بورتريه

خامنئي والبحث عن "خليفة " جديد في طهران (بورتريه)

بورتريه خامنئي
بورتريه خامنئي
تختلف أحيانا تصريحاته العلنية عن الواقع وما يدور خلف الكواليس..

التخطيط لفترة ما بعد رحيله ما زال همسا حذرا وراء الأبواب المغلقة.

وصل إلى موقع مرشد الثورة الإسلامية في إيران بعد تعديل دستوري أجاز لـ"المجتهد" تولي المنصب بعد أن كانت حكرا على "الفقهاء"؛ ما سمح لرجال الدين من المرتبة الأدنى بالتأهل لمنصب المرشد الأعلى وإلغاء منصب رئيس الوزراء وتركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية.

وتشير تكهنات إلى أن قادة النظام الحالي قد يحاولون تكرار التاريخ بتغيير الدستور، لو اعتقدوا أنه سيحمي مصالحهم أثناء الفترة الانتقالية التي تعقب رحيل المرشد. 

وبات واضحا الآن أن ثمة تلميحات عن اتباع نهج مشابه للخلافة القادمة.

هو كبير المحافظين في إيران وعرابهم.

يعتمد السرية والتعتيم في حياته، تطبيقا لمقولة "من ليس له سر.. فليس له سحر".

 يحرص على الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة، ولا تفوته التفاصيل الصغيرة، لكن هذه الميزة تتراجع إذا كان الأمر يتعلق بتفاصيل حياته الشخصية وطريقة عيشه، وأسلوب إدارته للبلاد.

ويقول المخرج الإيراني المنفي، محسن مخملباف في فيلم "خفايا حياة خامنئي" إن "مرشد الثورة ليس سوى شاه آخر"، مع فارق غير بسيط، هو أن الشاه المخلوع كان متصالحا مع فساده، في حين أن "الشاه الجديد" يدعي العفة.

وكلام مخملباف يناقض تماما مع ما يقال في الإعلام الإيراني الذي يظهره زاهدا ومتواضعا. 

تأثر بمواقف وآراء المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي رائد مدرسة "الإسلام بلا رجال الدين" الفكرية، لكن تأثره الأكبر كان بآية الله الخميني الذي تشبع بأفكاره ورؤاه، فأصبح أحد رموز فقهاء الشيعة المؤمنين بـ"ولاية الفقيه" المدافعين عنها.

يعود علي خامنئي المولود في تموز/ يوليو عام 1939 بمدينة مشهد، بأصوله إلى أذربيجان، وكان والده آية الله الحاج السيد جواد الخامنئي من أبرز علماء مشهد، وجدّه حسين الخامنئي من علماء أذربيجان المقيمين في النجف.

 تلقى خامنئي العلوم الشرعية وأصول الفقه الشيعي على يد والده، قبل أن يتنقل بين الحوزات العلمية في مشهد والنجف وقم، ليدرس على كبار العلماء والمراجع الدينية الفقه والفلسفة وعلوما أخرى. 

في عام 1958 دخل الحوزة العلمية في قم لإكمال دراسته الدينية العالية في الفقه والأصول وتتلمذ على يد البروجردي والخميني والحائري والطباطبائي، واستمرت دراسته حتى عام 1964 حين قطع دراسته للعناية بوالده بسبب مرض ألم به.

 مارس التدريس في بداية حياته بعد تخرجه من المدرسة، واستمر في التدريس أثناء تلقيه العلم في مراحل حياته اللاحقة.

التحق بصفوف المعارضين لنظام الشاه مبكرا، ومارس نشاطه السياسي دون إطار تنظيمي محدد، ووضع تحت المجهر من قبل جهاز الاستخبارات الإيراني "السافاكا" فاعتقل ونفي عدة مرات في الفترة ما بين عامي 1970 و1978 بسبب نشاطه السياسي. 

تقلد العديد من الوظائف والمسؤوليات بعد نجاح الثورة عام 1979، واختير عضوا بمجلس قيادة الثورة، ثم قائدا للحرس الثوري، وإماما لصلاة الجمعة في طهران.

وانتخب عضوا في الدورة الأولى للمجلس الاستشاري الإسلامي (أول برلمان في عهد الثورة) وظل جزءا من النظام السياسي. 

أسس الحزب الجمهوري الإسلامي، بالاتفاق مع آية الله محمد بهشتي وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني وآية الله موسوي أردبيلي. 

انتخب رئيسا للجمهورية عام 1981، وكان ترشحه في تلك الانتخابات بإشارة من الخميني، إثر مصرع محمد علي رجائي ثاني رؤساء الجمهورية، كما أنه تولى مهام الرئاسة لولاية أخرى من عام 1985 حتى 1989. وقد عمل خلال رئاسته على إلغاء منصب رئيس الوزراء. 

أصبح المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران عقب رحيل الخميني في عام 1989.

ونجح في الحفاظ على روح الثورة لضمان استمرار مشروعية "ولاية الفقيه".

يعد الأكثر تشددا في الدفاع عن البرنامج النووي الإيراني.

