بورتريه

باسم الأب والابن.."نداء تونس " في مهب العاصفة (بورتريه)

حافظ قايد السبسي بورتريه
حافظ قايد السبسي بورتريه
لا يكاد يظهر في الصورة، فلا حضور إعلاميا يذكر له، ولا مواقف رسمية تحسب للرجل، بخلاف ما يدونه بين الفينة والأخرى على حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

تقف النخب الفكرية والسياسية التونسية موقفا متحفظا من مسألة التوريث دون أن يقللوا من مخاطر التوريث الذي كان وراء مآسي العديد من الدول العربية.

منتقدوه يرون أنه لا يمتلك مؤهلات مناسبة للإشراف على حزب "نداء تونس" نظرا لافتقاده للتجربة السياسية.

ويقول قياديون في الحزب: "إن الابن لم يعرف له اهتمام بالسياسة أو بالشأن العام، وأنه تم زرعه في الحزب لأنه ابن زعيم الحزب".

لم يكن من القيادات المعروفة في المشهد السياسي التونسي، ولم يسطع اسمه إلا بعد تولي والده رئاسة الحكومة عام 2011، ثم بعد تأسيس والده حزب "نداء تونس" عام 2012،  فكان من أوائل المنضمين إليه، وهو في بداية الخمسينيات من العمر، ويعمل في قطاعات تجارية بعيدا عن السياسة.

المعارضون ودون مواربة يتهمون الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بأنه يسعى منذ فترة إلى تعبيد طريق السياسة أمام ابنه حافظ، من خلال فرضه كقيادي في الحزب وهو ليس من المؤسسين لهذا الحزب، كما أنه لم يعرف عنه أي انخراط في النشاط السياسي لا قبل الثورة ولا بعدها.

ولا ينكر المعارضون له أن هناك من داخل الحزب من دعم حافظ الباجي قائد السبسي وهو ما جعله يشغل في خطوة أولية مهمة الاشراف على "الهياكل للحزب"، وهي خطة مهمة في التنظيم الحزبي، وتم تصعيده ليصبح نائب رئيس الحزب، وهو ما جعل "طموحاته" تكبر و"تتغول" للتفكير في "الاستحواذ على الحزب"، وفق معارضين له.

وفي السياق ذاته، تجمع كافة القيادات الغاضبة في "نداء تونس" ومنها الأمين العام للحزب محسن مرزوق على أن هناك خطة يعد لها لتوريث السبسي الابن في قيادة الحزب، وهو ما جعل الأزهر العكرمي ومجموعة الـ32 نائبا الذين استقالوا من الحزب ومن كتلته في البرلمان يرفعون "لا للتوريث" كشعار مركزي لحملتهم "من أجل إنقاذ الحزب"، وفق تعبيرهم.

لكن للسبسي الأب وجهة نظر مغايرة؛ فقد دعا في أكثر من مناسبة إلى "عدم معاقبة حافظ لكونه ابن الباجي قائد السبسي مؤسس الحزب ورئيس الدولة"، معبرا عن رفضه للتوريث، مؤكدا "وقوفه على نفس المسافة من كافة الأطراف المتنازعة داخل الحزب".

وفي رد على الشق المعارض تعيين ابنه، قال: "إن من يرفضون تقلده هذا المنصب غير ديمقراطيين وبخاصة أن الباجي قائد السبسي رئيس للحزب وليس رئيسا للحكومة ما يفند مزاعم التوجه نحو توريث الحزب"، مبينا أن "الهدف الأساسي هو إنجاح الحزب وتقديم الإضافة في منصبه"..

وهو موقف لم يتفاعل معه الجناح الغاضب وواصل ترديد المقولات السابقة عن التوريث السياسي. بل إنهم اعتبروا هذه التصريحات ضوءا أخضر من والده للهيمنة على الحزب، خصوصا أن القيادات المعترضة على التوريث تتهم مؤسسة رئاسة الدولة وتحديدا رئيس ديوان الرئاسة رضا بلحاج (وهو من مؤسسي الحزب)، بالوقوف إلى جانب حافظ السبسي، عبر تسخير إمكانيات وسلطة الرئاسة، وكذلك الدولة لدعم ابن الرئيس.

اختيار حافظ لمنصب المنسق العام للهياكل في حزب "نداء تونس" في إطار لجنة تضم 15 قياديا من الهيئة التنفيذية، بعد مطالبة شقّ من الهيكل التنفيذي للحزب بمنح حافظ دورا داخل الحزب، بالنظر إلى ما يتمتع به من خصال ستمكنه وفق منظورهم من النجاح في مهامه الجديدة.. حظي داخل قيادة الحزب بالقبول والرفض على حد سواء، وقد تكون أسباب القبول واضحة، وهي التقرب من الابن لإرضاء الأب أو إيمانا بقدرات قائد السبسي الابن، أما الخلفيات الأساسية للرفض المطلق لهذا الإجراء العائلي فهي تخوفات من توريث الحزب وسحب البساط من قيادات الحزب إلى قيادات العائلة.

يعد منصب المنسق العام للهياكل من أهم المناصب على الاطلاق في الأحزاب السياسية، فتقلد هذه المهمة المحورية هو بمثابة مسك الحزب بقبضة من حديد، والتحكم فيه مركزيا وجهويا ومحليا، وإذا وضعنا بعين الاعتبار أن "نداء تونس" يستعد لعقد مؤتمره التأسيسي الأول فإننا ندرك أن المكلّف بالهياكل هو الأوفر حظا للنجاح في الانتخابات الداخلية، وتقلد منصب رسمي وقار إلى حين عقد المؤتمر الثاني.

