بورتريه

ترامب.. خطاب فاشي موجه لحزب "الذين لا يعرفون شيئا" (بورتريه)

ترامب بورتريه
ترامب بورتريه
لا يقدم خطة محددة لإعادة "العظمة الأمريكية" كما يزعم. يستخدم تعبيرات وألفاظا مستهلكة ومبتذلة، تجعله يبدو رجل شارع جاهلا وسطحيا وليس مليارديرا أو سياسيا يترشح لأكبر منصب سياسي في العالم.

ينطلق من ثقة هوجاء بالنفس، متعصب، ومسكون بالحديث لوسائل الإعلام حد الهوس، يقتبس شعاره من خطاب سابق للرئيس رونالد ريغان: "فلنجعل أمريكا دولة عظمى مجددا". وريغان هو ملهم اليمين الأمريكي المتطرف.

يدرك أن السلطة والظهور الشخصي ولو على حساب المبادئ توأمان غير قابلين للتجزئة، وخصوصا بالنسبة لدولة وإمبراطورية مصابة بخسائر جمة على الصعيد العسكري والاقتصادي والإنساني.

يدير حملة انتخابية شعبوية لا تحمل أي أفكار تستحق النظر إليها أو قراءتها قراءة متأنية وهي تخاطب أولئك "الذين لا يعرفون شيئا"، وهو أكبر حزب في الولايات المتحدة حزب "الديماغوجية"، وللمصادفة فإنه حزب مؤثر ومستودع للأصوات الانتخابية.

يستخدم خطابا يثير الكثير من الجدل في أمريكا وخارجها، نظرا لما يحمله من كراهية للأجانب وعداء صريح للمسلمين، جعل الكثيرين يصفونه بـ"الفاشي".

تصريحاته مثار اشمئزاز لدى الكثير من الأمريكيين، بما فيهم المحسوبون على "المحافظين"، الذين اعتبروها "فاشية" لا تخدم مستقبل "الجمهوريين" وتضر بهم كثيرا في الانتخابات المقبلة، حتى إن خبراء اعتبروا أنه في حال فوزه في الانتخابات التمهيدية فستتضاعف حظوظ مرشح "الديمقراطيين" للفوز في الانتخابات الرئاسية.

وكثيرا ما ظل الخطاب الشعبوي حاضرا في الحملات الانتخابية الأمريكية، لكن التصريحات الصادرة من المرشح للانتخابات التمهيدية لـ"الجمهوريين" دونالد ترامب، أخذت أبعادا غير مسبوقة نظرا لحدتها واستهدافها للأجانب والمسلمين.

وفي آخر خروج إعلامي له ضد المسلمين، دعا ترامب في بيان بموجب حملته الانتخابية إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، معتبرا أن الأمر "ضروري لضمان أمن" البلاد.

وكشفت تقارير إعلامية أمريكية عن أن المغذي الرئيس لأفكار ترامب المتشددة ضد الإسلام هو فرانك جافني، وهو باحث مغمور مصاب بـ"الإسلاموفوبيا" ويعتمد عليه ترامب بترويج نظريات المؤامرة.

وسبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأمريكية بحقبة الرئيس الأسبق، رونالد ريغان، ويصفه اليوم مركز "ساوثرن بوفرتي" المعني بمراقبة الدعوات والنزعات العرقية المتشددة بأنه "أحد أعتى دعاة الإسلاموفوبيا بأمريكا"، وهو يعتزم إضافته إلى قائمة "دعاة الكراهية" للعام 2016.

ومنع المسلمين من  دخول أمريكا ليس هو الطرح النازي الوحيد لديه؛ فهو صاحب "خطة ترامب" التي تقوم على تقديم حل للصراع العربي الإسرائيلي. فهو اقترح قائلا: "أعطوا الجزيرة الأمريكية بورتوريكو للفلسطينيّين كتعويض عن خضوعهم لإسرائيل". ووفقا للخطة؛ تقوم الولايات المتّحدة بالمساعدة في تمويل عمليّة نقل أربعة ملايين مواطن من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى بورتوريكو.. وأوضح ترامب أن مساحة بورتوريكو أكبر من مساحة الضفة الغربية ومن مساحة غزة.

وأضاف ترامب: "حتى أنا شخصيا سأنشئ لهم نسخة مطابقة للمسجد الذي يقتلون بسببه الإسرائيليين الأبرياء"، وفقا لزعمه.

