كتاب عربي 21

عن تفجيرات القاهرة في عهود الحكم العسكري

حاتم عزام
1300x600
1300x600
أفاقت القاهرة صباح أمس مذعورة على دوي انفجارات هائلة. فبعد السحور الذي عادة ما يتناوله المصريون متأخرا، وبالأخص في فصل الصيف، وعقب صلاة الفجر بساعات قليلة، هلع كثير من المصريين إلى مواقع التواصل الاجتماعي يتناقلون خبر سماعهم هذا الانفجار الضخم، متسائلين عن مصدره، متعجبين من شدته، فقد جاءت تعليقات المتفاعلين مع الحدث من مناطق جغرافية متباعدة في العاصمة المصرية. 

هذا هو الحادث الإرهابي الثاني في العاصمة المصرية خلال أيام قليلة، بعد حادث مقتل النائب العام، وبالطبع مثل هذة الأحداث التي من المفترض أن يتم فيها تحقيق شفاف للكشف عن المسؤولين عن تنفيذها، وعن المقصرين أمنيا تجاهها، وهو مالم نره في حوادث مشابهة من قبل وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام. ملاحظات عدة أرصدها هنا، وبعد ساعات من هذا الانفجار المُدوّي، وبعد إعلان وكالات الأنباء الرسمية وبعض المسؤولين الرسميين بعض المعلومات عنه: 

1- مكان التفجير، في وسط البلد، كما يسميه المصريون، أي مركز القاهرة، وعلى مقربة من العديد من التمركزات الأمنية المهمة في محيط ميدان التحرير ومجلس الوزراء وماسبيرو. أي إن محيط هذه المنطقة يفترض فيه التأمين الجيد.

2- المبنى الذي تم تفجيره على بعد عشرات الأمتار من إدارة الإسعاف المركزية بالقاهرة ومحطة القطارات المركزية (رمسيس) وعلى مقربة من العديد من المباني الحكومية وشبه الحكومية الأخرى التي من المفترض فيها أن تكون مؤمنة بشكل جيد. 

3- المبنى هو مركز تعليمي ملحق، وتابع للقنصلية الإيطالية، لكنه ليس السفارة ولا القنصلية. 

4- الانفجار هزَّ العاصمة، وشهود عيان كثر كتبوا في حينها على مواقع التواصل الاجتماعي عن سماعهم له وبقوة (من وسط البلد للجيزة ومنطقة الهرم وحتى الزمالك وشبرا)، ما يدل على استخدام كميات هائلة (مئات الكيلوغرامات من مواد شديدة الانفجار) لتحدث هذا الصوت والانفجار المدوي، الأمر الذي يثير تساؤلات عن كيفية وصول هذه الكميات إلى قلب القاهرة بهذه السهولة. 

5- التوقيت الذي تم فيه الانفجار، بُعيد الساعة السادسة صباحا، في رمضان، ويوم عطلة أسبوعية للقنصلية الإيطالية وملحقها، ومن المعروف في مصر أنه لن يوجد بشر في المبنى المستهدف. كما أن الكثافة البشرية في هذه المنطقة في هذا التوقيت معلوم أنها تكاد تكون منعدمة مقارنة بالساعة التاسعة أو العاشرة أو الحادية عشرة صباحا على سبيل المثال. وبالتالي لم يكن المستهدف إيقاع ضحايا، بقدر إحداث هذا المشهد المرعب، خصوصا أنه تم الاعلان رسميا بعد الحدث بساعة أن التفجير حدث نتيجة لسيارة ملغومة (لا يوجد بها سائق، وكان يمكن تفجيرها في توقيت آخر لو أن الهدف إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا). 

6- يأتي هذا التفجير بعد أيام قليلة من حادثة مقتل النائب العام، وما تبعه في اليوم التالي من الحديث التليفزيوني لوزير الدفاع المنقلب، أثناء جنازة النائب العام، والذي اتهم فيه دون مواربة وبلا أي تحقيقات، السجناء في الأقفاص (الرئيس مرسي ومن صدرت ضدهم أحكام الإعدام) بأنهم هم من يصدرون التوجيهات بهذه العمليات الإرهابية، واستثمر فورا الحدث إعلاميا لتجهيز الأجواء لتنفيذ أحكام الإعدام وإخراج قانون الإرهاب الكارثي، والمعد سلفا، من أدراج الاستبداد. 

7- كما يأتي هذا التفجير بعد ساعات فقط، أقل من يومين، بعدما أصدر وزير الدفاع المنقلب تعليماته لوزير خارجيته بتعميم خطابات دبلوماسية رسمية، موحدة، وبكل اللغات، على سفارات الدول الأجنبية بالقاهرة، شارحة الحيثيات ومبررة أحكام الإعدامات على الرئيس المنتخب ومن معه. كما عمم السفراء المصريون بالدول الأجنبية الرسالة نفسها على وزراء الخارجية في هذه الدول. وهي إشارة واضحة لتمهيد الأجواء لتنفيذ الإعدامات، وكمحاولة استباقية لإدارة التوقعات والسعي لدرء أو تخفيف الآثار السلبية الدولية المتوقعة والناجمة عن تنفيذ هذه الأحكام.

وهنا يتبادر لذهن أي إنسان سوي سؤال: هل يُتَصور أن يُقدم من بيده الحكم والسلطة في بلد ما على التخطيط أو تنفيذ تفجيرات من صنع يده؟! و في بلاده التي يحكمها ويدعي حبها؟! ألا يبدو هذا الطرح خياليا، وينطوي على مبالغة كبيرة منحازة؟! بالطبع هذا صحيح، يصعب تخيل حدوثه في دول عديدة! 