أهمية هذا المنصب، وما تقدمه نتائج تعيين حافظ على رأس التنسيقية العامة للهياكل، خطوة مخيفة بالنسبة إلى شق من "نداء تونس"، ممن يشككون بالخصوص في كفاءة الرجل، في مرحلة تتطلب اعتماد سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب.

هذا المنصب تقلده في الأشهر الأولى من تأسيس الحزب محسن مرزوق، قبل أن يتم تكليف عبد المجيد الصحراوي وخميس كسيلة والهادي الغضباني، وأخيرا صعود حافظ السبسي إلى ذات المنصب..
دون أن  يعرف أحد حتى اليوم الأسباب الحقيقية التي تقف وراء التغيير الأول ثم الثاني فالثالث، ليحتل الثالث دائرة الانتقادات. 

لكن حافظ السبسي له رأي آخر؛ فهو يرى أن "الكاريزما وحب الناس مكسبان لا يباعان ولا يشتريان"، وقد ذهب الابن إلى أبعد من ذلك، ليقول إن منتقدي والده هم "انتهازيو الهيئة التنفيذية" كما يصفهم.

ويقول: "هو من جلب لهم الشهرة والإعلام، ولا أعلم صراحة ما إذا كانوا يبحثون عن مصلحة البلاد والحزب أم عن مصالحهم الشخصية، وإن كانت الأخيرة فلا أرى أنها قد تتحقق بسهولة، لأن حب الناس لوالدي لم يشتره من دكان في البحيرة، إنه نعمة منّ الله عليه.. ووحده تقريبا من يمتكلها".

يستغرب الابن الانتقادات التي تطاله من قبل بعض الأطراف السياسية والإعلامية، بسبب انخراطه في حزب يترأسه والده، فيقول: "هل أقصى من العمل السياسي فقط لأنني ابن الباجي قائد السبسي؟ وما هو الحل؟ هل أنخرط في حزب آخر حتى يرضى من يرفضني وينتهي الإشكال ببساطة؟"، ويضيف: "يلومونني كثيرا لأنني أبحث عن مصلحة والدي ولا أعلن أنه لن يترشح لرئاسة الحركة وأنه ليس لديه أية طموحات للترشح لرئاسة الجمهورية".

وقال: "إن الإشكال مع محسن مرزوق ليس شخصيا، بل خلاف في التمشي والمسار"، متهما مرزوق "باستغلال الحزب لخدمة مصالحه الشخصية" وبأنه "يشوه صورة رئيس الجمهورية في الخارج".

واتهمه بالترويج، لدى تنقله بين البلدان (الولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا وألمانيا وروسيا)، لأشياء "من شأنها المس بمصلحة البلاد من قبيل التهجم على المؤسسة الأمنية واتهام الحكومة بأنها متعاطفة مع الإرهاب والفساد، ليصل الأمر إلى حد المس بمصالح البلاد في علاقتها مع الجزائر"، على حد تعبيره.

لكن البحث عن مصلحة السبسي الوالد، قد تكون بوابة لإقصاء بعض القيادات أو على الأقل إضعافهم فلا مصلحة أيضا في صعود شخصية قد تشكل منافسا للأب الذي تترصده عدة عوائق للوصول إلى قرطاج لعل أهمها السن، ويعتبر حافظ  في عيون خصومه في الحزب، المعطل الأساسي لصعود أي  نجم قادم من بعيد، في ثوب مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية.

الألسن في صالونات تونس تقول، إن حافظ قائد السبسي هو العيون التي لا تنام لأبيه، وهو من يتابع نشاط زملائه في الهيئة التنفيذية، وعلاقتهم مع الأحزاب الأخرى، وما يقولونه أو يضمرونه من خير أو شر إزاء رئيس الحزب، وأجنداتهم الشخصية، فلاشيء يخفى عن الباجي إلا ويجده عند حافظ، وما لا يقوله الاب صراحة، يصدح به الابن بطلاقة، دون ان يحاسب على شىء فهو نجل الرئيس.

حافظ السبسي نجل الرئيس الذي يزعم أنه تشرب السياسة في بيت أبيه، وبأنه من مؤسسي "نداء تونس" على عكس معارضيه، وبأن الحزب هو حزب يتيم بعد الزعيم السبسي.

لكن ما خفي في كلام حافظ السبسي هو أن "نداء تونس" ليس حزبا عقائديا، ولا يوجد فيه أي انضباط أو تماسك فكري، فهو شكل في الأساس من شخصيات سياسية وحزبية وناشطة لا يجمعها أي شيء سوى معاداة وكراهية "حركة النهضة"، الحركة التي تبدو أذكى بكثير من محاولات جرها للعب دور الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان، فهي من الأساس تركت لهم رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، والجمل بما حمل لإنجاح التجربة الجديدة.

لا يبدو السبسي الابن مستعدا للتراجع عن منصبه في الحزب فهو يقول: "أنا ابن سياسي، ترعرعت في السياسة، وسأعمل في السياسة ولن يمنعني أحد من ذلك".

ورغم أنه يقول: "لن أترشح لا لرئاسة الحزب ولا لأمانته العامة ولا لرئاسة الجمهورية" فإنه لن يقبل أبدا بتسليم القيادة لمحسن مرزوق أو لجماعته، فهو، أي مرزوق، "وظّف الحزب لخدمة مصالحه الشخصية".

صراع سياسي طويل يواجهه "نداء تونس" فهو حزب "وظيفي" أدى دوره في مواجهة "النهضة" وحان الوقت لعودته إلى حجمه الطبيعي، ووضعه الطبيعي "حزب تمتلكه العائلة".
التعليقات (0)