وتقول وسائل الإعلام الغربية، نقلا عن بعض الدبلوماسيين الذين شاركوا في المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، إن هناك حاجزا يغلق طريق الاتفاق دائما، وهذا الحاجز هو صحة علي خامنئي ومدى رضاه عن الاتفاق.

وسبق لوسائل الإعلام الغربية أن دفنت خامنئي أكثر من مرة، لكنها كانت تتراجع فيما بعد، وكانت السلطات الإيرانية قد أعلنت أنه يعاني من مرض سرطان البروستاتا، وأجريت له بضع عمليات جراحية صعبة.

والأخبار عن الموت السريع المحتمل للزعيم الديني الإيراني غالبا ما تقوم على تفسيرات عديدة للمعلومات الواردة من وسائل الإعلام الإيرانية.
 
ويؤدي "المرشد الأعلى للثورة الإيرانية" في نظام السلطة في طهران دورا لا مثيل له في العالم، حيث إنه لا يمكن اتخاذ أي قرار هام في مجال الدين والسياسة والاقتصاد وأي تفاصيل أخرى تتعلق بالدولة والناس من دون موافقته. ناهيك عن سيطرته التامة على "الحرس الثوري" الذي يعد أكثر قدرة وفاعلية من الجيش الإيراني.

ويعود جزء كبير من ذلك إلى طبيعة المذهب الشيعي وتحديدا بعد تبني نظرية "ولاية الفقيه"، ذلك أنه "ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض".

وكثرت التكهنات حول من سيرث منصب المرشد الأعلى بعد وفاة علي خامنئي، ويشار هنا غالبا إلى آية الله محمد يزدي البالغ من العمر 84 عاما بصفته نصيرا راسخا لأفكار الثورة وسياسيا محافظا. وانتخب يزدي في آذار/ مارس الماضي رئيسا لمجلس الخبراء الذي يضم 86 عالما دينيا يتم انتخابهم لمدة ثمانية أعوام، وينتخب المجلس بدوره المرشد الأعلى للثورة الإيرانية. 

وهناك مرشح ثان، وهو صادق لاريجاني البالغ من العمر 54 عاما، رئيس النظام القضائي الإيراني، وهو مدعوم من قبل خامنئي. وكان أخوه علي لاريجاني يترأس سابقا الوفد الإيراني في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني. 

ويذكر اسم صادق لاريجاني كثيرا عندما يدور الحديث عن حملة مكافحة الفساد الجارية حاليا في إيران، والتي يصفها المراقبون بأنها نوع من أنواع الصراع على السلطة. 

وسبق للنيابة العامة الإيرانية أن وجهت تهمة بالفساد إلى محمود هاشمي شاهرودي الذي يعد حليفا رئيسا للرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر رفسنجاني الذي يراهن عليه الغرب ويعتبره من أنصار النظام الليبرالي.

رحيل أو بقاء خامنئي لن يغير كثيرا في سلوك طهران مع دول الجوار العربي، وحتى مع دول أكثر بعدا عن حدودها، فالمؤسسة الدينية هي الحاكم الفعلي ومن خلفها أو من أمامها يقف الحرس الثوري الذي هو أكثر أهمية من الجيش ومن باقي مؤسسات الدولة. وإيران التي تريد قطف ثمار تدخلها في الوطن العربي الذي يترنح موشكا على السقوط بفعل الانقسام والحروب الأهلية ستواصل التمدد طالما أنها لا تجد ممانعة أو مقاومة لمشروعها الإمبراطوري.

طهران تعرف تماما أن سوريا أكثر أهمية بالنسبة لها من العراق، لأن سقوط بشار يعني تهديدا مباشرا لحزب الله وإلغاء لدورها في لبنان، وربما يمتد الانهيار إلى العراق أيضا.

دمشق بيضة القبان بالنسبة لطهران التي تريد إنهاء ملف المفاوضات حول سلاحها النووي حتى تتفرغ لحماية دمشق خيارها الأول، حتى قبل العاصمة طهران، وحتى تواصل ضرب الخاصرة العربية في اليمن أيضا. طهران لن تهدأ إلا بعد أن تحس بالوجع في عقر دارها.

ووفقا لمهدي خلجي من "معهد واشنطن"، فقد "همش خامنئي الجيل الأول للسياسيين الثوريين وخاصة أكبر هاشمي رفسنجاني ومير حسين موسوي، زعيم "حركة المعارضة الخضراء" الذي لا يزال رهن الإقامة الجبرية. وفي الوقت ذاته، أعاد خامنئي تشكيل الطيف السياسي بترقية جيل جديد من السياسيين الضعفاء الذين يدينون له بمؤهلاتهم".

ويقال إن "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الذي يتحكم في الجيش والبرنامج النووي وجزء كبير من اقتصاد إيران، سيكون على الأرجح هو اللاعب الرئيس في عملية الخلافة.

وفي ضوء هذه الاعتبارات، فإن رحيل المرشد الأعلى يمكن أن يشكل فرصة فريدة من نوعها بالنسبة لواشنطن لكي تشجع حدوث تغييرات في السياسة الخارجية العدائية.
التعليقات (0)