مقالات مختارة

أردوغان ومحاولة صناعة المعجزة الألمانية في تركيا

أيمن خالد
1300x600
1300x600
لا يمكن إجراء مقارنة واقعية بين المعارضة التركية الموجودة الآن، وبين المعارضة الموجودة في الدول المتقدمة، لأن المعارضة التركية تنتمي من حيث طريقة التفكير والعمل إلى المعارضة الموجودة في العالم الثالث. فالمعارضة والنظام الحاكم في دول العالم الثالث لا يُكّمل أحدهما الآخر، وإنما كل طرف يسعى إلى تدمير الطرف الآخر، مستخدما أبشع الوسائل، فالعملية الديمقراطية في دول العالم الثالث، غالبا تنتهي بكوارث وحروب دموية، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى عودة حكم الجنرالات وموت العملية الديمقراطية، وهكذا هو بالطبع المشهد الأفريقي والعربي، وبعض الدول الآسيوية.

لذلك عندما نقول للشعب التركي، إنه في حال فوز الحزب الجمهوري في الانتخابات، فإن تركيا بانتظارها دمار هائل وحرب أهلية، فنحن لا نأتي بجديد، وإنما نحن فقط نتحدث عن قوانين الصراع التي تحكم اللعبة الديمقراطية في دول العالم الثالث، والتي من خلالها بالطبع نصل إلى هذه الرؤية السياسية.

رؤية المشهد التركي لم تعد صعبة أبدا، ويستطيع كل سياسي متدرب أن يكتشف اللعبة السياسية بداخلها، فهناك قوى سياسية ترى المستقبل وتستعد لمواجهته، وهناك قوى ثانية ترى الماضي وتحلم بالعودة إليه وتريد إعادة الناس إليه، وهو الحزب الجمهوري، دون مراعاة لطبيعة الجيل الحالي من الشعب التركي، ودون التفكير بحجم الانقسام الداخلي الذي سيحدث وكيف سيتجه في المستقبل، وهذا يعني بالضبط، أن تركيا خلال الأيام القليلة القادمة، هي الأمة الكبيرة التي تقف على مفترق الطرق، فإما ستتوجه إلى ركاب الأمم العظمى، أو أنها ستدخل في حمى الصراعات المريرة التي ستنتهي بكارثة على مختلف شرائح الشعب التركي.

من الظلم الكبير، أن نستمع للإعلام الخارجي الذي يحاول تصوير الزعيم -رجب طيب أردوغان - أنه يريد إعادة تشكيل دولة الخلافة من جديد، وأن هذا البلد يفقد رؤيته العلمانية ويتجه نحو رؤية أصولية، وهذه بالطبع رسائل مشبوهة، تحاول أن تبث الرعب في الشارع التركي، الذي هو مثل كامل شعوب المنطقة، يريد دولة يتساوى الجميع فيها في حقوقه المدنية، ولا يقبل بالتأكيد بدولة مثل دولة طالبان، التي قدمت رؤية خاطئة في فهمها طبيعة وتكوين المجتمع، فانتقلت من حرب إلى حرب، حتى باتت كلمة –أفغانستان- تعني دولة الحروب والصراعات.

بالنسبة لي ككاتب فلسطيني حاولت أن أراقب الحياة السياسية في تركيا بدقة، وأستطيع أن أقول إنني رأيت أن حزب العدالة والتنمية منذ بداية خطواته، يحاول تنفيذ الحراك السياسي الذي شهدته ألمانيا، فالمعروف أن ألمانيا الشرقية كانت دولة متخلفة، وتنتمي من حيث السلوك السياسي إلى جيل الدول المتخلفة في كل شيء، كونها كانت تحت قبضة الشيوعية، وعندما تم توحيدها مع ألمانيا الغربية، كان الكثيرون يتوقعون أن ألمانيا ستغرق في مشكلاتها ولن تتمكن من النهضة بعد تلك الوحدة، ولكن ألمانيا نهضت، واليوم تحكم ألمانيا امرأة ولدت ونشأت في ألمانيا الشرقية، في مفارقة لم تكن أبدا متوقعة عندما تم توحيد شطري البلد.