كلام ترامب هذا، قد لا يؤثر سلبا على حملته الانتخابية بين المسلمين في الولايات المتحدة، وهم قلة أصلا..

إلا أن ثمة مجموعة واحدة من المسلمين على الأقل، وتحديدا رجال الأعمال الخليجيين الذين تودد لهم الملياردير الأمريكي طوال سنوات، قد تستطيع وضعه عند حده، أو على الأقل تكبيده ثمن أقواله.

وكان كلام له يزدري فيه المكسيكيين كلفه العام الماضي صفقة مربحة مع "يونيفيجين" كبرى شبكات التلفزيون الأمريكية للناطقين بالإسبانية.

وهو يجني الملايين من مشاريع في تركيا وإندونيسا وأذربيجان والإمارات، ويُظهر أحدث إفصاح مالي شخصي، طلب من جميع المرشحين للرئاسة الأمريكية وعلى موقعه على الإنترنت، مشروعات له في دول إسلامية.

ولكن لترامب أيضا مصالح في الإمارات بشكل خاص، وتحديدا دبي، بما فيها علامته التجارية لملاعب الغولف، إضافة إلى تطوير فنادق فخمة ومشاريع عقارية أخرى. وثمة تقارير تتحدث عن تخطيطه لتوسيع أعماله الفندقية في المنطقة إلى 30 فندقا بحلول 2020.

وتستثمر الشركة القابضة "منظمة ترامب" في مشروعين للعقارات والغولف في دبي مع شركة "داماك" التي وصف مديرها التنفيذي حسين سجواني المرشح الأمريكي بأنه "صديق جيد".

وسبق لابنة ترامب، إيفانا التي تشغل منصب نائب مدير التطوير والاستحواذ في "منظمة ترامب"، أن صرحت بأن الشركة تسعى إلى "فرص عدة في دبي وأبو ظبي وقطر والسعودية"، معتبرة أنها المناطق الأربعة "الأكثر أهمية".

في رأي صحيفة "الفايننشال تايمز"، ليس واضحا ما إذا كانت هذه المشاريع ستمضي قدما بعد كلام ترامب الذي أثار غضبا واسعا في دبي التي يزورها الملياردير الأمريكي كثيرا.

مجموعة "لاندمارك" في دبي سحبت كل مواد الديكور المنزلي التي تحمل علامة "ترامب" من متاجر "لايف ستايل" العملاقة المتخصصة في مبيعات التجزئة والبالغ عددها 180.

وتراوحت حياة دونالد ترامب المولود في حزيران/ يونيو عام 1946، بين مشاريع عقارية ضخمة وبين خسائر وانتكاسات مالية عديدة، وتهرب من سداد القروض للدائنين..

فهو وريث لأحد الأثرياء وملاك العقار في مدينة نيويورك، وتأثر تأثرا شديدا بوالده، فآل به المطاف إلى وراثة مهنته في مجال التطوير العقاري.

درس ترامب في جامعة "فوردهام" لمدة عامين قبل أن ينتقل إلى كلية "وارتون" التابعة لجامعة "بنسلفانيا". بعد تخرجه في عام 1968 وحصوله على بكالوريوس في علوم الاقتصاد، بدأ حياته المهنية في شركة والده، وتركز عمله في البداية على الطبقة المتوسطة أسوة بوالده، باستئجار المساكن في بروكلين وكوينز وستاتن آيلاند.

في عام 1971، نقل ترامب مقر إقامته إلى مانهاتن، كانت بدايته في مجال الأعمال في السبعينيات بقرض صغير - على حد وصفه - قدره مليون دولار فقط من والده، وكانت أبرز نجاحاته في العقارات من خلال المشاريع العملاقة المربحة مثل مشروع فندق "غراند حياة" بمانهاتن عام 1980، وهو المشروع الذي جعله أكبر وأشهر رجال الأعمال في المدينة وقتها. وعرف عنه حبه للمشاريع والمباني الضخمة؛ فهو نفسه كان يمتلك أطول مبنى في شيكاغو والعالم قبل برج خليفة الذي يضم الشقة التي عرفت بين سماسرة العقارات بالشقة الأفخم والأغلى ثمنا في العالم.

بحلول عام 1989، وآثار الركود الاقتصادي، أصبح ترامب غير قادر على الوفاء بدفعات القرض لكنه عزز أعماله التجارية مع قروض إضافية وتأجيل مدفوعات الفائدة، إلا أن زيادة الديون بحلول عام 1991 دفعته إلى حد الإفلاس الشخصي، لكن المصارف اختارت إعادة هيكلة ديونه لتفادي خطر فقدان المزيد من المال.

