قضايا وآراء

لمصلحة من تـقـصى حماس؟

فؤاد الخفش
1300x600
1300x600
لطالما استفادت الدول التي تعيش حالات صراع من وضع المعارضة لديها، ولطالما استخدمت تلك المعارضة عصا تلوح بها بوجه الآخرين.
 
وفي منطقتنا كان المقتول والقاتل رابين دائما يلوح باليمين الإسرائيلي في وجه المفاوض الفلسطيني، وأن في "إسرائيل" معارضة تريد إزالة الفلسطينيين وترفض المفاوضات معهم، في محاولة منهم لإخافة الفلسطيني المفاوض لتقديم تنازلات ويوقع على اتفاقيات التسوية.
 
في المشهد الفلسطيني لم يتم الاستفادة من قوة المعارضة (حماس) واستخدامها (إن صح التعبير) في تحسين الموقف الفلسطيني، سواء كان في المفاوضات أو تهديد الاحتلال، بل على العكس من ذلك كانت تُحارب وتُعقد المؤتمرات لمحاربتها ومواجهتها.
 
قيل إن الشهيد الراحل الرئيس أبو عمار كان في مرات يطالب "بتحريك الوضع " من خلال الإشارة لبعض المجموعات لعمل عسكري يرهب الاحتلال ويدفعه للتقدم بالمفاوضات، وبغض النظر إن كانت سياسة تحريك أو تكتيك، فقد كان هناك استفادة من المعارضة الفلسطينية والتي كانت رأس حربتها حماس.
 
اليوم وبعد ثماني سنوات على الانقسام الفلسطيني، والقرار بإقصاء وملاحقة وحل تنظيم "حماس"، وما مورس بحقها من إجراءات منظمه ومرتبة، بدأت واستمرت وانتهت بالاعتقال وحل التنظيم، وكشف كل أسراره، والحرمان الوظيفي ومصادرة جميع الممتلكات والمؤسسات، ضعفت حماس تنظيما بشكل كبير سواء كان هذا الضعف على المستوى السياسي (بالضفة)، أو المستوى العسكري الذي أصبح أثره غائبا بشكل كبير.
 
طبعا أنا لا أنكر أن هناك خلال السنوات الماضية محاولات وما زالت لإعادة القوة للجناح العسكري لحماس في الضفة، وهناك بعض العمليات منها ما نجح (وعددها محدود)، ومنها من أفشل بغض النظر عن السبب ولكن هذا هو الواقع والحال.
 
قرار إقصاء "حماس" لا يختلف عليه اثنان داخل المؤسسة الرسمية الفلسطينية، وأقصد هنا السلطة الوطنية الفلسطينية والتي تمثلها حركة فتح، ولا تقنع أحد أي أحاديث سياسية عن ضرورة المصالحة ما دام الواقع المترجم على الأرض يصب في خانة إنهاء حماس (تنظيميا).
 
الذي أريد أن أناقشه عبر هذا المقال هو النتيجة التي تحققت بعد إقصاء "حماس"، وما أوصلنا له هذا الحال من ضعف كبير انعكس على المشهد الفلسطيني العام، فاستفرد بنا الاحتلال وبات يقتل ويصادر وينهب ويدمر البيوت، ويلاحق المقاومين ويحرق الأطفال من أبو خصير لدوابشة، والقافلة طويلة.
 
لا يختلف أحد أن غياب قوة حماس العسكرية (في الضفة) ساهم وساعد في توغل وتغول الاحتلال بالطريقة التي نشاهدها في الوقت الحالي، وأن الاحتلال الذي بات لا يخشى من رد الفعل الفلسطيني (المنظم) هو الذي دفعه للتمادي في جرائمه.
 
حجم الحملة الإعلامية  التي يشنها المسؤول الفلسطيني والموجهة ضد (الفلسطيني)، أكبر بكثير من تلك التي يشنها المسؤول الفلسطيني ضد الاحتلال، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان في الساحة الفلسطينية.
 
لقد وظفت الفصائل الفلسطينية متحدثين وظيفتهم الأساسية محاربة الفصائل الفلسطينية والرد على كل تصريح، بينما ينعم الاحتلال ومستوطنيه بالأمن والأمان، ويتنقلون من جريمه لأخرى دون وجود من يتلسن عليهم، وهذا ليس من باب المبالغة بل من باب التوصيف الدقيق للأحداث.
 
فتح والسلطة أقنعت نفسها أن حماس غول إن قويت شوكتها بالضفة فإنها ستنقض عليهم وتأكلهم وتنهي وجودهم كما حدث معها في غزة، التي سيطرت عليها حركة حماس بليلة وضحاها وهذا ما لا استطيع أن اناقشه معهم أبدا، لأن قناعتهم بذلك مطلقة، ولن تنفع معهم جميع أحاديث التطمين وغيرها من التصريحات.
 
كل ما أريد أن أقوله من خلال هذا السرد أن "حماس" الضعيفة بالضفة أضعفت السلطة وفتح وجعلت صورتها بهذا الشكل الهزيل، الذي لا يقوى على الرد على جرائم الاحتلال، وحولها من فصيل وسلطة تقاوم الاحتلال إلى سلطة وفصيل تمنع فصيل فلسطيني من الصعود ولملمة نفسه، بينما يرتع الاحتلال بطول البلاد وعرضها.

ليس من السهل أن تغير السلطة موقفها من حماس، وليس من السهل على حماس أن تقنع فتح بنواياها وطبيعة صراعها في الضفة، والأصعب من كل ذلك أن القضية الفلسطينية لن تستطيع الخروج مما هي فيه إلا بهذين الفصيلين شئنا أم أبينا، فباقي الفصائل (في الضفة) أقصت نفسها ولم تستطع أن تخرج أحد من هذا الواقع، حتى مشاركتها في الانتخابات ببعض البلديات في ظل غياب حماس، لم يوصلها لمرحلة الحسم إطلاقا لأنها لا تمثل البديل المتمثل في فتح وحماس.
 
الإحتلال هو المستفيد الأول والسلطة هي الخاسر الأكبر من هذا الإقصاء، والشعب هو المقهور أكثر وأكثر في ظل تصاعد جرائم الاحتلال ومطالبة الجماهير برد يزلزل المحتل، ويشفى غليل من ماتوا حرقا ومن يحاول أن يقسم الأقصى زمانيا.
 
وإلى أن تصل هذا القناعة للفلسطيني المسؤول والعمل على تغييرها، سيبقى الوطن هو الذي يبكي على حاله ويتألم على وضعه، وسلام عليك أيها الوطن.
التعليقات (0)