التاريخ المصري الحديث يمكنه الإجابة أيضا على هذا الطرح. ففي العام 1954، وكما جاء في مذكرات عضوي مجلس قيادة ثورة يوليو خالد محيي الدين وعبداللطيف بغدادي وأكده الرئيس محمد نجيب، قام "البكباشي" جمال عبدالناصر بالتخطيط والإشراف على تنفيذ ستة تفجيرات مماثلة وسط القاهرة (عند جروبي والسكة الحديد والجامعة وغيرها)، حينما خرجت الجماهير تنادي بالديموقراطية ومطالبة العسكر بالعودة إلى الثكنات، فأراد البكباشي زرع الخوف من عدم الاستقرار لتبرير بقاء العسكر في الحكم، وهو ما تحقق له للأسف، فيما عرف بأزمة مارس 1954.

إذن فالمبدأ موجود في مصر، وتكراره وارد، خصوصا لمن يحملون نفس الفكر العسكري الفاشي، ولمن يسعد بالتماهي أحيانا مع عبدالناصر وأحيانا أخرى مع القذافي وتتلبسه روح كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية في مواقف عدة. كما أن "الأستاذ" هيكل كاهن نظام مارس 54 السياسي وما بعده، هو نفسه عرَّاب انقلاب يوليو 2013 وما تلاه، هو وتلامذته الذين يقرأون عليه، مازالوا يحفون بالسيسي من كل جانب. 

المختلف هنا هو الهدف. فمسألة الديموقراطية وتخويف الشعب منها وركونه إلى الجنرال "الدكر"، والعسكر بصفة عامة لجلب الاستقرار المتوهم، قد تم تحقيقه بالفعل بتفجيرات سابقة ومذابح عدة. لكن الهدف من تفجيرات يوليو 2015 باعتقادي هو الخارج الدولي وليس الداخل المصري.

إن الانفجار ضخم الصوت اليوم، الذي استهدف مبنى ملحقا لقنصلية دولة أوروبية، وبهذه الملابسات التي فَصَّلناها، وفي سياق سياسات سلطة الانقلاب العسكري في مصر، لا يُستبعد أن يمثل رسالة إعلامية دولية عالية الصوت، وبمثابة ملحق لخطاب السيسي لسفراء الدول الأجنبية الساعي لتبرير أحكام الإعدام الجماعية المزمع تنفيذها والتي تلقي انتقادا دوليا شديدا، خصوصا أن من بين المحكوم عليهم بالإعدام رئيسا مدنيا منتخبا ديموقراطيا. كما أنه يخدم تمرير ترسانة جديدة من القوانين القمعية، كقانون الإرهاب الكارثي المزمع إصداره، والقانون رقم 89 لسنة 2015 و هو القانون شديد الخطورة الذي يتيح لرئيس الجمهورية عزل رؤساء الاجهزة الرقابية والمستقلة (كالجهاز المركزي للمحاسبات وغيره كثير) والذي أقر صدر بتاريخ الجمعة 9 يوليو (يوم العطلة الأسبوعية وقبل حادثة التقجير بساعات)، وفرض إعلان الطوارئ، وإجراءات أشد قمعا في مواجهة المعارضين السياسيين لسلطة الانقلاب، والذي تجلى في مبادرة أذرع السيسي الإعلامية فور وقوع الحادثة من عزف تلك السيمفونية بتناغم تام مع الحدث. 

في ظل هذة الحالة من الجنون المستعر لسلطة الانقلاب العسكري، ومذابحه المتعددة والمتوالية، وجرائمه ضد الإنسانية، وباستحضار التاريخ القمعي للسلطات العسكرية المشابهه في العصر الحديث في مصر، لا يمكن استبعاد هذا الطرح. أما إذا ثبت بالديل القاطع والتحقيقات النزيهة - التي لا تعرفها مصر الآن - ضلوع أحد التنظيمات الإرهابية في هذا الحادث، فنحن إزاء حالة فشل أمني ذريع في المهمة الوحيدة التي يسوق بها السيسي نفسه، وهي الحرب على الإرهاب، خصوصا بعد خطابه لجنود وقادة القوات المسلحة قبل أيام قليلة في سيناء عقب الحادثة الإرهابية الكبيرة هناك، والتي راح ضحيتها عشرات من الجنود المصريين، حين صرح بأن تعبير "الوضع تحت السيطرة في سيناء" لا يعبر عن الوضع الحقيقي الآن في سيناء، لكن الوضع وبحسب تعبيره "مستقر تماما". إذا كان هذا في سيناء، فما بالنا بقلب القاهرة؟! 

الاستبداد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، والتاريخ الحديث أثبت أن استبداد السلطة وإرهاب الدولة، خصوصا عندما تتحكم فيها سلطات عسكرية بشكل مباشر أو من وراء حجب، لم يأتِ باستقرار أو تقدم، بل على النقيض. أما المجتمعات التي تقدمت، فقد بنت تقدمها على مرتكزات الحكم المدني الذي يتيح التعددية والديموقراطية واحترام الحقوق والحريات وإرادة الشعوب. 
  
حفظ الله مصر وشعبها 
3
التعليقات (3)
احمد فارس
الثلاثاء، 14-07-2015 01:24 ص
و ما هو رأي المحلل العبقري فيما حدث في تونس من اعمال ارهابية هل الانقلاب و تفجير داخل المساجد . هل الانقلاب . ام ان هناك عقول تعتنق و تكفر كل من يؤمن بأفكارها.
محمود ا
الأحد، 12-07-2015 11:59 ص
تحليل منطقي ومقنع ولكن لاحياة لمن تنادي
محمود ا
الأحد، 12-07-2015 11:58 ص
تحليل منطقي ومقنع ولكن لاحياة لمن تنادي