بورتريه

تواضروس.. حين يراهن على تحالف كله ثقوب وتقلبات (بورتريه)

منح تواضروس مجزرتي "رابعة" و"النهضة" شرعية دينية مضللة وباطلة ـ عربي21
منح تواضروس مجزرتي "رابعة" و"النهضة" شرعية دينية مضللة وباطلة ـ عربي21
دون أن يخطط، ربما أقحم الكنيسة بالسياسة والحكم، واضعا مستقبل نحو عشرة ملايين مسيحي مصري في دائرة مغلقة من الشك والقلق.

ومع تأزيم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للأحداث في مصر، والتحريض العلني على العنف والكراهية والقتل عبر تلفزيون الدولة الرسمي والفضائيات ووسائل الإعلام التي تعاني من سيطرة البلطجية، فإنه لا يزال نحو عشرة ملايين مسيحي في مصر مترددين إلى حد كبير بشأن الطريقة التي يجب أن يتصرفوا بها في المناخ السياسي الجديد الذي وجدوا أنفسهم غارقين فيه ربما رغما عنهم.

المقارنة بين الأنبا شنودة الثالث الذي حكم الكنيسة أكثر من 40 عاما ورحل عام 2012، وبين البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، غير دقيقة وغير عادلة، فخليفته تواضروس لم تمض عليه سوى سنتين في إدارة الكنيسة.

تواضروس بلا خلفية سياسية، فلا تذكر له مشاركة أو أي اهتمام سياسي في تاريخه قبل الرهبنة على عكس شنودة الذي عشق السياسة وعمل بها قبل الرهبنة ودفع ثمنا باهظا لها.

تواضروس أجبره القدر ورحيل شنودة على الانتقال إلى المقر البابوي دون خبرة أو مشاركة في إدارة المقر البابوي، فمن أسقف مساعد إلى بطريرك، ومن مسؤول ملف الطفولة في المجمع المقدس إلى رئيس الأساقفة في المجمع، على عكس شنودة من أسقف للتعليم وعنصر هام في المقر البابوي، أثناء عهد البابا كيرليس السادس، إلى بطريرك يحمل مفاتيح المقر قبل أن يكون الرجل الأول داخله.

شنودة الجريء في فترة السبعينيات اختار المواجهة مع الرئيس أنور السادات، فربح الشعبية وخسر الحاكم، أحيانا، كما يقال، إن الشعبية تقوي موقفك أمام السلطة.

كما أن تواضروس ورث أزمات لم يكن طرفا فيها، والحقبة السياسية تختلف كثيرا.. شنودة حكم الكنيسة والإسلاميون قريبون من السلطة، وتواضروس دخل المقر البابوي والإسلاميون في السلطة.

ولد البابا تواضروس الثاني في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1952 بالمنصورة، باسم وجيه صبحي باقي سليمان، ووالده كان يعمل مهندس مساحة.

التحق بجامعة الإسكندرية بكلية الصيدلة، وحصل على بكالوريوس الصيدلة عام 1975، وحصل على زمالة الصحة العالمية بإنجلترا عام 1985، ثم التحق بالكلية الإكليركية وتخرج منها عام 1983.

ذهب إلى دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون في عام 1986، وترهبن بعدها بعامين باسم الراهب ثيودور، وتم ترسيمه قسا في عام 1989.

وانتقل للخدمة بمحافظة البحيرة عام 1990، ثم نال درجة الأسقفية في عام 1997، وكان مسؤولا عن خدمه منطقه كنج مريوط والقطاع الصحراوي، وخدم بها نحو خمسه عشر عاما إلى أن تم تجليسه على كرسي مارمرقس الإنجيلي.

تم ترشيحه ليكون خليفة البابا شنودة الثالث هو وأربعة آخرين، هم: الأنبا رافائيل، والقمص رافائيل أفامينا، والقمص باخوميوس السرياني، والقمص سارافيم السرياني. وفاز هو بمنصب البابا عن طريق "القرعة الهيكلية" في عام 2012، ليكون بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رقم 118.

جاء إلى كرسي الباباوية مع وصول "الإخوان" إلى الحكم، هل ظلمه التاريخ في ذلك؟!

الارتباك والقلق كانا عنوان العلاقة بين الرئيس محمد مرسي وتواضروس؛ دخل الأول قصر الاتحادية في حزيران/ يونيو عام 2012، بينما جلس الثاني على الكرسي البابوي في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه، أي بعد فوز مرسي بالرئاسة بـخمسة أشهر.

وخلال العام الذي قضاه مرسي و"الإخوان" في الحكم شهدت العلاقة بين الكنيسة و"الجماعة" مرحلة من الشد والجذب لم تنته حتى بعد انقلاب 30 حزيران/ يونيو والإطاحة بـ"الإخوان" من الحكم.

