكبير والتنظيم الداخلي للحزب، والذي يشكل الطبقة الغنية ثم التنظيم الخارجي للحزب، الذي يشمل الموظفين في وزارات الحقيقة والحب واتحاد الجواسيس وشرطة الفكر وغيرها، ليمثلوا الطبقة الوسطى أي أن النظام جعل الطبقة الوسطى تابعة للحزب ليقود أركان أي ثورة حتى قبل التفكير فيها ثم تأتى الطبقة الدنيا من العامة ثم طبقة العبيد المهمشين الآتين من المستعمرات، الذين لا ينظر لهم أنهم آدميين بالمرة! وكان شعار أوقيانيا (الحرب هى السلام، الحرية هى العبودية، الجهل هو القوة) وكانت الأغنية الرسمية هي (الأخ) الكبير وتنتشر صوره في كل مكان مصحوبة دائما بعبارة "الأخ الكبير يراقبك" وتنتشر شاشات الرصد للمراقبة وأيضا الميكروفونات فى كل مكان.

فيما كانت (وزارة الحقيقة) و هى تمثل (الإعلام) مهمتها تزييف الحقائق و تعديل قديم أخبار الصحف لتتوافق مع جديدها بكل حرفية أي أنها تختص بتزوير الحاضر والماضى! ووزارة (الحب) وهي شبيهة بشبكة تضم رفيقات، الغرض منها إيقاع المناهضين للحزب والوشاية بهم.

وكانت هناك شرطة الفكر ومهمتها القبض على من تسول له نفسه حتى التفكير فى نقد سياسة الحزب أو مناهضة فكره أو حتى عدم التصفيق الحاد للأخ الكبير ومن ثم استياقه الى مكان مجهول ثم (يتبخر) و لا يكون له ذكر، وأية أدلة على وجوده من الأساس في السجلات.

وكان هناك اتحاد الجواسيس ومهمته تربية الأطفال على التنصص واستراق السمع، وتدريبهم على الوفاء للحزب والأخ الكبير وقد لا يسلم الأب أو الأم من وشاية أولادهم كما حدث لـ(بارصن) فقد قامت ابنته صاحبة السبع سنوات بوشايته لدى شرطة الفكر بعد أن سمعته، وهو نائم يقول (يسقط الأخ الكبير) دون وعى !...فيما كان لا يسمح لأعضاء التنظيم الخارجي للحزب بالزواج قبل أن توافق لجنة من الحزب على الزواج وبشروط معقدة، وكانت تتعمد ذلك حتى تضيق عليهم إشباع رغباتهم لكي يصبحوا دائمي الحيوية والحماس ولكن للحزب وفقط! تلك كانت ملامح الحياة فى أوقيانيا، والتى لا تختلف عن مثيلاتها فى أوراسيا وايستاسيا (قسم أورويل العالم إلى ثلاث دول استعمارية تنافسية)....

الكاتب الكبير أورويل الذى كتب هذه الرواية منذ عقود لم يكن يتوقع أن يستمر هذا الوضع إلى يومنا هذا، وما يثير السخرية هو أنه لم يتوقع أن تعتقل شرطة (اللافكر) طالبا وبحوزته تلك الرواية!! ما تعيشه مصر في زمن الانقلاب هو بذاته ما عاشته أوقيانيا فى ظل الحكم الاستبدادي فسياسة الحكم فى مصر قائمة على تقديس شخص، وهو بمثابة الأخ الأكبر هو المنقذ الوسيم المتواضع الرسول النبى وحتى الإله (فقد قال أحدهم"أحكم فأنت الواحد القهار") كما كان يقول أعضاء الحزب الداخلى لأوقيانيا بأن الله هو السلطة، والجميع ما عليه إلا السمع و الطاعة العمياء!

كما أن أغنية تسلم الأيادي والتي رقص تحت ايقاعها الألوف من شعبه تشبه نشيد (الأخ الكبير) ولا عجب أن يحكم على شباب في مصر بالحبس ثلاثة شهور لتهم من بينها (الاساءة لأغنية تسلم الأيادى)!

كما أن وزارة التربية و التعليم و وزارة الإعلام أيضا تقوم بعمل (وزارة الحقيقة) التى من شأنها الكذب والتضليل والتدليس والتزوير، فالإخوان هم سبب سقوط الأندلس! والسيسى أسر قائد الأسطول الأمريكي السادس! ورئيس مصر المنتخب إرهابي وجاسوس وعميل مثل غولدشتاين! وكتب التاريخ تمدح بانجو وبرايز وتسب شباب وأحزاب وحركات الثورة!. كما أن الشرطة تقتل وتسرق وتغتصب وتعتقل على الفكر والهوية كما كانت تفعل شرطة الفكر !

ولكن الغريب هو أن تقوم سيدة بتحرير محضر تتهم فيه ابنها بالانتماء لحركة 6 أبريل (الارهابية) (التخريبية)، ولكن من دون أن تتلقى أية تدريبات داخل اتحاد الجواسيس! بالإضافة إلى وشاية ولية أمر طالب بأستاذه الذى قال له "مرسى راجع"! لتقتاده الشرطة لغيابات السجون.

كما أن أسبوع الكراهية الذى اعتاد الحزب إقامته كل بضعة أشهر تقوم به فضائيات محسوبة على رجال الأعمال الفلول لتجعل من شرفاء وطنك إرهابيين، ومن المقاومة الفلسطينية عدوا، ومن اسرائيل صديقا، كما حدث فى أوقيانيا فالإعلام بعد طول سب ولعن في أوراسيا ظهر فجأة ذات يوم ليعلن أن أوراسيا صديقة، وأن ايستاسيا هي العدوة منذ بدء الخليقة!

أما بالنسبة لصورة الأخ الكبير فهى تظهر فى كل مكان، ولكن أسفلها عبارة "وبكرة تشوفوا مصر"! فيما يشبه شعار دولة الانقلاب شعار الحزب، فالحرب هي السلام، وهي التى تضمن له البقاء من خلال حرب وهمية على الإرهاب هي حربٌ داخلية على أهالي سيناء! والحرية لديهم هى العبودية لطاغوت الانقلاب الذي يقيدك و قمة الحرية تكمن في وضع البيادة فوق الرؤوس ! وفى الجهل تكمن قوة الانقلاب ورسوخه واستمراره لمئات السنين......رحلت يا أورويل ولكنك موجود برواياتك التى تفضح هؤلاء الطغاة المستبدين.
0
التعليقات (0)