قضايا وآراء

هل نحن بصدد نظام إقليمي جديد؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
أثار مشهد اجتماع فيينا قريحة البعض للحديث عن نظام إقليمي جديد بدأ يتبلور في المنطقة، بل إن ثمة من أعلن ولادة هذا النظام، فحضور إيران الاجتماع اعتبر بالنسبة لهؤلاء مؤشرا كافيا على حصول مثل هذا الأمر، فهل حقيقة أن المنطقة باتت على أعتاب تشكّل نظام إقليمي يختلف في تفاعلاته وتراتبيته عما كان سائدا في العقود السابقة؟

في الواقع تحتاج ولادة نظام إقليمي جديد إلى متغيرات وشروط وبيئة حاضنة، وهذه المتغيرات يتوجب حصولها في البيئتين الإقليمية والدولية، بحيث تمنح المخرجات السياسية الناتجة عنها فرصة التشكّل والتّموضع ضمن بيئتها، وإذا كانت الأزمة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط قد أغرت الكثير بالحديث عن ولادة هذا النظام الإقليمي، إلا أن الوقائع لم تفرز ظهور قوى كبرى أو مجموعة من الدول تشكّل نواة وقيادة هذا النظام، وهذا أهم شرط للحديث عن ولادة نظام إقليمي، بالإضافة لذلك عدم توفر البيئة الحاضنة والداعمة لهذا الإطار في ظل بيئة منقسمة عاموديا وأفقيا وعلى المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

حاولت إيران على مدار السنوات السابقة الإيحاء بأنها قد أنجزت الشروط الكافية لصناعة نظام إقليمي تتزعمه وتشكل القائد والممثل له أمام القوى الدولية الكبرى، وقد فعلت ذلك دون أن تكلّف نفسها عناء التنسيق حتى مع بقية أعضاء الإقليم المفترض، وقد تذرعت بدفاعها عن الإسلام، وبالتالي فإن تمثيلها وقيادتها للإقليم لا يحتاجان إلى تفويض من بقية الأطراف، وخاصة وأنها تدّعي تمثيلها للشعوب المسلمة وليس الحكومات والأنظمة، وقد طرحت إيران هذا الأمر عبر ما أسمته" حوار الحضارات" حينها اعتبرت طهران نفسها الممثل الوحيد والحصري للحضارة الإسلامية.

غير أن هذه الصيغة لم تكن عملانية بالقدر الذي يحقّق لإيران رغبتها، كما أن شعارات إيران لم تشكّل دينامية كافية لتحقيق هذه المهمة، عند ذلك انخرطت إيران في صراعات مباشرة مع غالبية القوى والأنظمة في المنطقة، وذلك بهدف إحداث تغييرات جغرافية وديمغرافية تمكنها من تشكيل إقليم خاص بها يمتد من طهران حتى صور ويشمل البحرين واليمن في الشرق والجنوب، علّها بذلك تحصل على اعتراف عالمي بأن الإقليم الذي تسيطر عليه يشكل حالة متميزة عن النظام العالمي؛ نظرا لوجود عناصر مشتركة، ثقافية واجتماعية واقتصادية، تدعّم الشعور بهوية الانتماء الإقليمي وتسمح بالقول بوجود إقليم متماسك ومتميز.

بالطبع، تحقيق مثل هذا النظام كان يتطلب أولا تحطيم النظام الإقليمي العربي وتهشيمه، وإلغاء التراتبية الإقليمية على مستوى الشرق الأوسط الأوسع، والتأثير على التفاعلات الحاصلة في قلب النظام الدولي انطلاقا من حقيقة أن النظام الإقليمي هو نظام فرعي للنظام الدولي، ونظرا لحجم الأضرار التي يرتبها هذا الفعل الإيراني على أطراف عديدة، كان من الطبيعي أن تنهض أكثر من قوى لمواجهته وإن كان العبء الأكبر قد وقع على الدول العربية، وبالتحديد الخليجية منها.

أمام هذه العوائق واكتشاف إيران حدود قدرتها على إنجاز أهدافها في صناعة إقليم خاص بها أو التسيّد على النظام الإقليمي الحالي، سارعت إيران  إلى استدعاء روسيا بإغرائها ببعض النفوذ ضمن الإقليم الإيراني قيد الإنجاز، شريطة أن تتحول روسيا إلى أداة تشغيلية في إنجاز هذا المشروع، وبعد تحقيق المهمّة وتسليم التعهد إلى إيران، تنظر هذه الأخيرة في الحصص التي ستسمح بمنحها للروس، في سوريا أو العراق!

طبعا لا روسيا في صدد إهداء أي مكاسب إلى إيران طالما هي لم تستطع تكريس مكاسبها حتى اللحظة، ولا الأطراف الإقليمية والعربية، وحتى الدولية، بصدد التنازل لإيران عن أدوارها الإقليمية، وبالتالي فإن ما يحصل لا ينطوي على إرهاصات ولا نذر بتشكل نظام إقليمي جديد، فالقديم رغم كل علله لا زال على قيد الحياة ولم تطرح بعد صيغة يتوافق عليها الجميع للحلول مكانه، كما أنه لم تظهر قوى قادرة على فرض هذا الأمر على الجميع، على العكس من ذلك فإن إيران وحتى غالبية القوى في المنطقة على درجة من الإعياء والإنهاك، بما لا يؤهلها من هنا وحتى عقد على أقل تقدير لقيادة تغييرات كبرى في المنطقة.

والمرجّح بدل ذلك، أنه إذا تم تحقيق تسوية في الملف السوري، فإنه سيتم اللجوء إلى قوى دولية، قد تكون روسية – أمريكية، لإدارة الشؤون الإقليمية في المرحلة القادمة، ما يعني حكما إنكفاء إيران حتى إلى ما بعد البصرة، ولكن على أساس أنها طرف خاسر مثل غالبية الأطراف في المنطقة، وبالتالي الأرجح أننا أمام مرحلة نهاية الحلم الامبراطوري الفارسي، بعد تهشم نصال الرمح الإيراني وانكساره في أكثر من مكان من اليمن إلى الشام.         
 
0
التعليقات (0)