بتقديري إن تجربة حزب العدالة والتنمية تنطلق من هنا، حيث أراد هذا الحزب أن يقوم أولا بدفن جراح الماضي، وبدأ يعمل على توحيد مكونات الأمة في تركيا، وطرح عمليته السلمية، واستطاع الوصول إلى نقاط متقدمة لم تكن متوقعة أبدا، فاليوم هناك وزراء من الأكراد، وغدا سيكون رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء من الأكراد، بحسب ما يفكر حزب العدالة والتنمية في حال استمرار العملية السلمية. 
 ولكن الفرق بين تركيا وألمانيا، هو أن الثقافة السياسية في ألمانيا متقدمة، حيث تعاونت جميع الأحزاب لنهضة بلدها، بينما نحن في تركيا لدينا معارضة تحمل رؤية سياسية قديمة متخلفة، لا تريد أبدا سوى مصالحها وليس مصلحة البلاد، ولدينا منظمات إرهابية، تحاول قوى سياسية أن تمنحها صبغة شرعية كما يفعل حزب الشعوب الديمقراطي.

بتقديري إن الرئيس رجب طيب أردوغان أراد منذ البداية تحقيق معجزة النهضة الألمانية في تركيا، ولكن الذين لا يريدون لهذه المعجزة أن تتحقق هم الذين يقومون بنشر الخوف في تركيا، وتقديم هذا الزعيم الطيب على أنه يريد أن يكون أكبر دكتاتور في الشرق، وهم أنفسهم يعلمون، أن الحروب وحدها هي من تصنع المستبدين والظلمة، وليست الخطوات السلمية التي تسير عليها تركيا منذ مجيئه.

آخر الكلام، الأهم من الفوز في تركيا هو أن على هذا البلد أن يجد طريقة معينة تصبح فيه الانتخابات تشبه انتخابات الدول المتقدمة، يجب أن تبدل تركيا طريقة التفكير التي تستخدمها المعارضة، طريقة الانتقام، طريقة التدمير، لأننا بحاجة إلى أحزاب تكمل بعضها البعض، وتعمل على حل معضلات الأمة. 
لا توجد أحزاب كاملة بالمطلق وتخلو من الأخطاء، ولهذا السبب تجلس المعارضة والحكومة في كل الدنيا وكل دول العالم المتحضر، ويبدو أن بالتفكير في طريقة يستمر فيها تقدم البلاد، باستثناء تركيا وحدها، هذه الدولة الكبيرة والمتقدمة، تجلس فيها المعارضة على مقاعد البرلمان لتقول كلمة – لا – فقط، ولا تملك شيئا غير هذا.

أقول لعموم الشباب التركي، هذه النهضة التي تجدونها في بلادكم قد تخسرونها في أشهر معدودة، وتجدون تركيا تسير مثل أي دولة عربية أو أفريقية، وأقول وأكرر من جديد، لقد أثبت التاريخ، أنه لا توجد أمة عظيمة وأمة غير عظيمة، ولا يوجد شعب عظيم وشعب غير عظيم، بل هناك شعوب وأمم منظمة، وشعوب وأمم غير منظمة، هناك شعوب تقوم بتنظيم نفسها وتصنع المعجزات مثل ألمانيا واليابان، وهناك شعوب تدمر نفسها وحضارتها كما حدث في مصر التي كانت قبل 200 عام تنافس فرنسا، ولكنها الآن في آخر السلم الحضاري والاجتماعي.

انتبهوا جميعا.. تركيا في خطر، وأردوغان رجل ليبرالي رائع.

 (عن صحيفة ديريلش بوستاسيه التركية)
0
التعليقات (0)