بحلول عام 1994، كان قد تمكن من التغلب على مشاكله المالية. وشهدت أواخر التسعينيات تصاعدا في وضعه المالي وفي شهرته.

ومع بوادر الأزمة المالية عام 2008 امتنع عن دفع قرض بقيمة 40 مليونا لـ"دويتشه بنك" في كانون الأول/ ديسمبر بحجة أن هذه الأزمة "هي قانون الله".

صورة ترامب كرجل أعمال ناجح لم تقف في عالم الأعمال، فقد استثمرت في التلفزيون عندما شارك في برنامج تلفزيون الواقع" The Apprentice" ثم في النسخة الجديدة من البرنامج "The Celebrity Apprentice"، وهي البرامج التي شارك فيها كحكم للمتسابقين الساعين لوظيفة في مجموعته، واشتهر فيها بعبارات طرده للمتسابقين.

وظهر ترامب في عدة حلقات من مباريات مصارعة المحترفين، إلا أن صورة ترامب عانت انتقادات كثيرة مع دخوله عالم السياسة؛ فترامب الذي يعتبر نفسه سياسيا، هو ذو انتماء محافظ جلب على نفسه هجمات متوالية من وسائل الإعلام الليبرالية في الولايات المتحدة بسبب تصريحاته المثيرة للجدل والتي وصفت بالعنصرية تجاه المسلمين والأقليات العرقية، خاصة اللاتينيين.

ورغم أنه لم يتول منصبا سياسيا فإنه حاول الحصول من قبل على ترشيح حزب صغير في الولايات المتحدة، هو "حزب الإصلاح" لانتخابات عام 2000، إلا أنه انسحب من المنافسة بسبب أدائه الذي لم يحقق شعبية في الحملات الدعائية بكاليفورنيا ولكن لم تتوقف طموحاته السياسية عند هذا الفشل.

ففي عام 2012 عاد وأعلن تفكيره في الترشح للرئاسة مجددا، إلا أن سمعته السياسية وقتها تضررت بسبب علاقته بمجموعة Birther التي تعتقد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم يولد في الولايات المتحدة، ولذا فإنه لا يحق له تقلّد الرئاسة.. فيما بدا تلميحا عنصريا ضد السود.

وبقي ترامب منتقدا حادا لأوباما، ليس فقط بخصوص محل ميلاده، بل أيضا في كل سياساته تقريبا، فقد ادعى من قبل أن أوباما يحاول فرض الأحكام العرفية وأنه لا يملك سياسة محددة في سوريا، وأنه إذا تولى الرئاسة فسوف يجعل أمريكا دولة عظيمة مجددا، ومن هنا كانت بداية عودته للترشح للرئاسة في 2015، ولكن هذه المرة مع الحزب "الجمهوري"..

وهو يمثل ما يسمى "الفاشية الزاحفة" التي ينبغي رفضها" وفقا لتعبير صحيفة "سياتل تايمز"، كما أنه برز عدد من التسجيلات المناهضة له، على غرار إعلان قصير بث على الإنترنت أطلقه حاكم أوهايو جون كيسيك، يربط ترامب بـ"ألمانيا النازية".

ونشر ترامب كتابا وصف فيه بلاده بـ"المريضة"، استعرض فيه ما يصنفه بأنه آفات تعاني منها الولايات المتحدة.

ويحمل الكتاب عنوان "أمريكا المريضة: كيف نستعيد عظمة أمريكا؟". ويدافع فيه أيضا عن رغبته في بناء جدار على طول الحدود المكسيكية، مشيرا إلى الحاجز الفاصل الذي بنته "إسرائيل" في الضفة الغربية المحتلة "الفعال إلى حد كبير في صد الإرهابيين" في نظره.

حديثه المستمر عن الهجرة غير الشرعية، وإثارة العامة ضد الإسلام وضد المسلمين، تعد أعلى قيمة تتميز بها حملته الانتخابية، وهي ليست إلا جزءا من قصة طويلة وسخيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، يركب أمواجها المرشحون المتسلقون الذين لا توجد لديهم برامج سياسية حقيقة، أو من أعطبت البرودة والرطوبة عقولهم وأفسدت أدمغتهم.
التعليقات (0)