وشارك تواضروس في صياغة بيان الانقلاب على مرسي في اجتماع "القوى الوطنية" في تموز/ يوليو قبل عامين، ودار نقاش ساخن في ذلك اليوم استمر لخمس ساعات حول عواقب هذا الانقلاب.

ووجدت الكنيسة نفسها بعد ذلك متورطة بجميع التطورات التي شهدتها مصر، دون أن تعطي نفسها الفرصة لإعادة قراءة الأحداث مرة ثانية.

ومع ذلك، فإن الناشطين الأقباط الذين يتحدثون بحذر على مواقع التواصل الاجتماعي، يعتبرون أن الأحداث الأمنية التي تشهدها مصر، تسلط الضوء على الحاجة إلى أن يعمد البابا تواضروس إلى تغيير دور الكنيسة في السياسة الداخلية. 

فالبابا لم يبذل مجهودا فعليا لإدراج المسألة على جدول الأعمال السياسي للكنيسة، ولم يجرؤ سوى عدد قليل جدا من رجال الدين على توجيه انتقادات علنية للنظام العسكري، إذ إن ثمة خطرا ومخاوف من أن يأتي دعم البابا للسيسي والنظام العسكري على حساب قدرة الأقباط على الدفاع عن حقوقهم في المدى البعيد. 

منتقدو تواضروس يقولون إنه أذعن لإجراءات النظام السلطوية دون أي مقاومة، ومنهم الأب فيلوباتير جميل عزيز.

وفي جانب آخر، فإن المعارضة لسلطة تواضروس تأتي أيضا عبر ما يسمى "عشور" الأقباط، وهي إحدى الركائز المالية الأساسية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تنفق منها على مشاريعها وتدفع رواتب الكهنة والأساقفة، وقد استثمرتها الكنيسة في مدارس ومصانع ومستشفيات ومشاريع زراعية، تدر عليها أرباحا مضاعفة، في ظل وفرة مالية لا تنعكس على الأقباط الفقراء، وإنما على الكهنة والأساقفة في صور سيارات ومنازل ورحلات رعوية وعلاجية للخارج.

وعلى وقع هذه الحقائق، فقد خرجت بعض الأصوات القبطية، تطالب تواضروس بإنشاء نظام محاسبي جديد للكنيسة، بعد انتشار الحسابات السرية للكهنة والأساقفة بالبنوك، من أجل حماية أموال الأقباط.
ويقول إيهاب شنودة، المدون القبطي، ومؤسس مدونة "المنارة القبطية"، إن وجود حسابات الكنيسة بالبنوك وتسجيل ممتلكاتها باسم الكهنة والأساقفة، مخالف لتعاليم الإنجيل، ومبادئ المحاسبة السليمة.

في أحداث الثورة المصرية التي أسقطت نظام حسني مبارك، لم يتواجد تواضروس وسط شعبه أثناء صلاة الجنازة على جثمان ضحايا حادث الخصوص، فقد أخذ برأي التقارير الأمنية التي حذرته من مخطط استهداف الكاتدرائية، وقيل إن مشاركته في الجنازة قد تعقد الأمور.

خبرات تواضروس السياسية الشحيحة دفعته لركوب موجة الانقلاب العسكري للتخلص من "الإخوان المسلمين" والتمادي في دعم عبدالفتاح السيسي، حتى إن رجال دين بارزين، مثل الأب مكاري يونان، زعموا أن "السيسي مرسل من السماء". 

ولا يعني ذلك أن جميع الأقباط يساندون توجهات تواضروس؛ فالتيار المعارض يرى أن دعم البابا للنظام وعدم تبنيه موقفا محايدا ربما يحدان من قدرة الكنيسة على حماية حقوق الأقباط.

وتسيطر البابوية على الحراك السياسي لدى الأقباط في مصر منذ خمسينيات القرن العشرين، بعد قيام الرئيس جمال عبد الناصر بحل المجلس الملّي الذي كان عبارة عن مجلس نافذ من الأقباط العلمانيين.

وغالبا ما يفسر دعم تواضروس للانقلاب بأنه يرمي إلى ضمان أمن المسيحيين في مصر، بيد أن سجل الدولة المصرية في حماية الأقباط متفاوت ومليء بالثقوب والثغرات والتقلبات.

لقد أحجم الأقباط في مصر حتى الآن عن التحرك سياسيا بالاستناد إلى هويتهم الدينية، لكن من الملفت للنظر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لم تؤيد قط فصل الدين عن الدولة، في موقف بدا واضحا بعد البيانات الأربعة ليلة الثالث من تموز/ يوليو عام 2013، فقد كانت الكنيسة والأزهر الحديقة الخلفية للانقلاب العسكري، ومنحا مجزرتي "رابعة" و"النهضة" شرعية دينية مضللة وباطلة.

الخيارات أمام تواضروس تضيق، وقدرته على المناورة تبدو ضعيفة وغير مجدية، فهو جزء من تركيبة مصر الآن التي تغلفها الكراهية والرغبة بالقتل.
التعليقات (0)